ناقش الأستاذ رياض نخول أطروحة “دكتوراه في التاريخ الحديث والمعاصر في الجامعة اللبنانية – المعهد العالي للدكتوراه في كلية الآداب والعلوم الإنسانية بعنوان: إميل إده وابنه ريمون ودورهما في تاريخ لبنان (١٩١٨ – ٢٠٠٠)، ونال علامة ٨٨/١٠٠ وتقدير جيد جدًّا. تألّفت لجنة المناقشة من الدكتور أنطوان الحكيم مشرفًا، والدكتور أحمد ربّاح قارئًا، والدكتور جويل الترك قارئة، والدكتور عبد الرؤوف سنّو مناقشًا، والدكتور جورج شرف مناقشًا.
تقع الأطروحة في ٨٠٠ صفحة من الحجم الكبير وكتاب بالملاحق ١٥٠ صفحة من الحجم ذاته.
يستهلُّ المؤلّف أطروحته بأن فكر الرجلين حول العديد من الأزمات والمفاصل الأساسية في تاريخ لبنان المعاصر ولا سيّما حول فكرة مؤدّاها أن الدول الصغيرة مثل لبنان، والتي تشكّل أراضيها مفترق حضارات الشعوب وصلة وصل بين الشرق والغرب، وتتكوّن من نسيج اجتماعي متنوّع تكون دائمًا أرض لقاء وحوار من أجل ضمان استمراريتها والحؤول دون تقسيمها أو اتّخاذها ساحة للصراع وذلك منعًا من مصادرة قرارها الوطني وتهجير شعبها وتوزيع ثرواتها بين القوى المتنازعة، ويضيف: بأن إميل إده طالب مع رفاق له في ظروف دولية وسياسية قواتية بإعادة ضمّ الأراضي التي سلخها نظام المتصرّفية عن الإدارة اللبنانية بإعتبارها حقًّا للبنان ولا سيّما بعد مآسي الحرب العالمية الأولى التي من أسبابها ضيق مساحة لبنان، إلا أنّ طرح لبنان الكبير الهادف إلى إعادة الحدود التاريخيّة والجغرافية للبنان وفق خريطة الحملة الفرنسية ١٨٦١، واجه ضغوطات متعدّدة ومتنوّعة داخلية وخارجية تمثّلت بمطامع الصهيونيّة العالميّة يدعمها الإنكليز لتقليص حدود لبنان الجنوبيّة حتى الليطاني. وإن إدّعاءات بعض القوى السياسيّة بإصطناعيّة الكيان اللبناني وبأنه جزء من سوريا الكبرى أو من الأمّة العربيّة الإسلاميّة، فتمسّك إميل إدّه بسياسته اللبنانيّة الجامعة.
ويعرض المؤلّف بأن إميل إدّه عارض التيار الفرنسي الداعي إلى فدرالية سورية بعد اتّفاق فيصل – كليمنصو، وواجه مطامع الصهاينة في اجتماع الوفد اللبناني الثالث برئاسة المطران عبدالله خوري مع وايزمان والرامية إلى ضمّ لبنان الجنوبي حتى اللياطاني إلى فلسطين، فإزداد التمسّك بأحقّية الفضيّة اللبنانيّة والتزم مناصروها قيام دولة القانون برغم كلّ الضغوطات.
فقبل إميل إدّه بالإنتداب الفرنسي على لبنان وفق ميثاق عصبة الأمم، أي تحت إشراف دولي لفترة إنتقاليّة بعد أربعة قرون من الإحتلال العثماني، وسعى بعد إعلان دولة لبنان الكبير ١٩٢٠ إلى طرح فكرة العلمنة كون لبنان بلد أقليات، لكي لا تطغى طائفة على طائفة أخرى. ولفت إلى أن إميل إده في أثناء وضع الدستور اللبناني عام ١٩٢٦ على إدراج نصّ المادة ٥٠ المتعلقة بقسم رئيس الجمهورية والمتضمّنة عبارة الأمة اللبنانيّة ليقطع الطريق على دعاة الوحدة العربيّة، لكن تداعيات الظروف الوحدوية على الدولة اللبنانيّة الفتيّة استمرّت حتى تسليم إميل إدّه رئاسة الجمهورية فأرسى منطق المشاركة الحقيقيّة مع المسلمين بإعتبارهم مواطنين على قدم المساواة ودعاهم إلى الإسهام في إدارة شؤون الدولة وبنائها، الأمر الذي بَذلَ الموقف الإسلامي تجاه الإعتراف بالكيان اللبناني وأشار إلى أن إميل إده في إبرام المعاهدة اللبنانية الفرنسية عام ١٩٣٦ تثبيت حدود لبنان ووحدة أراضيه بضمانة دولة كبرى من أجل وضع حدٍّ للمطامع الصهيونيّة في الجنوب اللبناني، وقطعُ الطريق نهائيًّا على الطروحات الوحدوية، وإيجاد صيغة تكرّس العيش المشترك بين فئات الشعب اللبناني تجلَّت في الميثاق الوطني عام ١٩٤٣ فيما بعد.
ويقول المؤلّف أن ريمون إدّه خلف والده في السياسة فأكمل في مواجهة المطامع الصهيونيّة في جنوب لبنان ومياهه؛ فتمسّك بإتّفاقيّة هدنة رودوس اللبنانيّة الإسرائيليّة عام ١٩٤٩، فأيّد القضية الفلسطينيّة وعدّها قضيّة محقّة، ودعا العالم الحرّ إلى مناصرتها، واتّبع سياسة مقدّمة في مواجهة الأزمات، كما دعا إلى التهدئة في ثورة ١٩٥٨ ونصح بإجراء تعديلات على بعض مواد الدستور اللبناني لتحقيق نوع من التوازن بين المسيحيين والمسلمين تثبيتًا للوحدة الوطنيّة، إلا أن طلبه قوبل بالرفض من قبل بعض القادة المسيحيين، فشجب تدخّل العسكر في السياسة لأن لبنان دولة مدنيّة، وتعزيزًا للحرّيات والنظام الديمقراطي، واجه ريمون ادّه الأجهزة العسكريّة عند مخالفتها المهام المطلوبة إليها، فانسحب الصراع معه كردّة فعل منها على مختلف المستويات وفي كلّ الإستحقاقات الخدميّة والوزاريّة والنيابيّة والرئاسيّة وزاد:
دأب ريمون إدّه على أن يكون لبنان في ظلّ الشرعيّة الدوليّة دائمًا، وأعرب عن تعاونه البعيد المدى مع البلدان العربيّة المجاورة من خلال احترام مبدأ الاستقلال والسيادة ضمن الحدود المعترف بها دوليًّا بحسب ميثاق جامعة الدول العربيّة. أيّد الكفاح الفلسءيني بوسائل شتّى إنما على أرض فلسطين وبما لا يمسّ سيادة لبنان واستقلاله، طالب بالبوليس الدولي وفق مندرجات ميثاق الأمم المتّحدة في حماية الدول الصغيرة المعرّضة أرضها وسيادتها للآنتهاك، فأتى الردّ عليه في إطار المزايدات، وعدَّ طلبه شكلاً من أشكال الحياد وتدويلاً للبنان، خلافًا لواقع الحال.
وذكر المؤلّف بأن ريمون إده رفض اتفاقيّة القاهرة عام ١٩٦٩، وعمل من ضمن تيار محايد يدعو إلى التهدئة وحلّ المشكلات بالحوار، وحذّر أثناء حرب ١٩٧٥ من قبرصة لبنان، وتمسك بالسيادة الوطنيّة الكاملة ورفض دخول الجيش السوري إلى لبنان والصلح المنفرد مع إسرائيل من خلال اتفاق ١٧ أيار ١٩٨٣، أيّد المقاومة في الجنوب حتى تطبيق الشرعيّة الدوليّة وتنفيذ القرار ٤٢٥ وإلزام إسرائيل الإنسحاب حتى الحدود الدولية من دون قيد أو شرط والإبقاء على إتّفاقيّة الهدنة معها. كما رفض المشاركة في اتفاق الطائف عام ١٩٨٩ في المملكة السعودية، لأن أرض الوطن تتّسع لإجتماع ممثّلي الأمّة. وقال: كان حزب الكتلة الوطنية أول من طرح فكرة القوميّة والأمّة اللبنانيّة في منهاجه الحزبي. وجمع في شعاره أقسام الوطن اللبناني. وزاد: لقد أضاف ريمون إدّه كوالده غمار الدفاع عن لبنان وإنسانه، آمن بالعدالة الإجتماعيّة، نادى بالعلمنة وبقيام المجتمع المدني، رفض خرق الدستور والقوانين لمصلحة الأفراد أو الأحزاب أو المناصرين، وقدّم المصلحة الوطنيّة على ما عداها.. وكان صاحب أهمّ التشريعات اللازمة على المستوى الأمني والإقتصادي والإجتماعي والسياسي والتربوي.
وتابع: دعا ريمون اده إلى لبنان الواحد والشعب الواحد والأمة الواحدة، والإبقاء عليه مثالاً لتلاقي الطوائف وعارض دخول الجيش السوري إلى لبنان، وإختار المنفى الإختياري في باريس عوضًا عن خضوعه، خلافًا لطبيعته، لأي نوعٍ من التهديد بعد محاولات عدّة لإغتياله.
وخلص المؤلّف بأن المنهج الذي اعتمده قسم الدراسة إلى قسمين: القسم الأول يتضمّن دور إميل إدّه ونشاطه السياسي منذ الحرب العالميّة الأولى مرورًا بترؤسّه منصب رئاسة الجمهوريّة، حتى تأسيسه الكتلة الوطنية، أما القسم الثاني فتناول ريمون إدّه المشرّع والمتجذّر من المخاطر المحدقة بلبنان والداعي إلى التهدئة في حرب ١٩٧٥ والمنفي طوعًا إلى باريس.
ويذكر بأن الدكتور نخول اتّخذ خطّ دراسة الشخصيات التاريخيّة التي عالجت القضية اللبنانيّة.