رئيس جامعة القديس يوسف ،الأب سليم الدكّاش، يرفع الصوت… قبل أن يرفع لبنان {الرايات البيض } ، إستسلاماً أو تسليماً…أو إعلانا ً بموْتِ التعليم العالي في لبنان…فهل مَنْ يسمع ويقرأ ويخاف على كرامة لبنان وصورته وعلامته الغارقة ، الذي هو مستوى التعليم العالي و جودته..؟!!
نحنُ نتساءلُ ، بأي حقِّ تنسحبُ أعرقُ جامعتين لبنانيّتين : الجامعة الأميركية ، وجامعة القديس يوسف ، من ((اتحاد جامعات لبنان )) ، ولا مَنْ يسألُ أو يهتّمُ أو يصرُخ… إنتصاراً للتعليم العالي ، الذي هو نفطُ لبنانَ وتراثه وسبائكه الذهبية..؟ اينَ المسؤولون بكل هرمياتهم ؟!! اينَ خريجو الجامعتين ،وهم في رأس المراكز والمسؤوليات ؟؟ اين المثقفون والمفكرون والناشطون الموسميون ؟؟؟ لماذا الصمتُ على إغتيال لبنان من خلال قتل التعليم العالي بخناجر محليّة وأسلحة مبتكرة ؟؟ من يحمي صورة الشهادات اللبنانية في الخارج ؟؟ لماذا يقتلون ويهدمون ما لم تقوَ عليه إرهاباتُ العالم المُوَرَّدَة الينا من آلجرود..؟؟!
أيُّها اللبنانيون.. إقرأوا وإفهموا وتصرّفوا ، بما يُمليهِ عليكم الوطن والتراث والدور..!
***
الأب سليم دكاش: التعليم العالي أصبح رهينة المصالح التجارية والطائفية
(19 آذار 2019)
في عيد القدّيس يوسف، شفيع الجامعة، لم تكن كلمة رئيسها البروفسور الاب سليم دكاش اليسوعي السنوية عادية. طرق الباب الذي يفتح على تأسيس معيار لمعنى الجامعة يحدد وظائفها في زمن الأزمات، وفي مبرر وجودها ايضاً. حدد خريطة طريق ليدرك التعليم العالي اللبنانيّ مهمّته التاريخية ويعيها، وتحويل الحقيقة إلى مشروع في مكافحة الفساد والعمل على سيادة القانون فوق محاولات إقامة حقوق خاصّة تسبّب الصراعات والانقسامات.
وظائف الجامعة في أوقات الأزمات لها معنىً خاصاً مع اقتراب الذكرى المئويّة الأولى لولادة لبنان الكبير. هذا يستدعي من الجامعات مساءلة نفسها في بعض المشكلات الأساسّية التي قد تقوّض وجود البلد. فالجامعات يقول دكاش، تواجه التهديد الأكاديميّ بسبب انحدار نظامنا الجامعيّ إلى الهاوية، والتهديد الثقافيّ بسبب الأزمة الأخلاقيّة والروحيّة التي يمكن تلخيصها بكلمة الفساد المعمّم، والتهديد الذي يطال الهويّة اللّبنانيّة بسبب فقدان معالمها. لذا من الضروريّ أن تجدّد الجامعة تفكيرها في مسألة العيش معًا، وهنا تكمن مهمّتها في التفكير بطريقة نقديّة لمواجهة الأزمات. فما هي الوظيفة الأولى؟
نقد النظام الجامعيّ اللّبنانيّ الحاليّ هو المهمة الأولى. التعليم العالي في لبنان أصبح اليوم رهينة المصالح التجاريّة والطائفيّة، وهي مشكلة تطرق إليها الأب سليم عبو عام 2002. توسّعت شبكة الجامعات لتصبح اليوم مجموعة من 52 مؤسّسة يبلغ عدد طلابّها 200000، وحوالى الثلث منهم في الجامعة اللّبنانيّة. “لكن هل ما زال في إمكاننا التحدّث، عن جامعات؟ على سبيل المثال، قام الجيش اللّبنانيّ أخيراً بوضع يده على تجارة للشهادات تتمّ في أربع جامعات على الأقلّ. لقد أظهرت لي مشاركتي في مجلس التعليم العالي من عام 2015 إلى 2018 الأخطار التي تهدّد هذا التعليم وتضخّم البرامج في هذه الجامعة أو تلك. فقد تمكّنت جامعة جديدة من الحصول على الاعتراف ببرامجها في غضون أيّام بينما كان البعض الآخر ينتظر سنوات”.
ما اسباب هذا الانهيار؟ يسأل دكاش، مع أيّ استراتيجيّة يتمّ إنشاء هذه الجامعات؟ لم تتمّ بلورة أيّ رؤية رسمية شاملة ومتابعتها بشأن إنشاء الجامعات الجديدة وهي جامعات معمّمة في لبنان، من الإجازة حتّى الدكتوراه. لا توجد خطّة لتوزيعها وفقًا لحاجات البلد والمناطق وخاصّةً بحسب التخصّصات. البرامج أو الشهادات الممنوحة تتكرّر حيث الكليّات التي لا تتطلّب استثمارات ضخمة لأنّها تدرّ أرباحًا. بالتالي هناك 40 كليّة في إدارة الأعمال في هذا البلد! وعلى الرغم من وجود 20 من كليّات الهندسة، تتزاحم مشاريع إنشاء مؤسّسات جديدة. وهناك ستّ كليّات للصيدلة وطلب على ستّ كليّات أخرى.
سبب ثانٍ لهذا الوضع الفوضويّ هو غياب التشريعات التي من شأنها صياغة شروط محدّدة لقبول المرشّحين وفرض ممارسة ضمان الجودة التي تتطلّب من أيّ جامعة الامتثال لعمليّات الاعتماد المُعتَرَف بها على المستوى الدوليّ. هناك أيضاً النقص الواضح في معرفة حاجات السوق… الجامعات تستمرّ في تخريج الطلاّب من دون أيّ قاعدة أو قيمة سوقيّة: إحدى كليّات الهندسة تستقبل حوالى 900 طالب في السنة الأولى، قادمين من أيّ فرع من فروع البكالوريا. حتى أن دراسة مثل تقرير ماكينزي لا تعلّق على دور الجامعة أو المؤسّسات الجامعيّة التكنولوجيّة المتقدّمة في تنشئة قوّة عاملة عالية التخصّص والتي سيكون لبنان والمنطقة في أمسّ الحاجة إليها في المستقبل.
ذكّر دكاش بردّ جامعة القدّيس يوسف، على الاختلال الوظيفي في دور الجامعات، أولاً بـ”تعليق مشاركتنا في رابطة جامعات لبنان بالاتّفاق التامّ مع الجامعة الأميركيّة في بيروت، لأنّه لم يعد من الممكن تغطية الانتهاكات الجسيمة. وجامعتنا لا يمكنها أن تعترض إلا بسعيها أكثر فأكثر نحو تحقيق التميّز، وهو ما تدعو إليه “رؤية” جامعة القدّيس يوسف حتّى سنة 2025. أما ردّنا على أزمة التعليم العالي اللّبنانيّ، فلا يمكن أن يكون كاملًا أو فعّالًا إذا لم يتمّ إقرار قانون ضمان الجودة وتطبيقه بحرفيّته”.
سأل دكاش ما هو أصل الفساد ولماذا يستمرّ لبنان بالتراجع نحو الوراء من سنة إلى أخرى. من الواضح أنّ أسباب تعميم الفساد وآثاره المدمّرة متعدّدة. لن تتحقّق وعود “سيدر” CEDRE إذا لم يتمّ اقتراح خطّة لإصلاح الحكم الإداريّ، إضافة إلى وضع خطّة لمكافحة الفساد. هل يكفي القضاء على الرشاوى الصغيرة هنا وهناك؟ وماذا عن الفساد الكبير؟ نعرف أن نظامنا السياسيّ قائم على التقاسم الطائفيّ. لا يُنتج هذا النظام إلاّ سلوكًا سياسيًا قائمًا على المحسوبيّة ولا يستخدم الطائفة إلا لتحقيق غاياته”. لذا، يجب علينا البحث في مكان آخر. النتيجة ستكون هي نفسها ما لم يتمّ التطرّق بعمق إلى إصلاح مفهوم الشأن السياسيّ والسياسة في لبنان. وإذا اختفت الطائفيّة يومًا ما من بلدنا، فلن يختفي الفساد والمحسوبيّة لأنّ المشكلة الحقيقيّة تكمن في مكان آخر، وإذا خسرت اليوم الدولة 4 مليارات هُدِرَت هنا وهناك، فسوف تخسر أكثر إذا لم يتغيّر سياسيّونا ولم يصبحوا رجال ونساء دولة.
استذكر رئيس الجامعة اليسوعية، سليم عبو وسمير فرنجية، في عمل يصب في إعادة تأهيل السياسة في لبنان لدعم وتعزيز العيش اللبناني معًا. يرتبط هذا الاهتمام بعمل فرنجيّة وعبو لأنّ هدفهما كان جعل التنوّع الدينيّ ورقة رابحة من أجل بناء الدولة والتوصّل إلى الاستقرار من خلال نظام قويّ ومتين قائم على الإجماع والعيش معًا وعلى إرساء أحقيّة الدولة. “بالتالي، كيف لا نفرح بالإعلان التاريخيّ حول الأخوّة الإنسانيّة الذي أعلنه مؤخّرًا في الإمارات العربيّة المتّحدة كلٌّ من البابا فرنسيس وإمام الأزهر أحمد الطيّب؟ بلدنا وجامعتنا يستمدّان علّة وجودهما من هذا العيش معًا”.
و الاحتفال بعيد شفيع جامعة القدّيس يوسف أقيم في مدرّج جان دوكروييه اليسوعيّ في حرم العلوم والتكنولوجيا– مار روكز ، في حضور ممثلين لرؤساء، الجمهورية ميشال عون، الوزير سليم جريصاتي، مجلس النوّاب نبيه برّي، النائب ميشال موسى، ومجلس الوزراء سعد الحريريّ مستشاره داود الصايغ. وحضر المونسنيور بول الصيّاح ممثلاً البطريرك مار بشارة بطرس الراعي، إلى عدد من الوزراء والنواب وشخصيات سياسية وفكرية..