قَريَتِي، قَريَةُ الجَمالِ الباقِي، في سُفُوحٍ مُخضَلَّةٍ، وسَواقِي
في الأَقاحِ المُنداحِ فَوقَ الرَّوابِي، بِالتَّلاوِينِ، بِالعَبِيرِ المُراقِ
في غُصُونٍ تَهُلُّ، في الفَجرِ غَضًّا، لِغِوَى الشَّمسِ في دَفِيءِ عِناقِ
في الخَضارِ المَنثُورِ في حُلَلِ ـــــــــــ السَّفحِ، وفي كل مَرْبَعٍ، ونِطاقِ
في حَفِيفِ الشَّربِينِ فَوقَ تِلالٍ حالِماتٍ على الشَّذا العَبَّاقِ
تَحتَ أَقدامِها، وبَينَ الدَّوالِي، يَهزَجُ اللَحْنُ في الغَدِيرِ السَّاقِي
في الصَّبايا مَدَى دُرُوبِكِ تَختالُ ـــــــــــ دَلالًا على قُدُودٍ رِشاقِ
فَإِذا نَحنُ، والشَّبابُ وَقِيدٌ، ضَرَعٌ لِلرُّوا*، وَغُنْجِ المَآقِي
قَريَتِي… أَنتِ لِلوَداعَةِ نَجْمٌ، كُلَّما شاخَ زادَ في الإِشراقِ!
أَنا أَشتاقُ لِلزَّمانِ المُوَلِّي، لِأَدِيمٍ يَمُوجُ بِالإِيراقِ
لِعَبِيرِ المُرُوجِ، لِللَوزِ، لِلتِّينِ، ـــــــــــ لِأَعنابِ كَرْمِكِ البَرَّاقِ
لِلعَصافِيرِ تَنقُرُ الشَّهدَ قَطْرًا، لِجَناكِ، ورَوْضِكِ الصَّفَّاقِ
لِأَنِينِ الرِّياحِ تَعبَثُ بِالدَّوْحِ ـــــــــــ عَتِيًّا، وبِالأَقاحِ الدِّقاقِ
ثُمَّ تَنسَلُ في ضُلُوعِي رَحِيقًا، هو، في الغَمِّ والأَسَى، تِرياقِي
يا ثَراكِ الحَبِيبُ بِتُّ مَشُوقًا، لِلسَّنا، لِلجَنَى، ولِلأَحداقِ
لِنَدَى المُنحَنَى عَلَيهِ خُطانا، نَتَهادَى بِلَهفَةِ العُشَّاقِ
بِتُّ… لَكِنْ تَعِيشُ فِينا الأَمانِي كَسَرابٍ رِواهُ في الإِخفاقِ!
***
قَريَتِي… والحَنِينُ يَسرِقُ مِنِّي قِطَعَ اللَيلِ، شاخِصًا في اشتِياقِ
لا يُبالِي بِأَعيُنٍ مُسهَداتٍ، زادَ في سُهْدِها بِلا إِشفاقِ
كُلُّ لَيلٍ لا يُزهِرُ الحُلْمُ فِيهِ عَن مَغانِيكِ وَحْشَةٌ في سِياقِ
أَنتِ نَبْعُ الإِلهامِ، يَروِي فُؤَادِي بِالخَيالاتِ عَن عُهُودٍ عِتاقِ
عَن لِقاءَاتِنا، وصَحْبٍ كَرِيمٍ يَسفَحُ الخَمْرَ أُنْسُهُ بِالتَّساقِي
آهِ مِنها، وَلَيتَها لَم تُوَلِّ، حِقَبٌ طابَ في حِماها التَّلاقِي
بِحِسانٍ كَأَنَّها الثَّمَرُ اليَنْعُ ـــــــــــ شَذًا، رَوْنَقًا، وطِيْبَ مَذاقِ
قَريَتِي… هَل يَعُودُ ماضٍ طَوَتهُ ـــــــــــ عادِياتُ الأَيَّامِ في الأَعماقِ؟!
هِيَ في خَلْوَةِ الضَّمِيرِ أَمانٍ، تَحضُنُ القَلبَ بِالجُفُونِ الرِّقاقِ
حُلوَةٌ، في الخَيالِ نَحيَا رُؤَاها، هِي تَنْأَى، فَهَل لَنا مِن لَحاقِ؟!
حَسْبُنا الذِّكرَياتُ جَمْرُ اللَيالِي، وثَوانِي أَعمارِنا في سِباقِ
هِيَ عَهْدٌ على فُؤَادِي المُعَنَّى، وصَلاةٌ تُصانُ في مِيثاقِ!
***
قَريَتِي… ما تَرَكتُ حِضْنَكِ طَوْعًا، دَفَعَتنِي الأَيَّامُ لِلآفاقِ
غَرَّبَتنِي قَسْرًا، وتَبقَيْنَ ذِكْرًا حَلَّ في دِفْءِ قَلبِيَ المُشتاقِ
عائِدٌ، يا مُنايَ، والرُّوحُ ظَمْأَى، لَستُ أَدرِي مَتَى يَكُونُ انطِلاقِي؟!
فَحَنِينِي ما زالَ يَنبُضُ حُبًّا لِلمَواعِيدِ في الرُّبُوعِ البَواقِي
رُبَّما عُدتُ والعُيُونُ حَيارَى، ودُمُوعٌ تَمُوجُ في الآماقِ
فَاعلَمِي، قَريَتِي، بِأَنَّكِ ذُخْرِي، ومَلاذِي في حَوْمَةِ الإِرهاقِ
أَنتِ طَيْفٌ إِمَّا غَشانِيَ لَيلًا، هِمْتُ في الذِّكرَياتِ والأَشواقِ
سَوفَ يَبقَى خَيالُكِ الحَيُّ في ـــــــــــ بالِي رَهِينًا إِلى أَوانِ افتِراقِ
زارِعًا في الرِّقاعِ أَحلَى قَرِيضٍ، شادِيًا جَرْسُهُ على أَوراقِي!
****
(*) ضَرَعٌ: جَمْعُ ضارِعٍ وهو الذَّلِيلُ المُتَخَشِّعُ
الرُّواء: حُسنُ المَنظَرِ في البَهاءِ والجَمال