تساءَلَ المتتبعون للمشهد الإبداعي بحيرة وحسرة عن سرّ الهجرة الجماعية “المريبة” للكتّاب من أجناس أدبية عديدة (كالشعر والقصة ) نحو الرواية !! وصار كلُّ هابًّ ودابٍّ يسكن مدنَ الرواية الأسطورية !! لكنّ المتتبعين والدارسين والعرابين قالوا عصرَها:إنه التجريب، وقال غيرهم:إنه التخريب، وقال بعضهم إن الرواية ديوان العصر،وإنها(وحدها لاشريك لها)من وسِعت رؤى الإنسان المعاصر، وقد ضاقت به سجونُ الشعر و القصّ القصير!!
وفوّض بعضُهم أمرَ الهجرة لتاريخ الأدب فهو وحده مصفاة الغث الروائي من السمين ( في زمن السمنة الروائية عبر النظرة اليقطينية)..!!وتهنا في الساحة الأدبية أكثر من عقدين منتظرين رأيَ النقاد “العرابين العارفين المنتظَرين ” للفصل في هذا الانفصال القرائي والتمييز العنصري الأجناسي المقيت!!
ولكن!!
ولكن طلع علينا جيل من النقاد “الزّرق” عبر فضاء أزرق (مدجّجين بشرعية وهيبةالقبعات الزرق)هاجروا مكرهين وراغبين ،طمعا وطمحا، يقتاتون على فتات الروائيين الكثير ،ليكتشف المتتبع للشأن النقدي الجزائري والعربي المعاصر أن النقاد حملوا أمتعتهم وأجهزتهم النقدية ومناهجَهم الصدئة أو الجديدة المشفّرة المستعصية على كثير من المتطفلين السذّج(نقديا)..حملوها..وهاجروا هم أيضا إلى مدن الرواية!!!
ملاحظات أولى:
-لماذا امتلأت رفوفُ مكتباتنا بأطاريح وكتب ودراسات متعلقة بالرواية فقط؟؟
-لماذا تشكل الروايةُ الحصة الكبرى والأغلبية الساحقة في المنجز الأكاديمي من رسائل ومذكرات جامعية!! ولماذا يتهرب المشرفون عليها من الشعر والقصة!!
-أليست الدراسات والنقد بتابع للمنتج الأدبي الأكثر رواجا وإنتاجا؟؟ رغم أن المنتج الشعري يساوي أو يفوق المنتجَ الروائي سنويا في الساحة الأدبية الجزائرية والعربية!!
-هل كانت المقارباتُ النقدية للرواية جادةً ذوات إضافة أم إنها مقولات أسيادنا الغربيين تُعجن بزيت نقدي تعريبيّ محليّ لنغتصب بها نصوصا لانملك مانروادها به عن مقولاتها فلاتمنحنا مانبتغيه وتظل كاتمة أسرارها منتظرةً نقادَها الجديرين!!
احتمالات:
- أليست الهجرةُ النقدية نحو الرواية مشروعة، بحكم التخصص والتفرغ لجنس لايقبل شراكة نقدية ،في زمن التخصص والإلمام !! إذْ لاإضافة إلا مع التخصص..
-أليست هذه الهجرة هروبا إلى عالم سردي يسع الجاد والمتردي والفاشل والنطيح من النقاد!!
-أليس صدرُ الرواية أوسع وأرحب لكل ذي سهم نقدي ولكل من طاشت سهامه النقدية في عالم الشعر الزئبقي المستعصي!!
-أليس برج الشعر العاجي بأعتى على كثير من النقاد الزرق، وإن وهروبهم دليل عجزهم ،ألا إن كثيرهم لايملك أبسط مفاتيح بيت الشعر، وهو الإيقاع!!!
-أليست هذه الهجرة اغتيالا لأجناس أدبية!! وتعتيما نقديا على جيل كامل من الباحثين والطلبة الذين لايرون معظم الأحيان إلا مايرى مشرفوهم وموجّهوهم!!
مَخرجٌ حائر:
هل يفكر النقاد المهاجرون في أنصارهم الذين سيقاسمونهم الإعجابَ والتيه والأرباح الواهمة ،أم إنهم يفكرون في أمم أجناسية عريقة سيحفظ بقاءَها كتّابُها والمؤمنون بها!!
حديثٌ لطيف: من هاجر (نقديا )لنقد فهو ناقد،ومن هاجر لنقود يصيبها فهو ناقد،ومن هاجر بنقود فهو ناقد،ومن هاجر منتقدا فهو ناقد،ومن هاجر واعيا مجدّا مخلصا لوجه النقد والجَمال والإضافة،فهجرته لما هاجر إليه ولو كره الن(ح)اقدون!!!