الإعلامي والكاتب سامي كليب يحطّ رحاله في الجزائر
يوقع الاعلامي والكاتب سامي كليب كتابه الجديد “الرحّالة… هكذا رأيت العالم” الصادر عن دار “هاشيت أنطوان/ نوفل” في بيروت، في معرض الجزائر الدولي للكتاب الخميس 8 نوفمبر ابتداءً من الساعة الرابعة في جناح “هاشيت أنطوان”. الجزائر البلد الذي شهد أولى رحلاته الصحافية وله في قلبه ومخيّلته مكان كبير.
يفتح الإنسان عينيه كي يرى، لكنّ قلّة من بني البشر ترى بقلبها وعقلها. الصحافي الحقيقي هو من تلك القلّة، عينُه كاميرته على العالم، قلبُه ميزان إنسانيّته، قلمُه يرسم فوق الصفحات خطوط الحاضر وجذور التاريخ والجغرافيا ونبض الناس والحضارات. قلّةٌ ممَّن يمسكون ذلك القلم لديهم ما يكفي من النضج الروحي والإنساني لاستيعاب التجربة. تجربة أن تكون الجميع، وأن تحتضن بكلّ حواسّك أحلامهم وانهزاماتهم، أوجاعهم وأفراحهم، ما يقولونه وما لا يُقال.
في غمرة تلك الرحلات إلى عوالم الآخرين، لا تعود القضيّة عنواناً، بل تصبح بشراً وقصصاً يتدفق في شرايينها الدم لا الحبر. تتراجع الرواية الرسميّة أمام الحكايات الصغيرة التي تحرّك التاريخ. كلا، التاريخ لا يصنعه الكبار فقط، بل تحبكه قصص الصغار والمهمّشين، وتصنعه معطيات تُنسَج في الكواليس ولا تأخذ يوماً دور البطولة.
سامي كليب احتضن كلّ الظواهر والمظاهر التي صادفها في أسفاره، وهي كثيرة.
ولأنّ الصحف أضيق من أن تسع كلّ هذا الزخم، لأنّ ما هو «ليس للنشر» يحمل أكثر ممّا يحمله ما يُنشَر، كان هذا الكتاب. خلاصة عمرٍ من الرحلات إلى جميع أصقاع العالم. خلاصةٌ مكثفة، بلغةٍ سلسة، منسابة، وحميمة، خلاصةٌ موضوعيّة من منطلق شخصي.
وأخيراً تسنّى للصحافي أن يتفلّت من محاذير المهنة ليكون ذاته: رحّالة. فهو يرصد بقلمٍ، الحضارات والشعوب والمدن والصحارى، وعينٍ تتحول إلى كاميرا، ينقلنا سامي كليب في رحلة المعرفة والمتعة والعمر إلى عالم أكثر جمالاً.
من فصل عن الجزائر في “الرحالة”
- يبهرني اللون الأبيض للعاصمة (الجزائر). رحت أسير تحت القناطر الفرنسية عند الرصيف. ثمّ ولجت شارع ديدوش مراد، وتوجّهت صعوداً. كنت ورفاق الرحلة نبحث عن زواريب وأحياء وبيوت «القصبة»، نريد أن نقبّل الأرض التي أنجبت الثوّار. صعدنا بين البيوت المتَّكِئ بعضها على بعض. واجتزنا الممرّات الضيقة. شاهدنا بفرح الغسيل المنشور على النوافذ وفوق السطوح. انساب إلى أنوفنا أريجُ المطابخ وروائح النفايات، لكنّنا لم نشمّ إلّا رائحة الكرامة والمجد. راح خيالنا إلى ما قبل منتصف القرن الماضي. خُيِّل إلينا أنّنا نشاهد ثوّاراً في عمر الورود، أو جميلة بوحيرد والجميلات الأخريات، يمتشقن السلاح الأبيض، أو القنابل البدائية الصنع، أو بعض البنادق المتواضعة، لمواجهة الاستعمار وركله خارج البلاد.
- سُميّت Bône وHippone في التاريخ القديم. بحثتُ في قواميس المعاني عن أصل كلمة عنّابة. أردت أن أبهر دليلتنا السياحية بمعلومات عن مدينتها، رغم أنّي لم أكن أعرف شيئاً عنها. فقلتُ لها إنّ الاسم قد يكون مشتقاً من شجر العنّاب، أو من العنب؛ وقد يعني الجبل الطويل المستدير كجبال المدينة. عرفت لاحقاً أنّه ذاك المشتق من شجر العناب الذي يبدو أنّه كان من بين الأشجار المعروفة فيها. ضحكت ناديا ونحن نسير على الرمال الذهبية بعدما دلفنا إليها من المدينة القديمة. قالت بالفرنسية بلكنة جزائرية: «Tu te moques de moi»[1]، فهي دليلتنا السياحية وتعرف عن مدينتها كلّ ما نريد معرفته. قالت لنا ونحن نستقلّ الباص، عابرين من أمام الآثار الرومانية وما بقي من مدرجاتٍ ومسرح وقبور وأضرحة وتماثيل، إنّ عنّابة التي أخذت اسمها هذا بعد الفتح الإسلامي، قد تأسّست على أيدي الفينيقيين. لا أذكر إن كنّا فرحنا بالخبر، نحن القادمين من لبنان، أو لم نعلق عليه، فالعودة إلى الفينيقيّة عندنا كانت تعني، في فترة الحرب الأهلية، الابتعاد عن العروبة، والانكفاء والانعزال صوب اليمين الذي نحاربه. لكنّي انتبهت في ما بعد، إلى التشابه الكبير بين المدن المتوسّطية من بيروت إلى عنّابة ووهران في الجزائر، وإلى نيس وكان في فرنسا…
سامي كليب
إعلامي وكاتب عربي حاصل على دكتوراه في الإعلام وفلسفة اللغة وتحليل الخطاب من فرنسا ولبنان. مذيع ومراسل حربي لأكثر من 25 عاماً غطّى خلالها أبرز حروب وأحداث العالم. رئيس تحرير سابق في إذاعتَي فرنسا الدولية ومونت كارلو الفرنسيّتين، مقدِّم برنامجَي «زيارة خاصة» و«الملف» عبر قناة الجزيرة، وحالياً برنامج «لعبة الأمم» على شاشة الميادين. راسل تلفزيون LBC من فرنسا وأفريقيا، وكتب في العديد من الصحف العربية والأجنبية وخصوصاً «السفير» اللبنانية. له العديد من المؤلفات السياسية والأكاديمية.