صوته – لغته – اداؤه
1- الصوت
معظم مذيعي الأخبار ، عندنا، في المرئيّ والمسموع، ما إن تسمع صوتهم حتى تٌصاب نفسك بالغَثَيان،
إذ يُخيَّل إليك أنك تسمع نقيقًا أو نُعابًا أو مُواءً، بدلاً من أن تسمع صوتًا عذبًا دافئًا تستمتع به أُذنك
وتُسَرُّ نفسك…
للصوت، في الإذاعة والتلفزيون، دورٌ بارز وخطير.. هذا الصوت، في ظنّي، وجب أن يكون موهبة، فيتَّصف بالدِّفء والعزوبة والسلاسة..
فإذا لم يكن كذلك، فعلى وسيلة الإعلام أن تبحث عن صوتٍ يتحلّى بالصفات الآنفة الذّكر..
وإلاّ ، فإنّ الملايين من المستمعين ولا سيّما المشاهدين – المستمعين
قد يعزمون عن مشاهدة أيّ وسيلةٍ إعلاميّة…
بالحَصر أقول : قِلَّةٌ هم مَن يقفون على المنابر ويتمتَّعون بصوتٍ منبريّ؛ فإذا قام خطيبٌ يلقي الدُّرّر من الكلام وكان صوته جافًّا لا يَلقى إعجابًا واستحسانًا لدى المستمعين،
ولا يحظى منهم بالتصفيق ” الحاد ” …
* * *
في الأربعينات والخمسينات من القرن الماضي، كانت “محطّة الشرق الأدنى للإذاعة العربيّة ” هي أمّ المحطّات، على الإطلاق، من حيث الخبر والأغنية ولا سيّما صوت المذيعين فيها ، ولغتهم وأداؤهم…
لا أزال أذكر، حتى اليوم، ثلاثة مذيعين كان لصوتهم وللغتهم والأداء رنينٌ
هو رنين الدِّفء والعذوبة والفرح والطمأنينة.. هؤلاء المذيعون هم :
عبد المجيد أبو لَبَن، وكامل قسطنري، وسميرة عزام …
للمناسبة أقول : في أوائل الخمسينات من القرن الماضي، قَدَّمتُ طلبًا لأكون مذيعًا في محطّة الشرق الأدنى. قُبِلَ الطلب فَدُعيتُ إلى مكتب المحطّة في بيروت لاختبار الصوت. قدّم لي مدير المحطَّة جريدةً لأقرأ..
فما إن قرأتُ سطرين حتى نظر إليَّ المدير وقال: كفى ! ابتداءً من الغد، أنت مذيعٌ في محطّة الشرق الأولى .. بَيْدَ أنَّ حرب “السويس” التي نشبَتْ بين فرنسا وإنكلترا وإسرائيل، من جهة ، ومصر من جهة ثانية كانت السبب لإقفال إذاعة الشرق الأدنى، وهي ما تزال مقفلة حتى اليوم…
* * *
حاشية
الإذاعة اللبنانية أو إذاعة لبنان، في أيّام عِزّها، كان مذيعو الأخبار، فيها،
يتحلّون بصوتٍ إذاعيّ دافئ وبلغةٍ رشيقة وأداءٍ فَذّ قلَّ نظير هذا المثلَّث، اليوم،
في الإذاعة وفي التلفزيون..
مِن هؤلاء المذيعين، أذكر الأسماء التالية: رشيد علامه ، عماد فريد ، شفيق جدايل، غنطوس الرامي…
ثمَّ ماذا عن الإذاعة اللبنانية اليوم: نحن، أبناء البقاع، محرومون سماع إذاعة لبنان منذ السبعينات من القرن الماضي..
فهل لوزارة الإعلام أذنان سامعتان ؟!..
* * *
2- اللغة :
لغة المذيعين، أقلُّ ما يُقال فيها أنَّها لغةٌ مكسورة الخاطر، مهيضة الجناح، مهشَّمة،
بدلاً من أن تكون ملكة على رأسها التاج وفي يدها الصولجان،.. همزة الوصل، في هذه اللغة،
هي السيدة الأولى …
إنَّها تُلفَظ حيثما وقعَتْ، ومن المعروف أنَّه يجب ألاّ تُلفَظ إلاّ في ابتداء الكلام… أيُّها الإعلاميون الكرام،
عليكم أن تُراجعوا كتاب الصرف والنحو قبل أن تقفوا وراء الميكروفون في وسائل الإعلام.. اللغة هي لغتكم الأًمّ، أتقنوها فيحترمكم الملايين من المستمعين… يقول أمين الريحاني:
” أيتها الأُمّ اللبنانية، عَلِّمي أولادك اللّسان العربي.. إنّ الأجنبيَّ لا يحترمهم إذا كانوا لا يحترمون لغتهم…
* * *
3- الأداء
معظم مذيعي الأخبار أداؤهم قِتاليّ حتى ليُخَيَّل إليك أنَّ حَربًا ستندلع نارها بين لحظةٍ وأخرى،
أو أنَّ “زعيمًا ” كبيرًا قد وافَته المنيَّة، أو أنَّ زلزالاً قد وقع في إحدى المناطق فدمَّرها تدميرًا..
فيا صديقي المذيع: أنت تذيع خبرًا؛ فَليتَّصِفْ خبرك، أيًّا كان نوعه، بالهدوء والرصانة ولا تجعله (ورقة نعوي) …
من ناحية أخرى، يُذاع الخبر بسرعةٍ لو احتوتها سيّارة لحَطّمت هذه السيّارة، في طريقها ،
البشر والحجر والشجر…
* * *
حاشية :
مذيع ومذيعة ، في إحدى المحطّات التلفزيونيّة، ما إن يُطلاّن على الشاشة حتى تقول:
” أعوذُ باللّه من الشيطان الرجيم “.. فَمُهُما شِبْهُ مُقْفَل ، يمضغان الكلام مضغًا فتتلقّى أُذنك الخبر
مشوَّهًا مبتورًا مُقَطَّع الأوصال…
شأن هذين المذيع والمذيعة، في أدائهما، شأن طفلٍ يحمل ملعقة الحَساء إلى فمه،
فتسقط الملعقة من يده ويلوِّث ثيابه بالحَساء…
* * *
يبقى أن تختار وسيلتا الإعلام المرئيّة والمسموعة المذيع صاحبَ الصوتِ الدّافئ واللغة الراقية والأداء السليم الهادئ..
والســــلام.