ماذا بين قيمة الصورة الفنية ماليا واعتباريا وقيمة الصورة الشعرية ماليا واعتباريا؟
اللوحة نادرة، فيما القصيدة متاحة، مشاعة، غير مملوكة حتى من كاتبها، ومن دون أن يعود لشاعرها منها (في الغالب) أي عائد مالي.
اللوحة يمكن نقلُها تحت إبط صاحبها أو سارقها، والسفرُ بها، ما لا يمكن حدوثه مع القصيدة، إذ هي تطير، خصوصا حين تُمسك بها بين دفتَي كتاب.
اللوحة تَنقل مِن خارجها ما يحلو لها: تَنقله بأمانة، أو بتحوير. فيما القصيدة قد تَحمل بين شطرَيها صنجا، أو بليدا ليس إلا… وقد تبيح القصيدة لنفسها كيانا مختلَقا، حتى إنها قد تسع في استعارة ما لا تسعه لوحة.
كانوا يُجزلون لشاعر المدح العطاء، ما كان يفوق في زمنه ما كان يحظى به مهندس أو مزوق؛ وكان البلاط، أو المجلس، في ذلك، أقوى من بورصة اليوم أو من مزاد علني…
أجد في كتب قديمة ملايين الصفحات عن الشعر والشاعر والقصيدة، فيما يَدفع، اليوم، شعراء كثيرون المال لطبع مجموعة شعرية. لا أجد في كتب قديمة سوى أخبار قليلة عما قام به الواسطي أو غيره من المصورين والمزخرفين القدامى، فيما تٌباع اليوم لوحة مزعومة لليوناردو دا فنتشي بنصف مليار دولار.
أيعني هذا أن قوةَ جمالِ لمسةِ الريشة أقوى وأمكنُ وأرفعُ من جمال المجاز وروعتِه وابتكارِه؟
أيعني هذا ان القصيدة “خفيفة”، تطير مع قارئها، فيما اللوحة “ثقيلة”، قابلة للتملك والتنافس؟
هل القصيدة تغيرت؟ هل اللوحة تغيرت؟ أم هم الناس، ولا سيما أصحاب السلطان، من تغيروا؟
أين تتعين القيمة في هذا كله؟
قالوا قديما إن لفظ “النقد” الاصطلاحي أخذوه من فاحصي القطع بين أصلية ومزورة. يبدو أن معناه بات مناسبا أكثر للوحة، إذ يفحصون أدق جانب من صنعها، فيما أباح النقاد القدماء “السرقات” إن أتى الشاعر السارق بما هو أجود من بيت الشاعر الذي سرقَه.
أيعني هذا أن القيمة – أيا كانت – لا جوهر لها، لا ماهية لها، وإنما هي ما نتداوله ونختصم حوله ونُثَمِّنُه (وفق مقادير) في أحوال الزمن المتغير؟