مسرحيّة “العبابيد” لـ هشام زين الدين
ثورة إيجابية على الواقع اللبناني المرّ
ليلى الداهوك
عمل جديد للكاتب والمخرج د. هشام زين الدين تم إفتتاحه على مسرح المركز الثقافي الروسي، يضيف الكثير من الرقي والتميز إلى الساحة الفنية والثقافية والمسرحية ويعالج قضايا الواقع السياسي والاجتماعي بفظاظته في قالب مسرحي يدمج بين الكوميديا السوداء والدراما.
“العبابيد” مسرحية هادفة في قالب الكوميديا السوداء الساخرة تعرض ظاهرة “الإستلاب” بحسب تفسير علم النفس التي تتنازعنا تجاه المسؤول (النائب، الوزير، الموظف، صاحب السلطة)، وتلغي قدرة العقل على التفكير والتحليل كما تلغي قيمة الإنسان الذاتية تجاه نفسه، وبالتالي تخمد فيه نار الرفض التي تسكنه ضد أي ظلم أو ذل، وتؤدي إلى ثورة إيجابية في سبيل التغيير.
معضلات اجتماعية
يطرح النص على بساطته معضلات اجتماعية واقتصادية وإنسانية نعايشها يوميا، من دون أن ندرك خطورتها. لعلها بهذه الإضاءات تحرك النبض فينا وتحملنا إلى عوالم يقظة تحررنا من قيودنا وتنتشلنا من حافةالهاوية قبل الوقوع فيها.
تدور احداث المسرحية حول زيارة السيد الوزير الخاطفة التي أصبحت محور حياة الناس وأحاديثهم وطموحاتهم، وتظهر سذاجتهم وإسقاطاتهم وسطحية حياتهم. واللافت هو قدرة الممثلين البارزة على لعب دور الكوميديا التي تقترب من “الغروتسك” والتمثيل الدرامي المتقن في الوقت نفسه، بأداء ومرونة وحيوية لا مثيل لها.
الواقع المرّ
على هامش العرض الأول كان لنا لقاء مع الدكتور هشام زين الدين، الذي أكد أن هذا العمل يتناول الواقع الاجتماعي والسياسي المرّ الذي نعيشه في لبنان وينسحب على الكثير من البلدان والمجتمعات العربية في إطار كوميديا سوداء وبأسلوب ساخر، للغوص في طروحات عميقة تلامس عقل المتلقي. وقال: العمل موجع لأنه يكشف عن شخصية العبابيد البسطاء التي تشبهنا نحن كمشاهدين والتي تؤكد على وجود إشكالية في علاقتنا بالمسؤول عن حياتنا ومستقبلنا ، كما تؤكد على وجود الاهمال وعدم المساواة والتخويف والاستهتار الذي نعيشه من قبل السلطات الحاكمة . ويقول المؤلف والمخرج : للأسف المسؤولية لا تقع على عاتق الحاكم بل على عاتقنا نحن، لأننا راضون وصامتون ومستسلمون بأن نرزح تحت وطأة ظلمه وإستبداده وذله لنا بكامل إرادتنا وهذا ما يفسر الحالة السيئة غير المسبوقة التي وصلنا إليها.
ذائقة الجمهور والثوابت المسرحية
وفي سؤال حول الفرق والتبدل بين آلية العمل المسرحي السابق بعنوان “درس عمومي” وبين “كوميديا العبابيد”، يؤكد د. هشام زين الدين أنه يحاول العمل على إيجاد علاقة وطيدة مع الجمهور، يكون فيها المسرح رابحاً، من دون التنازل عن الأساسيات والثوابت المسرحية من جهة، وإرضاء ذائقة الجمهور ورغبته في الاستمتاع بالفرجة المسرحية والضحك والاستمتاع، من هذه المعادلة جاء تحوّله من الدراما الجادة إلى الكوميديا السوداء، لأن أغلب الجمهور لا يستذوق الأولى ويعتبر المسرح مساحة للتسلية والترفيه وهذا واقع علينا التعامل معه بذكاء ومسؤولية، لذلك فضل إستبدال الطريقة لطرح الفكرة نفسها والوصول إلى الهدف المنشود.
ختاما وفي سؤال حول فعالية الأعمال المسرحية وتأثيرها التغييري قال: إن هذه الأعمال ضرورية وتصب في إطار الإضاءة على المشاكل والمعضلات ونقلها إلى دائرة النور لحث الجمهور على التفكير والاستنتاج .
***
“العبابيد” صفعة على جبين شعوبنا العربية عموماً والشعب اللبناني خصوصاً، فهل سنستيقظ من سباتنا نحن العبابيد الذين نعيد ونزيد ونلف وندور ونبقى مجرد كائنات تحلم بالحصول على أبسط حقوقها في العيش الكريم؟