موت الصّبيّة/ترجمة شعرية لمعزوفة موسيقيّة

تتطلب عرض الشرائح هذه للجافا سكريبت.

الموسيقيّ الألمانيّ فرانس شوبرت (1797-1828) من كبار الموسيقيّين العالميين،

وقد كان معاصرًا لبيتهوفن العظيم (1770 – 1827)حتّى جاوره في ضريحه،وكان يعيش حياة بوهيميّة قبل شيوع استخدام هذه اللفظة في الفنّ الأوربيّ والفكر والسّلوك في المجتمع الغربيّ.

لقد عاش شوبرت من أجل الحافز الإلهيّ الكامن في أعماقه الذي كان يسوقه للخلق، ويشوقه إلى الإبداع في جميع أشكال الموسيقى الغربيّة من موسيقى ارتجاليّة وَهْليّة بنت لحظتها على آلة البيانو، إلى موسيقى وتريّة ورباعيّات وصوناتا وسيمفونيّة وأوبرائيّة وقداديس. وهو عند الألمان ” أبو الليدر”، وهي مجموعة الأغاني لشعراء ألمانيا المشهورين مثل جوته(1749-1832)وشيلر(1759-1805)والمغمورين، وقد زادت عن ستمائة أغنية تجمع الكلاسيكيّ إلى الرّومانسيّ ، ومنها قصيدة جوتة “الوردة البريّة” وقصيدة موار “عند النافورة أمام الباب” من مجموعة أغانيه “رحلة الشّتاء” تمييزًا لها عن مجموعته الأولى “الطحّانة الحسناء” . ومن روائعه أغنية ” جرتشن أمام المغزل” و” إليّ بالوسادة النّاعمة ” و” أغنية “المساء ” و”الرّاعي على الصّخرة ” و”ملك الغاب” وهذي ذات شهرة كبيرة تحكي عن موت فاجع لطفل بأسلوب قصصي ، وتصعيد دراميّ، وكذلك “الموت والصّبية”وهي موضوعنا هنا.

أطلق شوبرت على الرّباعيّة الوتريّة لآلتي الكمان والفيولا والتشيللو رقم 14 اسم “الموت والصبية” وقد أنشأها من الحركة الثّانية من النّصف الثّاني من قصيدة الشّاعر وكان يومها شاعرًا مغمورًا . Matthias Claudius :

وأتخيّلها كالأتي:

الصّبيّة :

مُرْعِبٌ يا مَوْتُ تأتي مُفْزِعًا ***وأنا مازلتُ في فَجـْــرِ الشّبــابْ

لم أعشْ بعدُ حياتـــي والمُنَىَ***قابَ قوسين ولـــي منها اقترابْ

وجمالـي كيفَ تمحـــوهُ بـلا ***رحمــةٍ حتّى يُــوارَى بالتـّرابْ؟!

الموت:

لا تَخَافـــــي يا ابنَتيْ من عابرٍ*** فأنا فــي رحلةٍ أبغي الإيــابْ

فاطمَئِنّي واغرقي في غفوةٍ***فوقَ صدري حيثُ تنسينَ العَذَابْ

وإذا شئتِ سَلامًــا دائمًا*** فادخُلــي مـــا بين جسمي والثّيابْ!!

ثم يمضي بها بعيداً قبل أن تلبس ثوب الزّفاف.

أما أنا سعود الأسدي فإنّني تحت وطأة تجربة وقوع صعقة الموت عليّ لموت فتاة عرفتها، فقد ثارت كوامن أحزاني بعد خمسين عامًا، يوم كانت في الثّامنة عشرة من عمرها،وحزني على تلك الصّبيّة لا يفنى ، وأنا أسمع وأعيد سماع أسطوانة “الموت والصبية ” وبقطرات من الدّموع كتبت:

لموتِكِ في روحي صَدًى ليس ينتهي*َتجَاوبَ في صدري وَقَرَّ بمسمعي

فإنْ لم تكوني فــي الحياةِ فإنّني** أرَى منكِ ذكرَى ما حَييتُ تُرَى معي

كتبتُ لكِ الشِّعْرَ المُغَنَّـى وعندَما***فقدتُكِ خَطَّ الحُـــزْنُ شعري بأدْمُعي

فيا موتُ ! كَمْ تقسو وما بِكَ رحمةٌ***أمــا لكَ قلبٌ للأسَـى والتَّفَجُّــــعِ ؟!

تجئُ إلى الشّيخِ الوَقُورِ ولم يُسِئْ***وتأخذُ قَسْرا مــن رضيعٍ ومُرضِعِ

أما كان في الإمكانِ حتمٌ مغايرٌ***ولــــم تكُ بالمرصـادِ في كلِّ موقعِ

كَسَرْتَ لي الغصنَ الرّهيفَ ألَمْ يكنْ**لديكَ خَيــارٌ أنْ تُكَسِّرَ أضْلُعـي ؟

فَتـَـاةٌ مُحيّاهَــا جمــالٌ وروعـــةٌ ***وغمّازةٌ فـي الخَـــــدِّ تأتـي بأرْوَعِ

وَمَبْسَمُها كالأُقْحُـــوانِ وإنْ بَدَا***إلـــى الشّمسِ كالدُّرِّ المُنَضَّدِ يلمــــعِ

تُزَغْلِلُ عَيْنَيْ من يراها بِخَطْفَـةٍ***كمــــــا البَرْقُ إذْ يأتيه خَوْفًا بِمَطْمَعِ

وَشَعْرٌ كأنّ الليلَ ألقَى وشاحَـــــــهُ***عليه علـــــى جِيْدٍ من النُّورِ أَتْلَعِ

وَلَسْتُ بناسٍ يومَ جاءَتْ تزورُني***وخوفَ الغيـارَى بادَرَتْ بالتسرُّعِ

ومنديلُها يهفو علي رَحْب صَدْرِهضــا***كَخَفْقِ شراعٍ للنسائم مُشْرَعِ

تَضَوَّعَ منهـــا العطرُ،قلتُ:أيـا هَــلا ***بهــا بابتسام النجمِ بالمُتَضَوِّعِ

ولمّــا مَضَتْ عنّــي بقيتَ مُشيَّعًا***وإنّــي لهـــذا اليــــــومِ كالمتشيِّــع

أتَتْ ثم غابَتْ مثلَ نَجْمٍ قد اختفَى**ونجــمُ الدُّجَـى يزهو لدى كلِّ مطلعِ

فيا ليتني ودّعتُ شَمْسًا ولــم تَعُدْ***وليتَ التــــــي وَدَّعْتُهَــا لـــم تُوَدَّع

وشمسُ الضّحَى في كلَّ يومٍ أرّى لها*طُلُوعًا،وَشَمْسِيْ ما لها أيُّ مطلعِ

وحزني عليها سوفَ يبقَى مُخَلَّداً*ولو حانَ في يومٍ إلى التُّرْبِ مَرْجِعي

إذا عَبَرْتْ بي ساعةٌ من تَصَوّري*لصورتِها في العُدْمِ ضيّعتُ مَوْضِعِي

وراجعتُ وَعْيي في ذهولي وكيفَ لي أُرَدُّ لوعيي دونَ وَعْيٍ لما أعي؟

فليتَ أتانــي في المنــامِ خيالُهـــا * فإنَّ خيــــالاً غيــرَهُ غيــرُ مُقْنِعِ

وَفَائــي لهـــا باقٍ وإنَّ شبابَهـــــا***يُشِبُّ بقلبـــي لوعتـــي وتفجُّــعي

فيا ليتني قد مُتُّ من قبلِ موتِها**وكانَ ببطنِ الأرضِ قد حانَ مهجعي

فكلُّ نَعِيـــمٍ بعدَهـــا مثلُ لعنـةٍ***وأهـــونُ منـه لو أواجِـهُ مَصْرَعــي

اترك رد