حَدَّثني عتيق_كسروان مُتنَهِّداً..تَمْتمَ كلماتٍ لا يقرأها غيرُ القلب.. فَهِمْتُ منها أنّه يتحَسَّرُ على دكاّنةِ الضيعة التي إغتالتها المخازن الكبرى وتنكّرَ لها الناس وتجاهلوا أفضالها التموينية والإجتماعية عليهم..تنهّد، أَفَّفَ، قال:
كانت الدكّانةُ ، على صغرها، أسواقاً بحالها ، على الأرض اكياس السكر والأرُزِّ والعدس والملح والحبوب ، وعلى الرفوف عُلبُ الدخان وصناديق الكبريت و معلّباتُ ذاك الزمن من سردين وطون وقناني العَرق والنبيذ والخَلّ ، الى (مراطبين) السكرِيّات والقضامي واللَّوْز والجَوْز والزبيب والمُجَفَّفات و ( النقولات)،و(الضروبس)… وقبالة مَفْتَحِ الدكانة كانت ترتصفُ صناديق الفاكهة الموسمية وشمائل الخضار وشوالات البطاطا والبصل وجدائلُ الثوم… وبعدها شوالات البوطاس وألواح الصابون ، تنكات الزَيتِ…لا أكثر ولا أقَلّ…!
وكان البائع يستقبلك بالبسمة والتأهيل والكلام الأهليّ الطيّب ، ويسألك عن العَيْلة والاشغال والأحوال ، ويبيعُكَ أَعْسَلَ كلامٍ ، حتى لتخالُ نفسكَ معه في وحدة حال… كان الدكّنجي ، إذا ما اشتريتَ منه في غَدوَة الصُبح ، يتسلّم منك الثمنَ (حقَّها بالضبط) ،يضعه على جبينه ويشكرُ ربّه ،قائلاً : { إستفتاحة مباركة من إيد إبن حلال }،…وإذا ما جِئتهُ مَسْوَةّ ، أغراكَ بعروضاته وقال { تِكْرَمْ عَيْنَك هذه بَيْعةُ مسا }..وهو في كلّ وَقْتٍ يُتحِفُكَ بطيبِ الكلام ، ويتّصفُ بأن {ميزانه عدلٌ و دائماً طابشٌ } لمصلحة الشاري..وغالباً ما كان أهل الحارة والحَيّ يشترون ويشترون والدفع عند التيسير أو { قَيِّدْ على الحساب} !.
يومذاك كانت البَرَكَة بركات ، والناسُ تعرِفُ بعضها…
أما في زمن (السوبر ماركت) ، فماتَتِ البَركة وراحت الإلفة ، وفقدنا قاموس العبارات اللبنانية الطيّبة ، وقادَتْنا الأسواق إلى أن نكون إستهلاكيين….لا زبائن وأصدقاء..!!