جلسَتْ فوق ضبابة تبخَّرت إليها جداول الطفولة. تأمَّلت أنقاضَ قصورٍ هامَت في سحرها. تذكرت كيف ارتدت حياةً فضفاضة، وتنكَّرتَ بوجوهٍ من خزائن الأوهام، وتاهت في مجاهلَ يقولون عنها مرسومة…
كانت يا ما كانت…
تَضيع في حقول الصعتر، تفرك أزهاره بين كفَّيْها لتنتشي بعبيرها.
تلتقط زيزان الصيف، تحبسها في علبة كبريت، تطيِّرها حين تشاء، مربوطة بخيط لتظل تنبهر بألوان جناحيها.
تختبئ وراء كوكبات البلان لتتماهى مع زهرها وتُضلِّــل أخاها الأصغر.
تنفخ في مزمار قصب لحناً بريئًا من المهارة لتطلق عشقها للنغم.
تطيِّر طائرة ورق من صنع أبيها لتهدِّئ جموح أحلامها.
ثم تعود كالفارسة على أكتافه…
***
وبعد التأمُّل، استنتجَتْ: “كم اصطادتني الصدفة! كأنني دورٌ لم يُكتب!”
***
وقبل أن تسقطَ الضبابة، تلفَّظت:
“كم كنتُ أقرأُني وأنسى، أحفظُني ولا أفهم!
كيف عَتقَ الدورانُ في عروقي
وفي عينيّ طفلةً لا أزال؟
هل أخرجُ من حرفي الأخير
ولغتي تفور بما سيُقال؟”
***
وكانت يا ما كانت…
في داخلِها جثة والبكاءُ واجب.
لو دمعةٌ!
ولكن، حتى الحزنُ غادرها، بأيِّ حزنٍ تحارب؟