اللقاء الأخير مع موريس عواد… رحل قبل أن يقرأ الخبر عنه

fbzzz    marleine-saade

أقامت “الرابطة الثقافية رعيّة مار مارون – البوشريّة” مساء الجمعة الواقع فيه 30 تشرين الثاني 2018، ندوة جمعت بين الكبيرَيْن ربيعة أبي فاضل وموريس عوّاد.

وجاءت على شكل أسئلة طرحها أبي فاضل على عوّاد، تتمحور حول اللّغة الفصحى وأهمّيتها والعامّيّة ودورها.

حضر المجلس عدد كبير من أهل الفكر والشخصيّات، بينهم رئيس بلديّة الجديدة – البوشريّة – السدّ، أنطوان جبارة.

في بداية اللقاء، ألقى رئيس الرابطة الدكتور طوني الحاج كلمة، تضمّنت عرضًا سريعًا لعدد من الكلمات الدخيلة على لغتنا والتي هي من أصل فارسيّ. وقدّمت المنتديَيْن أدال الحوراني.

امتاز اللقاء بالعفويّة التي عُرف بها موريس عوّاد، فكانت أجوبته على ما طرحه أبي فاضل من تساؤلات، مباشِرة وصريحة، إذ لم يتوانَ عوّاد عن الإعلان عن رفضه لسيطرة الدين على اللّغة بشكل يقيّد حرّية الإنسان في التعبير، ويحدّ من إبداعه. ما بقي موضوع جدل خلال الأمسية، إذ لقي تأييد بعض الحاضرين، فيما رفض آخرون المسّ بالدين.

توقّف أبي فاضل عند موقف موريس عوّاد الذي أبرز وفق تعبيره “الانفصام في موقف سعيد عقل”، فهو يعتبره “عبقري ناقصو قلب” (عبقري يُعوزه قلب). أمّا حول اللّغة فيقول عوّاد: “اللّغة لا تُصنع، تولّدها الحياة. لا يمكنك تأليفها، هي حياتك من بكرا لبكرا (من يوم الى يوم)، من رحم أمّك ومن صدرها ترضع الـ Syntax أو كيفيّة بناء الجملة وصياغتها؛ ومن هذه اللّغة التي ينشأ عليها يخلق تحفته. لذلك هو يرى أنّ الناس لا يقرأون اليوم ما كتبه سعيد عقل بالفصحى (لبنان إن حكى، كما الأعمدة)، فيما راجت كلمات قصيدته “يارا”. كما يعتبر أنّ سعيد عقل كان حاضرًا 110 %، ولكنّه حين يغيب لا يبقى سوى العشرة بالمئة منه، لأنّ قصيدة “كما الأعمدة”، مثلا، تحتاج لصوت سعيد عقل الزحلاويّ وشَعرِه الأبيض المنكوش، معتبرًا أن الحروف بقيت يابسة بعد رحيله.

برأي عوّاد، اللغة هي الحاسّة السابعة لدى الإنسان، يُخرجها من جسده. وهذا ما تعلّمه من سعيد عقل، كما يقول، عقل الذي علّمه النحت في اللّغة، و”البحث عن الكلمة بريقِكَ وتنهيداتِك ووجعك”، حتى تحوّل هو الى لغة، معبّرًا عن ذلك بقوله: “خلقت، ونقّطت على الورق باللّغة اللبنانيّة.” كأنّ جسمه محبرة يغطّ الحرف منها. مستندًا الى قول الجاحظ الذي يعتبر أنّ اللغة لا تتجاهل البيئة والحياة وما يتداوله العامة والهمج؛ والى رئيف خوري القائل: الأدب الحي يخلق في الأحياء والحقول. من هنا يرى عوّاد أنّ المناخ هو الذي يخلق اللّغة، وكلّ إنسان يكتب بالـ Syntax (أو وفق بناء الجملة) الذي وُلد فيه، يقول: “أمّي أرضعتني لغة بصاليم” (نشير الى أنّ ريمون جبارة أسماه موريس بصاليم)، ويتابع: “أنا مديون لأمّي التي أعطتني لكنة بصاليم، ونبرة الصوت، وكيف أعيش. أنا أكتب كما أعيش، كأنّني اللّغة، وما كتبته هو جسدي على الورق”. ثم يضيف: “الفن ما منتعلّمو، منوجعو”، بمعنى أنّ الفنّ يخرج منّا كما الوجع، هو صوت وجعنا وصورته.

اللّغة نعيشها، ليست عقلًا. كما يعتبر أنّ ثمّة نفاق داخليّ بيننا وبين اللّغة سببه الدين الذي يقول عنه: “الوحش الذي زرب الناس كي لا تتطوّر”، وهذا، برأيه، ما يسعى إليه أعداء الوطن والأمّة.

في ختام الندوة فُتح المجال لطرح الأسئلة، فجاءت المداخلات متنوّعة، ووجهات النظر مختلفة، لكنّ معظمها كان الى جانب الفصحى، ومنهم من اعتبر العامّيّة لغة بحدّ ذاتها. إذ ثمّة من يعتبر أنّه لا يمكننا أن نكتب من دون الفصحى.

***

(*) النهار 10 ديسمبر 2018.

awad

اترك رد