صياد المحبة…

من أجمل ما قرأتُ عن “العطاءِ” حكمةٌ تقول: “بدلًا من أنْ تعطي الفقيرَ سمكةً، قدِّم إليه صِنّارة صيد”…

وأعتقدُ أنَّ هذه الجملة استوقفتني أكثرَ من غيرها، لأنّها ذكّرتني بخمسين عامًا من عمري قضيتُها “صيّادًا” في “دار الصيّاد”، قبل أن تهبَّ عاصفةُ الجهلِ لتطفىءَ المنارة، وتمزِّقً الريحُ شبكةَ الأيام، وتُغرِقَ الأنواءُ مركَبَ الأحلام، وتَسرقَ العتمةُ صِنّارةَ الحضارة…

والتكريم اليوم، ما هو إلّا فعل عطاء، والعطاء ما هو إلّا فعل محبّة، “والمحبةُ لا تنبعُ إلّا من ذاتِها، ولا تُعطي إلّا ذاتَها”، وبالتالي ما هي إلّا “لقاء” بين المُعْطي والمُعْطى، يتحوّل بفعل المحبّة إلى صِلة، إذا تجاوزت الاثنين أصبحت في صيغة الجمع “صِلات”، بل قل “صلاة” تسمو بالمكرّمين إلى حدود السماء.

مع “صنّارة” المحِبّ الدكتور عماد فغالي، يضِجّ في أذنيّ صوت الربّ وهو يمشي على الماء وينتهر الريح قائلاً: “صَه”، “فسكت الريح وصار هدوء عظيم”. ثم قال للصيادين: «يا فِتْيَان، أَمَا عِنْدَكُم شَيءٌ يُؤْكَل؟». أَجَابُوهُ: «لا!». فَقَالَ لَهُم: «أُلقُوا الشَبَكَةَ إِلى يَمينِ السَفِينَةِ تَجِدُوا». وأَلقَوها، فَمَا قَدِروا على اجتذابِها مِنْ كَثْرَةِ السَمَك….

georges-lika3 3

الإعلامي جورج طرابلسي ورئيس منتدى “لقاء” د. عماد يونس فغالي

مع “صنّارة” عماد الـ “لقاء”، تعود “الأنوار” لتتوهّج في ميناء القلب من جديد، ومعها يعود الأمل بصيد حضاري وفكري مستقبلي وفير…

جملة أخرى استوقفتني في باب “العطاء”‘ تقول إنَّ “العطاء من دون حب لا قيمة له… والأخذ من دون امتنان لا طعم له أيضًا”.

والسؤال في هذا المجال هو: كيف يُمكنني أنْ أعبّرَ عن امتناني للقيمين على منتدى “لقاء” عمومًا وللدكتور عماد فغالي خصوصًا؟…

georges-lika3 4

جانب من الاحتفال

جوابًا أقول إنَّ أهم ما تعلّمته مهنيّا هو محاولة بلوغ مرتبة “الاعجاز في الايجاز”، بحيث لا أقول بكلمتين ما يمكن أن أقوله بواحدة، مدركًا أنَّ التكثيف في الطبيعة يحوِّل الفحم إلى ماس، ماس هو الأندر والأغلى لدى كل الناس…

وعليه، إسمحوا لي، في عيد “لقاء” الثالث، أنْ أجمع كل كلمات الإمتنان بماسة واحدة هي “شكرًا”…

“شكرًا” من القلب…

والعقبى للمئة…

وإلى ألف “لقاء”…

****

(*) القيت في احتفال منتدى “لقاء” بعيده الثالث، الثامنة من مساء يوم الجمعة الفائت (18 كانون الثاني 2019)، في مركز نقابة المعلّمين/جونيه، والذي جرى في خلاله تكريم ثلاثة من أعلام الثقافة اللبنانيّة.

georges-lika3 2

اترك رد