إفتتح الأديب ناجي نعمان العَقدَ الثَّاني والموسمَ الحادي عشر لصالونه الأدبيِّ الثَّقافيّ (2018-2019)، فاستقبلَ الأكاديميَّ وصاحبَ المُبادرات الفِكريَّة الدُّكتور جورج جبُّور في مؤسسته للثَّقافة بالمجَّان ضيفًا مكرَّمًا في “لقاء الأربعاء” الحادي والسِّتِّين.
نعمان
بعد النَّشيد الوطني، ترحيبٌ من نعمان بالحُضور وكلمةٌ له في جورج جبُّور “الآتي من صفاء صافيتا إلى جون جونيه”، منها: “تَظُنُّ أنَّكَ تَعرِفُ عنه الكثيرَ، وتَتفاجَأُ أنَّ بينَ انشِغالاتِه سَلَّةٌ تَضُمُّ بينَ فاكِهَتِها أقصى السِّياسةِ إلى أقصى الثَّقافة”.
الأعور
وتولَّى الكلامَ الدُّكتور نبيه الأعوَر، فقال:
“اللُّغةُ مؤسَّسةٌ تخضعُ لسُنَن التَّطوُّر، وإنَّ تطويرَها لا يتمُّ إلاَّ إذا اهتدَينا إلى مفاتيحها وأسرار نواميسها، وتفجير طاقاتها، والأخذ بناصيتها من منابعها، ومسِّها بقبَسٍ من ذهننا المتوَقِّد، لتغدوَ فلذةً مُعبِّرَةً، تضطرمُ بلهَب الحياة، وترعشُ بنَبْضِها، ما يُسهمُ في إثراء هذه المؤسَّسة المنجَم.
“هذا النهج يأخذُ به أديبٌ ألمعي، أريُّ النَّحل زادُه، والفصاحةُ والجرأةُ وعلوُّ الهمَّة بعضٌ من سِماته، دَيدنُه التنقيبُ عن الجوهر، والغوصُ بحثًا عن دُرِّ أنفسٍ، يرفدُ به العربيَّة: إنًَّه الدكتور جورج جبُّور الحاملُ على منكبَيه، إضافةً إلى سنيه وتجاربِه، همَّ وضعِ العربيَّة في المصافِّ الذي يليقُ بها بين لُغات الأُمم”.
رعد
وأمَّا الشَّاعرُ والنَّقيبُ أنطوان رَعد فأشادَ بجهود الدكتور جبُّور، وشدَّدَ على ضرورة الابتعاد عن الزمُّت في تدريس قواعد لغتِنا الأمِّ لأنَّ من شأن ذلك أنْ يؤدِّيَ إلى نتائجَ عكسيَّة، وأن يتحوَّلَ بطاقةَ دعوةٍ إلى إعراضِ تلامذتنا عن دراسة هذه القواعد التي تقودُهم إلى متاهاتٍ لا يُمكن الخروجُ منها ولو كانوا متسلِّحين بخَيط أريان، وأضاف: “خُذْ كتابةَ الهمزة وفَتحة همزة إنَّ وكسرِها، ألا تهمزُ عُنقَ التلميذ؟ وفصلُ الإعلال ألا يورثُه طائفةً من العِلَل، لعلَّ عسرَ الهضمِ الثقافيِّ أخفُّها وطأةً؟ وماذا عن اسم لا النافية للجنس، وماذا عن الطامةِ الكبرى التي تواجهُ التلميذ لدى دراسة العدد الأصليِّ المفرد والمركَّب والعقود والمعطوف؟”. وأنهى رعد قائلاً: “إذا استمرَّ الوضعُ على ما هو عليه، فإنَّ لغتَنا ستبلغُ مرحلةَ الموتِ السريريّ، ولن يطولَ الوقتُ حتَّى نقفَ على أطلالها لنَدبِها والتَّفجُّعِ عليها، وعندئذٍ لن يجديَ نفعًا الاحتفالُ بيوم العربيَّة العالميِّ ولا تغييرُ تاريخه، بل نضطرُّ إلى تلاوة صلاة الغائب”.
حلاَّق
وكانت مُداخلةٌ للشَّاعر والأديب رياض عبد الله حلاَّق، بدأها بالبيتَين الآتيَين:
أتيتُكمْ ولهيبُ الشوق في كبدي
والحبُّ في خافقي والطيبُ ملءَ يدي
أتيتُكم ظامئًا للحبِّ أرشفُه
أتيتُكم أحملُ الأشواقَ من بلدي
وبعدما تكلَّم على الدكتور جورج جبُّور معدِّدًا مزاياه، توقَّف عند ميزَتَين: الأولى ذاكرته الخارقة، والثانية حبُّه اللُّغةَ العربيَّة. ثمَّ تلا أبياتًا في اللُّغة العربيَّة لوالده الراحل عبد الله يوركي حلاَّق منها:
سأبذلُ في سبيل الضادِّ جهدي
لتسمو الضادُ بالأدبِ الرَّفيعِ
فحبُّ الضادِ ينمو في فؤادي
نموَّ الزهرِ في فصلِ الرَّبيعِ
وأنهى بأبياتٍ من قصيدةٍ خاصَّةٍ به في اللغة العربيَّة، مطلعُها:
أغلى البلادِ على الفؤادِ بلادي
والضَّادُ فيها مقلتي وفؤادي
لو رحتُ أُنشدُ في جمالِ صبيَّةٍ
ما طابَ لي في غيرها إنشادي
جبُّور
وتكلَّمَ الدُّكتور جورج جبُّور، فسَرَدَ تاريخَ معرفته بآل نعمان، وانتقلَ إلى تفنيد مراحل قيام اليوم العالميِّ للُّغة العربيَّة، منذُ أنْ استخدَمَ هو العبارةَ للمرَّة الأولى في العام 2012، إلى إقرار هذا اليوم من قِبَل اليونِسكو بعدَ أشهرٍ، وكيف أنَّه يُحاولُ حاليًّا إبدالَ تاريخ هذا اليوم من يوم قبول العربيَّة لغةً سادسةً في الأُمم المتَّحدة إلى يومٍ هامٍّ في تاريخ هذه اللُّغة من مِثل يوم وفاة المُتنَبِّي في السَّابع والعِشرين من أيلول.
وكان نعمان دعا في كلمته إلى دَعم مبادرة جبُّور “بتَغيير موعدِ يومِ اللُّغةِ العربيَّةِ العالميِّ إلى يومٍ مُرتَبِطٍ بأحدِ رُموز الثَّقافة العربيَّة، سائِلاً مع جبُّور أنْ لِمَ يرتبطُ يومُ الإنكليزيَّةِ بِشِكسْبير، والرُّوسيَّةِ ببوشْكين، ولا يرتبطُ يومُ العربيَّةِ برَمزٍ ثقافيٍّ عربيٍّ مُجَلٍّ؟ مُرَجِّحًا أنْ يكونَ المُتَنَبِّي ذاكَ الرَّمز، بِغَضِّ النَّظرِ عَمَّا قد يأخذُه البَعضُ عليه، وبعيدًا عن كلِّ تعصُّبٍ مناطقيٍّ ومذهبيّ، ذلكَ أنَّ ما أبدَعَه الرَّجلُ مِن أدبٍ يَبقى الأوسعَ تَداولاً عربيًّا”، متمَنِّيًا “لَمَّ شَملِ العُربِ حول لغتهم على الأقلّ، فيتَّفقون على يومها العالميِّ بهِمَّة أبي الطَّيِّبِ والطَّيِّبين!”
نقاشاتٌ وتسليم
وجرت نِقاشاتٌ في ما ذهَبَ فيه جبُّور، وبخاصَّةٍ من قِبَلِ كلٍّ من الشَّاعر الدُّكتور إميل كَبا الذي اقترحَ أن يكونَ تاريخُ اليوم العالميِّ للُّغة العربيَّة تاريخَ قيام جامعة الدُّول العربيَّة، والشَّاعر النَّقيب أنطوان رعد والأديب نزار حنَّا الدِّيراني.
وبعدما شَكَرَ جبُّور مُكَرِّمَه والمُنتَدين والحضور، سلَّم نعمان ضيفَه شهادة التكريم والاستِضافة، وانتقل الجميع إلى نخب المناسبة، وإلى توزيع مجاني لآخر إصدارات مؤسَّسة ناجي نعمان للثَّقافة بالمجَّان ودار نعمان للثَّقافة، كما وُزِّعَت كلمةُ جبُّور على الحُضور الذي جالَ في مكتبة المجموعات والأعمال الكاملة وصالة متري وأنجليك نعمان الاستِعاديَّة.
***
هذا، وتميَّز اللِّقاء بحضور جمهرةٍ من مُحبِّي الفن والثقافة والأدب، من مِثل الشُّعراء والأدباء والفنَّانين والدَّكاترة والأساتذة: بشارة متَّى، إميل معكرون، رياض الأعور، سامي حاطوم، نزيه زغيب، مازن زكريان، روبير عبد الحي، حنَّا جحا، جميل كوسا وعقيلته مريانا، ميخائيل الشّمالي وعقيلته ميراي، فرنسوا حبيقة، فيليب الهَيبي، بول غصن، أنور غانم، جورج معوَّض، سيمون عيد، بهيج مخُّول، محمود عثمان، راغدة جابر، محمَّد إقبال حرب، فادي قبَّاني، خير فريجة وعقيلته ماغي، شربل شهوان، ميشال كعدي، جان-كلود جدعون، ماري تيريز الهوا، سليم أبو معشر، إلى عقيلة المُحتفى به ماريَّا شباط جبُّور.