جوزف أبي ضاهر في معرضه الجديد “لعبة ألوان”…

الشاعر والرسام التشكيلي كلّ لا ينفصل يعكس الحياة ظلالا

vector painter كلود أبو شقرا

خمسون عملا بين لوحات ومنحوتات برونزية تصوغ “لعبة ألوان” (9-18 نوار 2019 غاليري إكزود بيروت- الأشرفيه)  مستلة من قلب شاعر ورسام تشكيلي صنع عالمه خارج حدود الزمان والمكان، وجعل من طفولته ملعب إبداعه، وإذا به يتنقل بقلمه وريشته وفكره من غمرة قمح إلى بيت واقف بشموخ على قمة مطلة على البحر، إلى دفء عاطفي يغمره بحنان يفوح منه عبق حب شامل للمرأة الحبيبة والأم، للأرض المعطاء، للآخر المتفاعل مع حروفه وخطوطه وألوانه.

متمرّد على روزنامة العمر، جوزف أبي ضاهر، في معرضه الجديد هو ذلك الطفل الذي يلهو بين الزهر والألوان والبيوت، يسرح ويمرح في ساحات الحلم ويتوق إلى أن يطاول الغيم  ويركض نحو أفق جديد… كل ذلك في أسلوب رمزي يحمّل الخط واللون فلسفة حياة ووجود، ويجعل من اللوحة قصيدة تعكس ذات الشاعر والرسام التشكيلي التي هي كلّ لا ينفصل، فالشاعر حاضر بقوة في ثنايا اللوحة والرسام حاضر بقوة في عمق القصيدة…

حول “لعبة ألوان” وما يحمل من تجارب جديدة، لا سيما تجربة الأقنعة البرونزية، كان الحوار التالي مع الشاعر والرسام التشكيلي جوزف أبي ضاهر.

55637095_430452891055614_3259057979189624832_n

“لعبة ألوان” هو السادس في سلسلة معارضك في الرسم والنحت، ما السمة التي يتميّز بها؟

يتضمن المعرض للمرة الأولى مجموعة أعمال بالحبر الصيني بالإضافة إلى مجموعة من الأقنعة البرونزية وبعض المنحوتات.

يشكل هذا المعرض نقلة نوعية، إذ يأتي بعد سنوات عشر على معرضي الأخير، والتغيير الظاهر فيه ليس في التقنية بل في المضمون، إذ تتخذ مواضيعه منحى رمزياً يتم فيها اختصار التفاصيل والإبقاء على القليل الذي يحكي الكثير. إضافة إلى شفافية اللون والمساحات الهادئة، فأنا ابن البحر، أرى البحر من شرفة بيتي وأعتبر نفسي من رواده في السفر  إلى عوالم جديدة أسعى إليها بخيالي أكثر من واقعي.

 في معارضك السابقة كانت المنمنمات تأخذ حيزًا واسعاً فيما تغيب عن معرضك الجديد، فهل تعتبر أن هذه المرحلة انتهت تاركة مساحة لمرحلة تشكيلية جديدة؟

في أعمالي السابقة كانت المنمنات بالحبر الصيني تأخذ الحيز الأكبر في المساحة والمضمون، اليوم  صار من الصعب علي تنفيذ مثل هذه الأعمال، لما تتطلب من تركيز في النظر ودقة متناهية. رحت إلى التبسيط من النقاط إلى الخط وبه أكملت الرؤية التي حاولت أن اصنع منها، برمزية أيضًا، الأشكال والوجوه والأجسام، فكل لوحة هي مشهدية كاملة تخبر ما يريد الناظر إليها أو ما يستطيع أن يكتشف.

في العموم الموضوع الأساس هو المرأة التي تفرض حضورها الدائم في شعري وحياتي وأعمالي. إنها الرمز للحياة في وجوهها النبيلة، فأنا اتعاطى معها بشفافية كأنها البلور الذي أخاف أن يسقط وينجرح ويتبدد. أحافظ عليها بدقة متناهية وبحب كبير.

جميع هذ الأعمال ليست بعيدة عما اكتبه من يوميات ومن قصائد ومن أفكار، اعتمد فيها أيضًا الرمزية والاختصار والفكر المكثف.

55661610_430452454388991_1368513714516393984_n

النقطة… البداية

كيف تشكل القصيدة وتكتب اللوحة؟

 تبدأ الكلمة من النقطة والنقطة تشكل خطًا والخط يكمل شكلا، والشكل هو لغة من لغات الفكر والمعرفة والغنى الثقافي والروحي. أنظر إلى العمل مع أول نقطة تنزل من القلم لتدوّن الشكل لا لترسمه، فيكون شبه قصيدة تتناول برمزية مختصرة ومكثفة الأغنى من الموضوعات المتنوعة، وهنا يلعب النظر دور القارئ الأول ويكاد يشد اليد إلى ملامسة الخط.

المواضيع في مجملها تبدأ من المرأة من الحياة إلى الحياة في مجالاتها المتشعبة والكثيرة، واسعى للمحافظة على عطرها كي لا تأتي جافة فيشترك الذوق وحاسة الأصابع والرؤية في تلمس ما أصنع وما أدوّن رسماً على الورق أو على القماشة.

 للألوان فلسفة خاصة في لوحاتك، فهل هي تجربة تشكيلية أم إبداعية أم حياتية؟

الألوان ليست بعيدة حتى حين ارسم بالحبر الصيني فالظلال هي بعض الألوان تتدرج من القاتم إلى الشفاف، إنها مرحلة ليست بجديدة ولكنها مرحلة متطورة، أكمل بها ما بدأته قبل سنوات عشر، ولم اكن في خلال هذه الفترة التي تعتبر فراغاً، لم أكن بعيداً عن تجارب كثيرة قمت بها وصولا إلى ما أنا عليه الآن.

معرضي الحالي يحمل اسم “لعبة الألوان”، واللعب باللون هو كمن يرسم الغيم في سماء واسعة وفي المدى الذي نسعى إليه، ونصعد  بأحلامنا صوب شيء نراه ولا يراه غيرنا. آمل أن أكون وفياً في عملي للموضوع وللأسلوب.

 البيت ، الأرض، المرأة… وغيرها تشكل الأساس في تأليف اللوحة عندك، فما الرابط بين هذه العناصر؟

 من المرأة الأم والحبيبة والزوج إلى الحياة الشاملة، بدءا من البيت شكلا ومضمونًا فهو كينونة الحماية لوجودنا وهو الأساس في جميع الحضارات، مرورًا بعناصر الحياة ولا أقول بعناصر الطبيعة، وهي غنية جداً، ودفاترها مفتوحة أمام الجميع بدءًا من حبة التراب إلى الزهرة إلى العطر إلى المسافات والمدى إلى الظلال وهي ظلالنا، نراها في الشجر والزهر وكل ما ينبت من التراب.

ليتني استطيع ان التصق أكثر بترابي فأعود ثانية وربما ثالثة إلى حياة هي اسمى من الحياة التي نعيش فيها.

55726168_430453114388925_80023736169791488_n

أقنعة و…مشاعر

في معرضك الجديد مجموعة من الأقنعة البرونزية، كيف انطلقت في هذه التجربة التي تعتبر جديدة في مسيرتك التشكيلية؟

بدأت النحت بالخشب وظهرت أعمالي في معرضين، ومعظمها من خشب الزيتون، فلاقت نحاحاً كبيراً حتى من كبار النحاتين. في هذه المرحلة الأخيرة قررت أن اتجه إلى تصميم أقنعة بالطين وتحويلها إلى البرونز لتكون تجربة جديدة أضيفها إلى أعمالي التشكيلية.

الوجوه والأقنعة معروفة عند شعوب كثيرة لكنها قليلة في لبنان. يتضمن المعرض 12 قناعاً إضافة إلى أربع منحوتات كانت خشبية حولتها أيضاً إلى البرونز.

الوجوه بطبييعة الحال هي تعابير للفرح والغضب والحزن وليست قناعًا لتختبئ  خلفه هذه المشاعر. حاولت قدر المستطاع أن أجعل الطين يروي حكاية هذه الوجوه لكنه يتبعثر ويضيع، لذا كان من الضروري أن يصبح القناع بالبرونز ليعيش قدر ما يستحق. آمل أن تكون تجربتي الجديدة إضافة إلى أعمالي المتعددة، وآمل ان تلاقي ما تستحق من التقدير.

55731114_430452781055625_4249981267375816704_n

 مسيرة شاملة

.جوزف أبي ضاهر

.مواليد غادير- جونيه 1947.

.شاعر، رسام، نحّات، صحافي، مسرحي.

.عمل في الصحافة محررًا وكاتبًا ومديرًا ورئيسًا للتحرير، منذ سنة 1967. أسس وشارك في تأسيس 6 مجلات.

.له 73 كتابًا مطبوعًا في مواضيع مختلفة، ومعارض تشكيلية في لبنان وخارجه.

.عمل في معظم إذاعات وتلفزيونات لبنان، كاتبًا ومعدًّا ومقدّمًا لحوالى ستة آلاف حلقة.

.كتب 26 مسرحية للأطفال.

.نال أوسمة وجوائز وميدالية ذهبية لأفضل كلمات أغنية للأطفال (كهرجان زكينو دورو-إيطاليا 1987).

.صدر عنه كتاب: “عطر الرغبات”. ترجم شعره إلى الفرنسية والإنكليزيّة.

معارض

.رسم: (أربعة معارض خاصة).

-غاب سنتر، بخعازي، برمانا (1979).

-“المرأة الشمس ومنمنمات فنيقيّة”، الرابطة الفنيّة، جبيل (1986).

-ستاسيون دي زار، بيروت (1993).

-“مرايا العطر واللون” بيت الحرفي. زوق مكايل (2009).

.نحت: (معرضان):

-“مرايا الغابات”، غاليري بخعازي. بيروت (1997).

-“إيقاع الشجر”، البيت اللبناني الألماني. جونيه (2000).

-معارض مشتركة في لبنان (26 معرضًا)، خارج لبنان (6 معارض):

واشنطن (1979)، ساوباولو، ريو دي جانيرو، البرازيل (1981)، الأرجنتين (1982)، الأورغواي (1982).

55875299_430458831055020_6446114718607212544_n

56225985_430458591055044_6041197086114840576_n

اترك رد