راعٍ وقطيعُ حُبّ  

تتطلب عرض الشرائح هذه للجافا سكريبت.

رعدُ ، ما رعدُ ؟

إنْ هو وقد أَرْمَى على العشرينَ ربيعًا ، إلاّ سنديانةٌ اغْتَرَزَتْ في صَخرة .

أو قضيبُ مَعْدِنٍ ارتَزَّ في ساعِد.

منيعُ حَوْزَةٍ ، وحصينُ ناحِيَةٍ ، وعِزَّةٍ غَلباءَ .

راعي أغنامٍ مِقدامٌ ، يُرهِفُ غِرارَ عَزْمِهِ ، ويَجْمَعُ أُهبَتَهُ لكلِّ غائِيّةٍ أقْطَعَها لنفسِهِ، وافترَعَها لِأَغراضِهِ ومُواضَعاتِهِ ، فَقطيعُهُ لم تَنْزُ في رأسِهِ يومًا سَوْرَةُ الأَنَفَةِ ، ولا أدْركَتْهُ حَمِيّةُ مُنْكَرَةٌ ، فَلاجَّ وَلادَّ وشاكَسَ في مَنْهَلٍ أو نُجْعَة .

أنْ يَهُشَّ بِعصاهُ لِفَّ(1)شِيائِهِ وأخلاطِهِمْ ، مَسُوقًا بالرِّفِقِ والهَوادةِ والطّلاوةِ ، فسلامةُ طَوِيَّةٍ وعُيُوفٌ لِلشرِّ ، وإلاّ أَلجأتْهُ مُكرَهًا أن يأخُذَها أَخْذَ مُقتَدِرٍ حتّى تَسترسِلَ في مَزالِّها لِـمَشيئَتِهِ طائِعةً صاغِرَةً ، خلا النَعجةَ البَلْقاءَ ، الـمِتْئَامَ ، ذاتَ الألْيَةِ الـمُكوَّرَةِ كقُرصِ الشّمسِ ، مَنْ عَناها ابنُ حجّة الحموي في خِزانةِ الأدبِ “تجوُّزًا” بِقوْلِه :

مُنَعَّمةٌ لفّاءُ مَهضُومةُ الحشا                تكادُ بأن تَنْقَدَّ من دِقّةِ الخَصْر

إذ كانت تجرُضُ بِرِيْقِها كَمَدًا من الحُكمِ الجائِرِ الذي طالها وأُخيَّاتِها، فقد واثَقَتْ كبْشًا مَنْخُوًّا من كِباشِ(2) القطيعِ ، وعاقَدَتْهُ أن تَتَقَصَّصَ أثَرَهُ فلا تَرْعَوي أبدًا عن جِوارٍ كؤودٍ تَصَعَّبَ فأرْهَقها ، فأَفْنَتْ لَيالِيْها هائِمةَ اللُبِّ ، كلِفةَ الحُشاشةِ تتقَلَّبُ على مثلِ الجمرِ في مخبّآتِ ودفائِنِ سِرِّها الكَنيْنِ ، ممّا أثار حَفيظَةَ رعدٍ ، الّذي أقْعَدَهُ جَفيفُ حياتِهِ ويَبيسُها عن النَّصَفَةِ والعَدْلِ في نُزُوعِ قلبِهِ ، حتّى تُنُوسِيَ الـمُرادُ ، فيما لِسانُ حالِهِ يَطْرَحُ ثِقْلاً من حَرَّانِ جوانِحِهِ مع الشّاعر مصطفى الحلبـي :

ولا تغنَّتْ على غُصنٍ مُطوَّقَةٌ             إلاّ أهاجَتْ ليَ الأشجانَ والأرَقا

هكذا عَفَتْ رياحُ رعدٍ ، واستُبْهِمَتْ سُبُلُ الطَّلَبِ، فمرّةً تَهُبُّ بعيدةَ الـمَنالِ جَنوبًا أو شَمالاً مع (سعدى) ، وأخرى ، تَصِرُّ مَنيعةَ الدَرَكِ قَبُولاً أو دَبُورًا مع (وطفى)، وبين سعدى ووطفى ، وقد استَفْرَغَ معهما وُسْعَهُ ، ركِبَ رعدٌ رأسهُ فهامَ في أوْدِيَةِ الضَلالِ ، وعَمِيَتْ عليه وُجُوهُ الرُّشد .

… وإنّي لَـمُعتَرِفٌ الآنَ في قلمي الدَوَّارِ ، وأنفاسِ كلماتٍ رَغْدةٍ طيّبةِ الـمَضاغِ، كيف كان عهدُنا ، نحنُ صِبيَةَ القريةِ برَعدٍ ، وبما كنّا نترامَزُ ونتغامَزُ عليه ، ووَقعَ إلينا، ونتنسَّمُهُ ، من طَريفةِ خبر .

* * *

رعدُ من أهلِ الرِّجْلَةِ لا يعلو حِمارًا ، ولا يمتطي بَغلاً في “أسفارِهِ” ، فله من ساقَيْهِ مِصراعانِ من جُلمودٍ ، اجتَبىلهما في بَغائِهِ خُفّيْنِ من جِلْدٍ ألـمَعَ بهما أبو “مجد” إسكافِيُّنا ، الّذي غَمَرَ الجميعَ مَنْحاهُ ، فجاءا على قَدْر .

وهو في مُعَلَّقاتِ الشّكلِ ونواميسِه :

بادِنٌ ، سمينُ الضَواحي ، رَبْعةٌ إلى الطُّولِ ، مَخروطُ الوجهِ ، مُمْتَلِئٌ قُوَّةً وشبابًا، حتّى لَيَتَدفّقُ السُرورُ من عِطْفَيْه . دائمًا في شُغلٍ شاغِلٍ من أمرِهِ ، فَطِنٌ ، ذَهِنٌ، لَسِنٌ ، تكفيهِ اللّمْحَةُ الدّالةُ ، فهو مِمّن تسترسِلُ إليهم(3) بيسيرِ الإبانة .

مقدُورٌ له الوفاءُ ، “فالسّلسالُ الأبيضُ” وقد أَمضَّهُ الخَوَى(4) وخمِصَ بطنُهُ ، وعَصَبَ الرِّيقُ فاهُ ، شُبْعَةٌ من طَعامٍ ، ومُلاءٌ تتَحلَّبُ جداوِلُ مَرْمَرِهِ من ضرْعِ الرَّقْشاءِ الكنيز . وبقصديّةٍ ذكَّارَةٍ يُبَرِّدُ فؤادَهُ بمثلِ اللُّحمانِ يَهْمِشُها(5) ، يَهْمِسُها(6) ، ويَلُوسُها(7) لَوْسَ السَّغِبِ البَطين.

* * *

المكانُ يمورُ بأنغامِ شَبّابةِ رَعدٍ على هريرِ كلبِهِ النَجيدِ ، الصُلْبِ المكسِرِ ، مُبَصْبِصًا بِذَنَبِهِ ، يُباصِرُ القطيعَ من الضّواري ، فلا يَسمحُ بانحرافِ نعجةٍ ، أو بتخلُّفِها عن السِّرب.

ولُرُبَّ مِهْرَجانٍ قائمٍ على أشُدِّهِ يُطالِعُكَ كأنَّهُ مُناغاةُ الأطيارِ على عَذَباتِ أغصانِ زيتونَةِ دارِنا:

  • الحمارُ (زعفران) يَخطُرُ ، ويَتَبذَّخُ بِجُلٍّ(8) وُشِّيَ بِضُروبٍ وألوانٍ ، مِنْ نَجادَةِ الحِرَفيّ حسّان ، وهو صاحبُ دعوى عَريضةِ النِّياطِ .
  • المرياحُ(9)مَنْ وَقرَتْ مهابَتُهُ في الصّدورِ ، وأذْكى الظَمَأُ أَحلاقَ جماعَتِهِ ، فأَغلَظوا عليه اللاّئِمَةَ ، يَتَقَدَّمُ العَجاجَةَ(10) بمَوْكِبِهِ الفَخيمِ ، البَجيلِ ، مُيَمِّمًا شَطْرَ الـمَشرَبِ على وقْعِ طَنّانِ جلاجِلِهِ ، لاتُخالِجُهُ أو تَعتاقُهُ الخوالِجُ.. تَقفوهُ الكِباشُ ، فالقطيعُ، وما أدراكَ ما الكِباش ؟!

ويالَلْثَنايا(11)  إذا ضمّت بعضَها بعضًا ، والتَوْقُ يُورِقُ في عينيها ولائمَ حُبٍّ ، فهذا يعني أنّ شهرَ أيلولَ على الأبوابِ ، ومِيْقاتَ التَرَسُّلِ يقُومُ ويَقعُدُ ، فالنِزاءُ في لُغَةِ الأغنامِ يَرتَفِعُ عريشُهُ ، والكِباشُ ، جادَها الله ، تَعبُقُ منازِلُها ومهابِطُها ذُكورةً ، وهاتِ يا قصائِدَ عِشقٍ تتمزّى وتتمزَّنُ لا يُضارِعُها الذَّهبُ الإبريز . ويا لُطْفَ تواثُبٍ مُشبَعٍ بجهارَةِ الصَبابات .

حتّى إذا أربَعَتِ السنةُ القادِمةُ والنِعاجُ المواخِضُ(12) آنَ إيلادُ حُملانِها أبشِرْ بِحَلائِبَ ضَرُوعٍ ، فَيّاضةِ اللُّهى(13) تَرْتَجُّ كمَطْفَرَةِ الماءِ من اللِبانِ ، ولا تستَغلِقُ عليها سَماء !

ويا فَرْحَتا بالجُذعانِ(14) الوافدةِ تَتَهيأُ لها فَلَواتُ بِقاعِنا فَغْوًا ، وأرَجًا ، وتَوَهُّجَ شَمِيم !

أمّا الطُليانُ(15) ،

مِمّاذا تعجَبُ يا صاحِ ؟ فإنَّهم لا يَجِدُونَ مُتعَةً إلاّ في مغامِضِ زغَبِ ثِنْياتهم .. يُمازجونها ، يُجادُونَ إليها ، فتحتَبِلُهُمبِلَواطِفِ دَلِّها ، وتذهَبُ بِمَدارِكِهم كلَّ مَذْهب.

وأيَّما حَرْبٍ سَعورٍ تَشْتَعِلُ وتتفاعَلُ في أجسادِهِم الغضّةِ الـمُفعَمةِ بِفوْرةِ الحياة!

أوَلَسْنا كلّنا غَرِضُونَ نتجرَّعُ غُصَصَ النَدَمِ على ما عفا واندرسَ من عمرنا وفات؟

* * *

أرغَبُ عن الكلامِ يا سلمى ،

فعيني مَطروفةٌ الى حُسنِكِ

وقد حَنَنْتُ واستَوْقَدَني الشّوقُ إليكِ ،

فإيّاكِ أن تَسْتَكْثِفي ظِلّي ،

وترمِينَني في مَهادِلِ مصايِري ومَرْجوِّي

يَغتابُني الضجرُ ،

ويَطْوي صحيفتي في قلبِهِ القمر!

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1- جماعة                   2- فحل القطيع (واحده كبش)

3- ترتاح إليهم                      4- الجوع

5- يعضّها                   6- يتناولها بصوت خفيّ

7- يتتبع أكلها                       8- البرذَعة (كساء يُلقى على ظهر الدّابة)

9- قيدوم القطيع             10- الأغنام الكثيرة

11- واحدها الثنية (النعاج)       12- واحدها الماخض (دنا وِلادُها وأخذها الطَّلق)

13- العطاء                  14- واحدها الجذع : حمل الضَأْن

15- واحدها الطليّ  (كِباش المستقبل) بعمر سنتين.

اترك رد