على هامش حديث مع جمع من شباب مقربين وفي معرض استعراض مؤشرات الواقع السيئ،بادر احدهم بالسؤال السهل في منطوقه الصعب في مضمونه الخطير في محتواه :”عمو تصير إلنه چارة ؟ بمعنى هل لنا فرصة في حل لاوضاعنا” قلت :
رغم اني كتبت وتحدثت بموضوع التغيير حتى بح صوتي وجف قلمي،لكني اليوم اكتب بلغة تسمي الاشياء بمسمياتها باقصى درجات الوضوح.
في الازمة السالفة كان التوصيف المتداول وهو حقيقي للانظمة والحكومات بانها غير شرعية ،وهي حكومات وانظمة معظمها جاء عبر انقلابات سميت بالثورات،او نصبتها قوات محتلة،او توارثت السلطة عبر شرعية التوارث،وفي كل هذه الصور لا علاقة لاختيار الجمهور وتمثيله بها،الفارق الوحيد بينها في تفاوت درجات العدل والظلم،وقد يتكأ البعض على شرعية الثورة بوصفها خيار شعبي.
مثل هذه الانظمة كان الحل لوضعها عملية إزاحة كلية سواء بموذج مشابه او من خلال اي وسيلة تنهي وجود هذه السلطة مهما كانت ولو عبر عمل عسكري وحتى التصفية الجسدية في بعض الصور.
الخطير في الامر هو التغيير في الانظمة التي تسمى بالشرعية والتي تاتي عبر قنوات قانونية ومن اوضح امثلتها ما ياتي عبر خيارات ديمقراطية واهمها الانتخابات.
بعد نيسان 2003 تم اقرار نظام للحكم والسلطة من المفروض قائم على شرعية تمثيل الجمهور التي تعكسها خياراتهم في الانتخابات،ومع هذه الحالة فنحن منذ عقد ونصف نعيش تجربة اقل ما يقال فيها انها غير مرضية ،وفي كل مفصل تتصاعد الآمال والطموحات لدرجة معينة ثم تنتكس جراء مؤشرات الواقع،حيث نشهد مرحلة اسوء من التي قبلها.
مدخل التغيير المشروع لواقعنا السياسي هو الانتخابات والتي ضاعت فرصتها مرة تلو اخرى،والسبب الرئيس هذه الفرص هو “فساد الجمهور”.
“فساد الجمهور” هو اصطلاح انحته في هذه المقالة وقد يكون صادما لكنه للاسف الحقيقة المرة التي ينبغي ان نفكر بها بصوت مرتفع.
فساد الجمهور هو حاصل جمع مجموعة اسباب تتمثل في:
– الجمهور المنتمي الذي يقوم جهته حزبية،دينية،قومية، كانت من خلال التصويت بدافع الانمتاء بغض النظر عن صلاحية ومقبولية جهته ،وهو جمهور في الغالب يتحرك بثقافة المنفعة المتبادلة الخاصة.
– جمهور التسعيرة:وهو الجمهور الذي يبيع اصواته حسب التسعيرة التي يحددها قانون الطلب والعرض في كل موسم انتخابي،حيث ينطلق معظم هذا الجمهور من فكرة عدن جدوى الانتخابات وان نتائجها ستكون جاهزة مهما فعل او ان صوته لا قيمة له او انه غير مستفيد من النظام او لحجج اخرى.
– الجمهور المعتزل: وهو الذي لا يرى عليه مسؤولية في تحديد الخيارات او الذي تصور عدم جدوى مشاركته،او غير المهتم بالشأن السياسي،او المحيد بفعل دعاية منظمة ،او له موقف ايدلوجي سلبي من نوع النظام.
تلعب هذه الفئات الثلاثة دورا محوريا في رسم نتائج الانتخابات ( بغض النظر عن موضوع التزوير) وهي التي ترسم معالم المخرج الذي يمثل فرصة الاربعة سنوات.
والآن ومع ما تأشر من نكسات انتخابية متتالية،ماهي فرص التغيير التي يمكن ان نراهن عليها.
في الشرق عموما والعراق على وجه الخصوص يمثل الرمز المحرك الاكبر لقطاعات الجمهور الواسعة،فمازال الجمهور العريض ليس جمهور فكرة او اطروحة بل هو انعكاس وتجلي لارادة رمز ما.
بالفحص والتحليل فإن تسلسل درجات التاثير للرموز في الجمهور العراقي تتمثل في:
اولا: الرمز الديني والمذهبي اكثر تاثيرا
ثانيا: الرمز القومي وهو فعال في الجمهورين الكردي والتركماني
ثالثا:الرمز السياسي
رابعا: الرمز العشائري
بالنظر والتمحيص فإن قائمة المؤثرين من الفئة الاولى (رمز ديني) لا تتجاوز خمسة اشخاص عند كل المكونات العراقية وعلى جميع هؤلاء ملاحظات من اطياف تخالفهم في الاتجاه وملاحظات موضوعية تتعلق بمخرج تاثيرهم في الجمهور في المرات السابقة ،فضلا عن المحاولات السابقة سجلت استنفاد قدرتهم في التاثير العميق والشامل.
اما الفئة الثانية فالملاحظات الواردة عليهم نفس ماورد على الفئة الاولى وزيادة،والفئتان الثالثة والرابعة تكاد تكون معدومة التاثير بالمعنى الحقيقي لسبب اصلي عميق هو عدم وجود رموز حقيقيين في هذين الفئتين واقعا،ولان الموجود متورط حد النخاع بالمنتج السيء بكل تفاصيله.
توجد عدة اطروحات يتم تداولها بين منظري الاصلاح والمهتمين بشؤونه حول مولدات التغيير ومنها:
– الرمز الوطني والتي تراهن على بروز شخصية ذات منطلقات وطني تؤثر في الجمهور المختلف من منطلق المصلحة الوطنية العليا ،وهذا الخيار فعال لكنه غير واقعي في ظل مؤشرات الواقع.
– التطور الذاتي للجمهور وتقوم على فكرة ان الجمهور ذاتيا يطور قدراته وخياراته عبر توظيف ما اكتسبه من خبرات سابقة ونكسات وصدمات اثرت فيه، ويحرك هذا التطور الذاتي النخب الفاعلة والمتطلعين للتغيير،وهو خيار جيد لكن اشتراطاته صعبة.
– التغيير بفعل عامل خارجي ويراهن هذا الخيار على مؤثر خارجي سيقوم بعملية تغيير عميق شاملة من جديد للشروع بمسار جديد،وهي اطروحة لا يدعمها الواقع والاهم ان المسارات المتوقعة الجديدة لن تكون بافضل مما سبق.
تطرح هذه الورقة فكرة جديدة تطلق عليها ب “فكرة انقاذ وطن” حيث تعتمد على بلورة فكرة وطنية محددة التصورات والاطراف تنطلق من الوعي الكامل للحال الماضية والراهنة والايمان العميق بضرورة التغيير.
فكرة انقاذ وطن هي خليط متجانس من عدة مسارات اصلاحية يتم تظهيرها بشكل يجعلها قابلة للفهم والتفهيم ،يقوم حملة بذرتها بتوسيع نطاقها عموديا وافقيا من خلال توظيف الطرق الفاعلة في التواصل الجماهيري يقوم بعملية ازاحة متدرجة للبقعة السوداء في ظل ضغط منظم وعلمي متصل ومتواصل، يتجلى عبر فعاليات مختلفة،تقدم تحسين وتعميق النقاط المضيئة في المشهد العام على ازاحة النقاط المظلمة.