“بحيرة البجع” لتشايكوفسكي

  

إنّ أعمال الباليه الرّائعة والشّهيرة كثيرة ما بين كلاسيكيّة ورومانسيّة وواقعيّة وعصريّة حديثة، وهناك بعض أعمال رسخت أسماؤها في ذاكرة النّاس مثل:

بحيـرة البجـع ” و” كسـارة البندق” و ” الحسنـاء النائمة ” لتشايكوفسكي

و” العصفور النّاري ” و ” بتروشكا ” و ” تكريس الربيع ” لسترافنسكي، و” جيزيل ” لأدولف آدم، و ” كوبيليا ” و ” سلفيا ” لديليب.

وهناك مقاطع باليه في أوبرات شهيرة مثل ” عايدة ” لفيردي، و ” فاوست ” لغونو، و ” شمشون ودليلة” لسانسانص الخ.. وسيمفونيات عديدة استُغِلَّت مواضيعها لعرض لوحات باليه، لا تفنى جدّتها على الأيام مثل السّيمفونيّة الخياليّة لبيرليوز الخ..

بلحسة إصبع نتذوق زيت المونة

وبعد هذا فلم يبق إلا أن نتذوّق زيت المونة أوالشّهد من (بحيرة البجع) وهي متتالية موسيقيّة (Suite)، فلعلّنا نجد في موسيقاها وقصّتها حلاوة تغرينا برشف دائم من شهدها المصفّى وقصتها تقول:

إن هناك بحيرة رائعة ساجية تنساب فيها سابحة بجعات مسحورات في جوّ من الدّعة والاطمئنان، إلى أن تضطرب أمواج البحيرة بسبب إعصار عاصف شديد، فتلوذ البجعات ببعضها تنشد الأمان وبكل حذر شديد ، ثمّ نرى الأمير الشّاب ” سيجفريد ” يُعِدّ لإجراء مراسم عيد.. يستقبل حاشيته في القصر، وضيوفاً فيهم فلاحون يمرّون أمامه بخضوع علامة على ولائهم له، وتكون هناك رقصة فالس على أمواج البحيرة التي أخذت تسترد وداعتها بعد الإعصار، ولكن ما هي إلا لحظات حتّى يضربها الرّعد، فتدخل الأميرة الوالدة وتلوم ابنها سيجفريد على إهماله حاله، وتذكره أنّه أصبح في سنّ الزّواج وعليه أن يختار.. وهنا تعرض ثلاث فلاّحات رقصاتها أمامه، وتدعوه بقولهن: هيّا تعال نسكر من عواطفتنا تجاه بعضنا بعضاً! ويكون رقص، ويسود جوّ من البهجة لأنّ النّاس في عيد، وينطلق الرّاقصون في الهواء الطلق، ويؤكّد الفرح ذاته، حتى يصبح وكأنّه عصفور ثمل، فيأخذ الحبيب حبيبته بين ذراعيه ويعانقها، ويناجيها بأعذب الكلمات على أرقّ النغمات، وهنا يقوم الأمير ” سيجفريد ” برفقة سيدة حسناء من القصر، وعلى أنغام الفالس بعرض رقصة ساحرة، ومع ارتفاع عزف الكمان يُخيّل إلينا أنّ الضّيوف غادروا الحفلة، ولم يبق في القاعة إلا عاشقان، ثم يسود جوّ لأناس ثملين مترنحين، يتبعه صخب وتبادل أنخاب، وإعلان ولاء لباخوس( إله الخمر)..

ومع دخول ثلّة من المهرّجين تعود البحيرة إلى الاضطراب، فترتعش أمواجها، ويخرج الأمير وصحبه للصّيد في غابة قريبة، وهناك يسمع صوت غناء البجعات الكئيبات، وصوت طائر أصابه صياد، فأخذ يزعق، ويستجير بسربه الذي فرّ لدى سماعه بوق الصّيادين مدوّياً في الغابة.. كلّ ذلك وكأنه حلم!! وتنداح البجعات فوق سطح البحيرة بحركات رشيقة ورقيقة ساحرة. ولكن ما أن يهبط الظّلام حتى تتحوّل البجعات إلى فتيات صغيرات، وتظهر فيهن الأميرة الحسناء ” أوديت” التي كانت قد تحوّلت إلى بجعة بتاثير سحر الساحر الخبيث ” روزارت “، وهو هنا يظهر على شكل بومة ناعبة منفوشة الرّيش، ثمّ يكون أن يقطع الأمير سيجفريد عهداً للاميرة أوديت، ويدعوها إلى الحفلة الرّاقصة.

وما إن تتشابك أيدي العاشقين حتى تجيش عواطفهما، وتنبجس بالتّعبير عن الحبّ والوفاء..

وترقص البجعات المرافقات رقصة فالس في حركة مخروطيّة، وتؤدّي أوديت رقصة مفردة، بينما البجعات من حولها متفرّجات، وهنا تصبح الألحان مراجيح، لا ألذّ ولا أشهى!

ثمّ ينتهي ليل الرّقص، وينبلج الفجر، وتتفرّق البجعات بمشاعر مختلطة من الحلم والواقع، فتدلف الأميرة الوالدة، وابنها سيجفريد، ويتبعهما مجموعة أقزام، ويكون أن تعلن الأبواق عن فتح الأبواب، فتدخل ست أميرات (ساندريلات) ويتقدّمن بالدّور إلى الأميرسيجفريد لعلّ اختياره يقع على إحداهن لتصبح زوجاً له، ويرقص الأمير مع كلّ واحدة رقصة فالس، وبالتّالي فإنّه لا يختار واحدة منهن، وهنا ينشقّ باب البهو عن السّاحر روزارت، وهو يتأبّط ذراع ابنته ” أوديل ” وهي على شكل أوديت وصورتها مخلقاً ومنطقاً فيطير الأمير إليها مخدوعاً بها متيّم الفؤاد ويراقصها رقصة ساحرة معربًا عن جنون بهجته بها، ولكن مزمار الحاوي لا يلبث أن يُفلت بانغامه حيّات الرّقص من الأميرات السّت، ويأخذ الجوّ في التغيّر من الفرح إلى الكآبة على أنغام رقصة هنغارية، ويكون شعور بالقشعريرة جرّاء الزّمهرير، وتخمد نيران المدفأة، وتهبّ ريح صرصر عاتية، ثمّ يكون ندف ثلجي وصقيع، وهنا تتدفّق رقصة روسيّة، على أنغام الكمان، فيبثّ العاشقان شكواهما كلّ في أذن الآخر.. ثمّ يكون صخب موسيقي أشبه بانتباه الثّمالى من رقادهم، وتتوالى الرّقصات: رقصة بوليرو إسبانيّة ورقصة من نابولي إيطالية، تدعو الجميع: هيّا إلى رقصة مازوركا بولونيّة!! وهنا يتقدّم السّاحر الخبيث روزارت، ويهمس همسة خادعة في أذن سيجفريد ليتحوّل بحبّه الأبدي الى أوديل ابنته، وأن ينسى أوديت التي صارت سجينة، ولا تنفك تستجير باكية كي تُفَكّ من أغلالها، ويكون السّؤال هنا أين البجعات رفيقات أوديت؟! ويكون الجواب: إنهن ينتظرن أوديت على شاطيء البحيرة، وتعود إليهن أوديت بائسة يائسة لقد خان الأمير عهدها.. وهي تأسف لضياع الوداد فتشيح بوجهها عن الأمل، وتظن أنّ حبّها قد اندمل!! ولكن ما هي إلا لحظات حتى يصل الأمير الحبيب وهو يتلفّت ذات اليمين وذات الشّمال باحثًا عن أوديت لأن ّخدعة أوديل قد انكشفت، وهكذا خاب فأل السّاحر الخبيث روزارت، وهنا يلتقي الحبيبان، ويسيران الهوينا برقصة ذات كبرياء على الأمواج النّاعمة، ويتواريان وراء الأفق البعيد… بينما يتهادى سرب البجعات في عزة وخيلاء، وسرور وحبور على إيقاع اللحن الأخير فوق هدوء البحيرة الصّافية الرّقراقة، ويعمّ جوّ من الهدوء والطّمانية والسّلام، ويا دار ما دخلك شرّ!!

اترك رد