ذاكرةُ العَلَم

تنويعات في رؤية العَلَم  من منظار 

معاناة شعب لبنان

بريشة فنانين تشكيليين

نهاد الحايك مع الرسامة تالين كيشيشيان ولوحتها

لم يرسموه بألاعيب السياسة، ولا بدقة الصورة الفوتوغرافية، ولا حتى بألوان الطفولة، بل بما تراكم في ذاكرتهم من خيبات وصدمات وجراح وأحزان، وبما التصق ببالهم من أوهام، وبما يظل ماثلاً في رؤيتهم من أحلام وتطلعات. وهكذا يمكننا مشاهدة العلم في أفعال وحالات متعددة وشاملة لكل حالاتنا ومعاناتنا مع واقع بلدنا. فنرى العلم ينزف، يبكي، يحزن، يغضب، يُصلب، يذوب، يثور، يتدفق، يصرخ، يهدر، يتفتت، يتلاشى، يغرق في العتمة…

أربعة وعشرون رساماً ورسامة، منهم المكرَّسون الذين كوَنوا اسماً وأسلوباً في عالم الفن التشكيلي في لبنان والخارج، ومنهم المبتدئون الذين لا يزالون يخطون خطواتهم الأولى، ومنهم الذين في منتصف الطريق قطعوا شوطاً لا بأس به في مسارهم الفني.

وبينما توقف معظم المقالات الإخبارية عند الحدث من ناحية الشخصيات السياسية التي حضرت أو رعت أو تحدثت(*)، أتوقف أنا هنا عند الفنانين الذين شكَّلت أعمالُهم محتوى الحدث، وضم المعرض لوحاتهم التي رسموا فيها العلم وما يرمز إليه من معانٍ تأثرت بكل ما مرَّ به لبنان من ويلات وتحوُّلات منذ الاستقلال وحتى اليوم: شوقي شمعون، حسن جوني، سمير أبي راشد، جوزف فالوغي، هدى بعلبكي، تالين كيشيشيان، غابي معماري، جوزف مطر، عاطف طعمة، عادل قديح، ميشال روحانا، جهاد أبو سليمان، جوزف حرب، شارل خوري، رؤوف رفاعي، منصور الهبر، عماد فخري، الياس ديب، فادي زيادة، ليا بوحبيب، فانيسا الجميِّل، فيصل سلطان، إلهام شرابيّة، بترام شلش.

هدى بعلبكي – وطني جبل الغيم الأزرق

كما عُرضت لوحة من روائع الفنان اللبناني مصطفى فروخ (1901-1957) الذي يُعتبر من أبرز رواد الفن التشكيلي الكلاسيكي في لبنان في القرن العشرين، وهي تُصوِّر سيدة تخيط العلم وإلى جانبها طفلة تتفرج.

وفي المعرض أيضاً أول علم لبناني يُمنح للحكومة الشرعية في بشامون، وعلم آخر وقّع عليه عدد من النواب في فترة الاستقلال، والعلم الذي كان موجوداً في مكتب الرئيس بشارة الخوري، أول رئيس لجمهورية لبنان بعد الاستقلال (1943-1952). وفيه أيضاً عدد من الصور الفوتوغرافية لزعماء سياسيين في تلك الفترة.

وبالإضافة إلى كل ذلك، ضم المعرض سلسلة صور مع شروحات تحكي تطور العلم اللبناني (استناداً إلى أبحاث مركز فينيكس في جامعة الروح القدس الكسليك)، منذ العلم الفينيقي (أوائل عصور التاريخ)، وانتقالاً إلى علم المعنيين (أواخر القرن السابع عشر)، وعلم الشهابيين (1697-1842)، والعلم في الفترة الانتقالية (1918-1920)، والعلم في عهد الانتداب الفرنسي (1920-1943)، وصولاً إلى علم الدولة اللبنانية عند الاستقلال 1943.

جوزف مطر – لبنان إلى الأبد

المعرض إذاً لم يقدم فقط تاريخ تطور العلم بل أيضاً كيف تفاعلت صورة العلم في ذاكرة عدد من الرسامين اللبنانيين. عنوانه “ذاكرة العلم”. عنوان جميل، ولكن بما أن العلم لا ذاكرة له بل له تاريخ، وهو يقيم في ذاكرة مَن يمثِّلهم، ربما قد يتناسب أكثر مع مضمون المعرض عنوان “العلم في الذاكرة”. فاللوحات تعكس ذاكرة شعب عكَّرت حياتَه معاناةٌ طال أمدُها وانعكست على مصيرهم وقراراتهم وكذلك على صورة علَمَهم. هذه اللوحات تعكس صور الذاكرة في العَلَم وترسخ صورة العَلَم في الذاكرة.

***

(*) معرض “ذاكرة العَلَم” نظمته بلدية بكفيا برئاسة السيّدة نيكول الجميِّل، في سرايا بكفيا. افتتح في 20 تشرين الثاني 2018 بحضور الرئيس السابق أمين الجميِّل ورئيس حزب الكتائب اللبنانية النائب سامي الجميِّل ووزير الثقافة غطاس خوري، إلى جانب شخصيات وفاعليات سياسية واقتصادية واجتماعية وفنية. ويستمر حتى ٣٠ تشرين الثاني، يومياً من الساعة ١١ صباحاً حتى ٦ مساءً.

عادل قديح- حوار

اترك رد