أُمَّاه…   

      

تتطلب عرض الشرائح هذه للجافا سكريبت.

  (لِمُناسَبَةِ عِيْدِ الأُمِّ في 21 آذار)

إِلى القَلبِ الرَّقِيقِ الشَّفِيقِ أَتَزَوَّدُ مِن حَنانِهِ لِأَيَّامٍ زاحِفَةٍ على مُرُوجِي بِرِيحِها الهَوجاء…

إِلى مَن يَلُفُّنِي دِفؤُها في صَقِيعِ خَيبَتِي، وتَغمُرُنِي عَيناها بِالعَطفِ في ظَلامِ وَحشَتِي…

إِلى مَن إِذا خَطِئتُ إِليها أَقرَأُ في قَسَماتِها عَلاماتِ الغُفْرانِ، وإِذا وَجَدْتُنِي في ساعَةِ فَرَحٍ أَلمُسُ الغِبطَةَ العَمِيقَةَ في غُضُونِها السُّمْرِ، وأَسمَعُ وَشْوَشَةَ الصَّلاةِ على شَفَتَيها الحَبِيبَتَين…

إِلَيكِ أُمِّي أَنهَدُ حامِلًا وَساوِسِي، وكَدَراتِ العُمرِ، فَأَنتِ حِمايَ الأَمِينُ ما صَدَّتنِي إِلَيهِ جُدرانٌ، ولا أَبعَدَتنِي جَفوَة…

أُمَّاه…

حَياتِي نَهرٌ مُخِيفٌ هادِرٌ، وأَنتِ مَرْجُ زُهُورِ على ضِفَّتِهِ، كُلَّما أَوغَلتُ في نَوْرِكِ الشَّذِيِّ، يَبتَلِعُنِي تَيَّارُهُ مِن جَدِيدٍ، لِأَعُودَ إِلى صِراعِي ذَوْدًا عَن رَياحِينِك.

دَعِينِي أَغرِفُ مِن حَنانِكِ حَتَّى الذَّوبانِ، وأَتَزَوَّدُ مِن لَهِيبِكِ مَجامِرَ مَجامِرَ أَعُودُ إِلى دِفئِها كُلَّما رَمانِي الدَّهرُ في قَفرِهِ البارِدِ المُوحِش.

دَعِينِي أَعِشْ في دِفْءِ حِضْنِكِ، فِي أَرِيجِهِ يَملَأُ أَنفاسِي وَقَد طالَ غَذِّيَ في الدُّرُوبِ الضَّائِعَة…

دَعِينِي أَتَوَكَّأْ على كَتِفِكِ وأَنتِ تَحتَسِينَ القَهوَةَ في شُبَّاكِكِ المُشرَعِ إِلى تِلالِ قَريَتِنا، المُصْغِي إِلى وَسوَساتِ النَّسِيم…

إِلى عَينَيكِ خُذِينِي، فَفِيهِما سَكَنُ رُوحِي، والضَّوءُ الَّذي يُبَدِّدُ ظَلامَ مَتاهاتِي الحَزِينَةِ؛ فَأَنا لا أُطِيقُ الغُربَةَ عَنهُما، ولا يَطِيبُ لِي سَكَنٌ إِلَّا في صَمتِهِما العَمِيق!

***

… وَخابَ دُعائِي، فَرَحَلتِ، تارِكَةً مَتاعَكِ، حامِلَةً فُؤَادِي طَيَّ ثَوبِكِ الحَزِينِ، وأَنا، في إِثْرِكِ، كَلِماتٌ تُجَرِّحُ الحَنجَرَةَ، لُهاثٌ يُحرِقُ الحَنايا، ودُمُوع…

وهانِي، اليَومَ، أَعُودُ إِلى ذِكراكِ عَوْدَةَ الطَّرِيدِ إِلى مَلاذِ أَمانِهِ، فَلَقَد جَفَّتْ خَمائِلُ كَم تَعَهَّدْتِها بِالعِنايَةِ فَما أَعْوَزَها رِيٌّ، ولا لَفَحَتْها هَجِيْرَة…

وَغَدًا، وفي كُلِّ غَدٍ، سَآوِي إِلى خَيالِكِ أَجِدُهُ في كُلِّ رُكْنٍ، وَأَتَزَوَّدُ بِابتِسامِكِ لِيَومٍ مِن الكِفاحِ طَوِيلٍ، وأَخلُدُ إِلى ذِكراكِ تُلَوِّنُ أُمسِياتِي، وتَزرَعُ في لَيالِيَّ الأَحلامَ مِن كُلِّ لَونٍ، وَعِطْرٍ، وَخَدَر!

أُمَّاه… رَحَلْتِ؟!

آهٍ ما أَقْسَى الرَّحِيل!

borrrr

اترك رد