في رسالة إلى الشعراء والنقاد العرب بمناسبة مرور 150 عامًا على ميلاد شوقي

حبيب الصايغ: تعايش الأشكال الشعرية.. ميلاد متجدد للقصيدة العربية

أرسل الشاعر والكاتب الصحفي الإماراتي حبيب الصايغ الأمين العام للاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب رسالة إلى الشعراء والنقاد العرب، بمناسبة مرور 150 عامًا على تاريخ ميلاد الشاعر المصري العربي الكبير أحمد شوقي الذي يصادف بعد غدٍ الثلاثاء 16 أكتوبر/ تشرين الأول وفي مايلي نصها:

هذه الرسالة عن أحمد شوقي وعن رسالته، بعد 150 عامًا على تاريخ ميلاده في 16 أكتوبر/ تشرين الأول 1868، فنحن إذ نحتفل بمرور 150 سنة على ميلاد أمير الشعراء، فإنما، في الوقت نفسه، نحتفل بالشعر أميرًا على مر السنين، مؤكدين أن هذا زمن الشعر أيضًا، وأن كل زمن عربي هو زمن الشعر، بالرغم مما يروج له البعض، وهم شرذمة قليلون، عن موت الشعر، فيما الشعر حيِّ بسبب من طبيعته وطبيعة الحياة، وهو وجهها الآخر أو وجهها الأول الأصيل لافرق.

الاحتفاء بأحمد شوقي بعد 150 عامًا على ميلاده يعني، فيما يعني، أن الشعر باق وإلى خلود، وأن الشعراء الكبار لا يعبرون في العابرين، وتظل أسماؤهم منحوتة بمداد النور، على أشكال القلوب في الأعمار، والمهج في المهج، وهانحن نتذكر أحمد شوقي ولاننساه، وهانحن نتذكر المتنبي من بعد أكثر من ألف عام ولاننسى قصائده المكتنزة بكنائز المعنى والحكمة، المتنبي الذي يقول، واستخدام المضارع برهان حضور، مختصرًا ما نحن بصدده:

ولما رأيت الناس دون محله تيقنتُ أن الدهر للناس ناقدُ

كأن الدهر، في المثل القريب، يعمل كناسًا بعد الظهر، فالأصلح يبقى شاهدًا على تحولات الدنيا والناس، ويمكث في الأرض، ويذهب الزبد جفاء، ويبقى المتنبي، ويبقى أحمد شوقي.. ويبقى الشعر. القصد أن الشعر الحقيقي المبدع والمبتكر باق على الدهر، ومن هنا عنوان هذه الرسالة، في مناسبة أحمد شوقي، ومن هنا الانطلاق من الدعوة إلى تعايش الأشكال الشعرية، نحو تحقيق القصيدة العربية، في صيرورتها وقوتها وتجذير رؤاها وتعميق وتحديث المسارات، فلا إقصاء أو إلغاء، ولا شكل يلغي شكلًا، ولا قصيدة تفعيلة تحل محل القصيدة العمودية، ولا قصيدة نثر تطعن قصيدة التفعيلة في ظهرها في مساء السنين الكئيب.

لا تأتي هذه الدعوة من فراغ ونحن نرى اجتهاد البعض في ما لايجتهد فيه، وكأن هوايته المفضلة محاولة إلغاء أو طمس مراحل مهمة من تاريخ إبداع العرب بجرة قلم، أو بنداء يكاد يسمع بالكاد، بالرغم من ارتفاع الصوت، لأنه، ببساطة، يأتي من أعماق بئر خربة.

والدعوة انطلاقًا من المركز والدور، مركز ودور الشاعر والمبدع أولًا قبل الناشط الثقافي، موجهة إلى شعرائنا ونقادنا العرب في الوطن العربي الكبير وفي كل مكان: لابد من القبض على جمرة الشعر، في كل أشكاله، والمهم من قبل ومن بعد، أن يكون شعرًا حقيقيًا ومعبرًا عن عقل وقلب وروح وذات صاحبه.

بث أحمد شوقي عبر قصيدته المتجددة وروحه الوطنية الخلاقة، منظومة القيم العربية من جديد، مذكرًا فئات المجتمع، خصوصًا فئة الأطفال والشباب، بأخلاق الفروسية والكرم والبساطة والاعتداد بالنفس والتحدي والإصرار، ماجعل نصوصه صالحة لمناهج المدارس أمس واليوم، نظرًا لتعبيره، كجده المتنبي، عن النفسية العربية الحرة أحسن تعبير.

ولقد ولد شوقي في أرض الكنانة، في مثل هذا الاسبوع قبل 150 عامًا، فولدت معه، بسبب من تفرده، وما توازى وتزامن مع ذلك من ظروف موضوعية، قصيدة عربية بيتية أو عمودية، كانت جديدة ومفارقة، فكان لسان أمته ووطنه والشعر، ناقلًا، بما أوتي من ثقافة عربية وأجنبية، القصيدة العربية التقليدية إلى آفاق من الرحابة والحداثة والسمو، وذاهبًا من القصيدة إلى المسرحية الشعرية، وذاهبًا من الفن إلى الفن، حتى بايعته وفود الشعراء العرب في العام 1925 أميرًا للشعراء

 ومازال أحمد شوقي أميرًا..

ومازال الشعر العربي، في مطلق معناه وتعدد أشكاله، أميرًا..

وها قد مرت 150 سنة على ميلاد أحمد شوقي، شاعر الحب والحكمة والوطنية، الذي أعاد للقصيدة العربية أناقتها ورونقها، ممهدًا لإبداع من عاصره وأتى بعده من أجيال الشعرية العربية الكبار، عماليق القرن العشرين الشهود على إغتصاب فلسطين، وحركات التحرر، ونهضة المرأة والسينما وحربين عالميتين، والشهود على عقود الجدل المحتدم في الفكر والسياسة والفلسفة، وتاريخ مذهل من الاكتشافات والاختراعات والجنائز.

أصل المسألة، أن على الإنسان أن يحرر عينه من زاوية النظر الواحدة، وأن يحرر ذائقته من حياة مكرورة كأنها الموت.

والخروج من الفهم النمطي “الجديد للأسف” الذي يحاول شعراء ونقاد وصحفيون ثقافيون بين قوسين، تكريس إشاعته المغرضة، لن يكون إلا بعمل واع مثابر، يقوم به وعليه الشعراء والنقاد والإعلاميون العرب على تباعد الديار، فهم سليلو بيت واحد، وأهل هم واحد وحلم واحد، ولا مفر من بذل جهود متعاظمة من قبل اتحادات وروابط وجمعيات وأسر ومجالس الكتاب العرب المنضوية تحت مظلة الاتحاد العام للأدباء والكتاب العرب، وكذلك المنظمات والمؤسسات الثقافية والتعليمية المعنية، نحو تكوين رأي عام جديد نابع من ضمير مشغول بالإرث العربي الخالد، ومن يحصر النظر إلى القصيدة العربية من زاويته الضيقة فقط، فعليه أن يتحرك قليلًا من مكانه، وأن يفتح عينيه أكثر.

فماذا لو استيقظ الناس جميعًا، ذات صباح، وإذا هم، فجأة، قد تبادلوا العيون التي يرون بها، والآذان التي يتعرفون بها إلى أنفسهم وإلى الآخرين؟

النتيجة: الجمود هواية خاصة جدًا، وعلى الإنسان الحي أن يقرر، وهو مايزال حيًا، الأشياء والأفكار والمبادرات والنظرات.. كم تبتعد عن السباق فتفضل العزلة، وكم تدخل فيه فتتقدم وتصل وتغمر وجوه الناس بالمطر والرجاء؟

اترك رد

%d