قراءة في رواية “واو الدهشة” للكاتببين جهينة العوام ومحمود عبد الغني

تتطلب عرض الشرائح هذه للجافا سكريبت.

إن أول ما يلفت القارئ في رواية “واو الدهشة” من حيث الشكل لدى احتضانه للكتاب، هو خلوه من الفهرس ومن العناوين والفصول. حتى انها مجردة من الإهداء. فلولا كلمة الناشر في الغلاف الخلفي، لما كان القارئ على بينة نوعا ما من المضمون ومن اسلوب كل من جهينة العوّام ومحمود عبد الغني.

ولعل الاستهلال بشعر مولانا جلال الدين الرومي في البداية ومن ثم في الداخل يعطينا فكرة عن العمق الروحي لما يمكن أن يطالعنا في النص.

من حيث الشكل اأيضًا، نقرأ في صورة الغلاف للرسام شوقي دلال وجوهًا متباعدة، حزينة، منكمشة على بعضها في مدينة مضيئة فيها تنمو الزهور وتغني الطيور، إنه التناقض البديع لما يكمن أن تكون عليه الرواية.

أمّا من حيث المضمون، فيدخل القارئ متشوقًا الى عمق القصة، قصة امرأة متزوجة في السادسة والثلاثين من عمرها تبيع املاكها للبحث عن زوجها “الضائع” عادل، لتكتشف عن طريق الصدفة بأنه في بلد اوروبي غير مهتم بها. مهنتها كصحفية وباحثة سورية “طرزت غياب زوجها بلا صدى وضاع وجهها بين شروخ الحياة”، فأخذتها الريح الى قرية دير العواصف بالقرب من راشيا، حيث ارادت ان تكتسب رزقها من عملها كباحثة ولاستكمال دراساتها الجامعية من ناحية اخرى.

مما لا شك فيه، ونحن نسبر غور قصة سلمى سعيد وعلاقتها مع بطل القصة  “رجا العارف” أو “مجنون جبران” اللقب الذي اطلقه اهل القرية، وما تضمنها من علاقة عاطفية خيالية مؤثرة مع والدة رجا، فخرية. نكتشف بأن علاقة سلمى مع رجا اشبه بعلاقة سوريالية ذات البعد الجبراني تطرحها جهينة العوام عبر اسئلة وجودية، فلسفية، تاريخية، فيها الكثير من القلق الثقافي، الاجتماعي كأن تقول سلمى: “ان تولد على هامش التقاطعات حيث التسويات تجعلك في نصف ارض سورية او سورية محتلة ونصفها الآخر لبناني او ارض لبنانية او فلسطينية محتلة”. إضافة الى القلق الجغرافي ومجابهة قرية دير العواصف للاحتلال الفرنسي وتهجير سكانها، كل ذلك لما عانى ويعاني منه الشعبان اللبناني والسوري.

واو الدهشة

ما سنختبره في الروابط العلائقية الى تحولها الى علاقة الدهشة، الى لقاء الوجع المعجون من عمر الوقت “ووهج الحنين” ليقف القارئ امام أسئلة وجودية “هل يتقاعد الوجع؟” “كيف يغفو العالم وحناجره زاهدة في الصمت؟”

تشاركك جهينة العوام في تفاصيل السرد كأنك تعيش مع ابطال الرواية، تتنفس معهم، تتعب، تفرح وتحزن معهم. تقرأ على سبيل المثال وصفا للحنان، تتلمس الدهشة في العيون، تشاهد الحب في القلوب. وصف يضع القارئ امام قصة جديرة بأن تكون فيلماً سينمائيًا او مسرحية.

بالتأكيد تطالعك بعض المشاهد على لوحات شعرية او حكم فلسفية كأن تقرأ “اختبار الموت اكثر حضورا من اختبار الحياة”، وفي مكان آخر: “فخرية طلبت مني ماءً، شربت كأسين وكأنها تريد إطفاء حريقا نشب للتوّ في قلبها، فتوقعتُ أن وجعاً مؤلماً في طريقه ليكتب ملاحظات على دفتري”. واأيضا: “اعلم يا رجا ان بلية الابناء في هبات ألآباء، ومن لا يحرم نفسه من عطايا آبائه واجداده، يظل عبد الاموات”.

إنّ حالة القلق المسيطرة على الرواية تجعل “واو الدهشة” تتميّز على كافة المترادفات في النص، لتجدها متجسدة في اللوحة اللغز التي رسمها رجا العارف. هذا المعطى برأيي  يبرر عدم وضع عناوين لفصول الرواية، فيتكون الفهرس برأيي من هذا الوجود المتشح بالحزن، هذا الحلم المتطرز بالموت، وهذا الخوف من مغادرة الحياة من دون التزود بالجمال، هذا التناقض المضرج بالامل، الامر الذي يعكس ما يحمله كل انسان  في داخله: المصارعة بين الحياة والموت.

من الجدير ذكره، أن القارئ يستيطع التمييز بين الأسلوب الصعب الممتنع لجهينة العوام بحسب رأيي الشخصي طبعًا وبين اسلوب السرد السلس لمحمود عبد الغني حتى لتخال نفسك امام رواية ثانية مكتملة المواصفات انما مترابطة في الوقت نفسه مع الثلث الاول من القصة.

“ثمة حكايات تخرج منها كأنك خارج للتو من حلم طويل” على ما ورد على لسان جمال نصر (او محمود عبد الغني) في الصفحات الاخيرة من الرواية، والذي تكشفت فيه عناصر الرواية ولغزها حتى بدا في النهاية ان العوّام وعبد الغني متفقان على رواية واحدة، لكن من دون ان يعرف احدهما الآخر. وأضيف بأن العنوان أتى أمينا للضمون، بحيث وعندما  تطوي ايها القارئ الصفحة الاخيرة من هذه الرواية ستفتقد حتما لصديقة رافقتك طيلة فترة القراءة وفي النهاية رحلت، تركت أثرها فيك، عندها ستصاب بـ “واو الدهشة”.

 

اترك رد