نص مسرحي إعداد
الكاتبة المغربية فوزية بندادا
عن نصوص شعرية للشاعر العراقي رياض الدليمي
المشهد الأول
مشهد لبيئة الاهوار ومشهد للمشحوف والاكواخ والهور والقصب والبردي والجاموس والطيور وصيد الاسماك والجفاف وانحسار مياه الاهوار وأغنية ريفية تتمازج مع اجواء بيئة الاهوار
((كوخ ينتصب وسط الخشبة يحفه قصب وماء وبعض الأعشاب المائية
باب الكوخ من الجهة اليسرى وبه نافذة صغيرة عبارة عن ثقب كبير في الوسط .
يطل من الفتحة رجل في الستينات من العمر اسمر الملامح وأشعث الرأس ولحيته طويلة في غير انتظام . السماء يرتسم على وجهها القمر أو الهلال في إشارة لليل
تسمع أهازيج من الخارج))
الرجل : ( يصيخ السمع موليا أذنيه تجاه الفتحة ثم يعود ويطل من جديد محاولا إخراج عنقه ينظر يمينا وشمالا ثم يدخل رأسه)
الرجل: هل هذه أصوات أهازيج أم ؟ مرات عديدة يتهيأ لي ذلك تختلط على فهم الأصوات لا يسعفني التذكر منذ سنين لم اسمع أغنيات حصاد ولم اعد أتذكر أجراس الهواتف ولا ألوان وشكل الدعوات ولم اعد أميز دقات الطبول وعزف الكمنجات ولا رنين الضحكات . أسألكم هل أنا حي أم ميت لم يرزق سكينة اللحد وسكون الكينونة من وراء هذه الحياة .
((يخفت الصوت قليلا ثم نسمع صوت موكب جنازة ))
الرجل: (يضحك) عجبا أصبحت لدي قدرة عجيبة على النسيان كيف نسيت أن ورائي مقبرة (تظهر في الشاشة المقابلة للكوخ وسط الخشبة شاشة السينما ويظهر عليها صور لمقبرة وأناس يشيعون ميتا يتكرر دفن الجثة عدة مرات في إشارة لكثرة الجثث او المقابر الجماعية .. يسمع أزيز ذباب يشير بيديه كأنه يزيلها من أمام ناظريه).
الرجل: (يغيب نرى دخان سجائر من فتحة الكوخ يتطاير وعلى الشاشة يظهر لنا مشهد حرب وأطفال ونساء يعدون في الشوارع ودبابات تعبر الطريق)
((يطل من النافذة ممسكا جهاز التحكم عن بعد وفي إشارة من يده تنطفئ الشاشة يخرج من الباب الأمامي لكوخه))
الرجل: ذاكرة حمقاء يسكنها الدخان ونعيق الغربان وصراخ الأرامل والأضواء المبعثرة على بياض مدجن بفوهات رعناء وطقوس المجانين البليدة.. أنا هنا بمحض إرادتي .. هذا المكان الوحيد الذي انآى فيه عن عالم موبوء بجنون البشر .. لست جبانا ولست انهزاميا ولم اسلم مفاتيح مدائني السومرية أنا حفيد تموز … ابتعد بجيناتي كي لا يلوثها غبار رقصة مخبولة تثيره أرداف عاهرات لم يرق لهن صفاء جنسي ونقاوة دمي القاني . هن يعشقن الغروب كي يدسوا التراب في عين الشمس وأنا هنا أرعى ضوء النهار اجدل من أشعته ضفائر بطول أسوار بابل أهديها لعشتار الجميلة تنكف بها خدود مدائني البائسة وتزيل عنها دخان المكائد . لست حالما ولا تبدو لي في الأفق القريب ملامح خلاص لكني أمني نفسي كي أعيش بسلام.((يدخل الكوخ ثانية))
الرجل: ( صوت الحشرات المائية وبعض الحشرات كالصرار يطفئ الرجل مصباحا زيتيا ( فانوسا ) كان يعلقه على الحائط ويظهر من فوهة النافذة)
يدخل كوخه ويطل من فتحة النافذة التي بالوسط حاملا قصاصة جريدة قديمة.
الرجل: كانت هذه آخر جريدة قرأتها قبل اعتزالي عالمهم .. عالم كل قواميسه سرابيل مرقطة بالوعود الباهتة , ملونة بالتسويفات ذات الأبعاد الافتراضية وأعناق أعياها التطلع إلى مخلص قد يأتي فاستوت ببصرها تتابع المشهد في استسلام تام .. ( يضحك ) لازلت أتذكر وأنا أفتح ستارة المسرح عن آخر مسرحية انتخابية وكان المسرح ضاجا بالحضور والكل ينتظر خطبة ابن البلد الآتي من بلاد المهجر لعله يحمل قطعة فجر يفجرونها في وجه العتمة التي تواري أحلامهم في عمق التراب .
(( يغيب قليلا ويهيئ أجواء العرض من النافذة ..يسدل ستارة بيضاء ينطفئ الضوء من الخارج ويسلط من الداخل على بؤرة الستارة . يحمل صورة لشخص يرتدي بذلة وربطة عنق وأمامه ميكروفون ويشرع في تقليد النائب أثناء دعايته الانتخابية)).
النائب: أحبائي .. أعزائي سيداتي سادتي الكرام .. ما جمعني بكم هذا اليوم إلا الحب في الله ولوجه الله فأنا نذرت نفسي لحمل اثقالكم نعم انا حمال العطب ومطفئ الغضب جئتكم بالحليب والرطب ولا ارجو من كل هذا الا الرضى من الرب .. سادتي الكرام بعد أن تتبعت أحوالكم ورصدت احتياجاتكم بكثير من التفحص والتمحيص وقفت على شيء مهم وهو أنكم لا تحلمون .. أنا يا سادة يا كرام سأجعلكم تحلمون من جديد .. قد ترون في البداية كوابيس مزعجة لكن لا باس لا تخافوا فهو مؤشر جيد على أنكم ستتخلصون من كل ما يكبس على أنفاس أحلامكم ، بعدها ستصبح رؤياكم بلون الورد …
يقاطعه صوت : أنا يا سيدي حلمت البارحة بدجال زار قريتنا ورجمه صغارها بالحجر .
النائب: جميل يوجد من بينكم من يحلم .. أنت ستصبح من رجالي المقربين تكون احد أعواني المُخْلِصين (بسكون الخاء واللام مكسورة)
صوت ثاني : أما أنا أيها المشروع النيابي فحلمت البارحة بأن غرابا ضخما اعتلى قمة بالقرية وصار يقلد عزف العندليب وكان اللحن غريبا لم تستسغه أذاننا .
النائب: أرأيتم ؟ إنها بوادر الإنفراج بدأ بعضكم يرى كوابيس وهذا ما وعدتكم به .
أصوات تتعالى وضجيج وتصفيقات وصوت الرجل يضحك ينزل الستارة (خيال الظل)
الرجل: كان هذا آخر مشهد علق بذاكرتي عن آخر دورة انتخابية في آخر حي سكنته بآخر مدينة تركتها للآخرين .
إظـــــــــــــــــــــــــــــــــــلام
المشهد الثاني
نسمع زقزقة طيور وضوء نهار فيظهر الرجل من باب الكوخ في حركات صباحية . يحمل إناء وإبريقا به ماء يضعه أرضا ويشرع في غسل وجهه ويمرر الماء على رقبته وشعره .
يدخل الكوخ ويخرج مرتديا عباءة الرعاة وعلى كتفه كيس مربوط بقربة ماء وعصا يختفي وراء الكوخ فتبين الشاشة صورة لرعاة الجواميس . ويشرع الرجل في قراءة أبيات شعرية . تظهر امرأة شابة تمر من أمامه مرتدية خمارا اسودا فتتلكأ في مشيتها بدلال وهي تغطي وجهها خجلا يحاورها بهذه الأبيات:
صباحك دجلة ))
وقبلةٌ خجلة
صباح اكتظت سماءه با لفواخت
صباحك خال من دخان الباصات
وزعيق الدراجات
بلا حواجز
وشارات مرور
صباحك سوسنة برية .
لفي خصلاتك تحت الحجاب
لا توقظي النبض في الصباح
تأملي الشحاذين من النافذة
وصبية افترشت رصيف العمر
لا تبالي
كل العصور تزينها الأرصفة
ارفعي الرأس
لا تأبهي بأعشاش العصافير
في الحقائب
وضجيج النسيان في الجيوب
سعد صباحك )).
تنطفئ الشاشة ويظهر لنا الرجل داخلا من خارج فضاء الكوخ بخطى متثاقلة في إشارة للتعب .
-((ها أنا عدت لوحدتي ..لذكرياتي المجعدة هي الأخرى غير قادرة على بسط الخصلات ..حتى المرايا امتعضت من مرارتها وسواد شَعْر نهارها وحِدَة قرونها . والحاضر محاصر في جب الإستفهام يفشل كل مرة أن يسامر باقي الذكريات .. أدفن الحاضر بشهوة الغد وعتو اللحظة المشتهاة ، كل شيء سحيق وبائد .. صهيل الفراغ موجع وشراسة الصمت مخيفة .. ما من شيء إلا وأصبح ذكرى وحنين ساذج بطعم الخيبة )).
يدخل الكوخ .. ويظهر لنا من فتحة الكوخ يبدل ملابسه يتناول جهاز المذياع ويشرع في تشغيله يبحث من خلال الموجات الإذاعية وكل مرة نسمع إذاعة معينة وبرامج مختلفة أيضا تتداخل أصوات المذيعين والإذاعات والمواضيع في شبه فوضى سمعية .
يخرج من الكوخ وفي يده المذياع يسكته يجلس على صخرة قرب الكوخ ويضع المذياع على ركبته ويشرع في البحث من جديد .. يستقر على صوت أغنية فيروز ” سنرجع يوما إلى حينا ” يسمع منها مقطعا ثم يطفئ الجهاز .
الرجل : (( هنا في هذه الأرض السواد
ذات السماء المدججة بالليالي الحزينة
اكتب شقاء الحلم
في ثنايا الجفون اليابسة ،
وذبول صراخ الوهج
بلا حمم وانزياحات موسيقى
ولهاث فجر على وسادة الإنتظار ،
منذ أول هبوط وعتمة سماء
انتظرت دورة أخرى للشمس
بلا توقيتات وتواريخ .. ))
التاريخ تنحى عن سكة مرمى النظر لا ترصده عيناي ، تزاور عن صفحاته شمس الحقيقة . الحقيقة عن أي حقيقة أبحث فيك يا وطني ؟ اشتقت لجرائد الأمس كنت أتنفس بين سطورها ربع حقيقتك وكنت مطمئنا وراضيا ومستكينا أيضا .. أما الآن بعد أن امتلأ جوفك حد التخمة بالأكاذيب والزيف وانصهارات المعادن الرخيصة وعصارة النفوس اللئيمة لم تعد تستهويني أخبارك ، هجرتك طوعا لأني مفرط جدا في حبك .
على الشاشة يظهر لنا منظر انفجارات لسيارات مفخخة ودخان كثيف ثم نرى دخانا ايضا يتصاعد من نافذة الكوخ الرجل ينظر الى الشاشة ثم فجأة يشرع في السعال والدخان يتصاعد من نافذة الكوخ يهرع الى داخل الكوخ يحمل الة التحكم عن بعد وفي اشارة منه ينطفئ الشاشة ويخبو الدخان الذي بالداخل .
الرجل : ( يطل من النافذة ) كدت احرق كوخي كما احترقت كل الذكريات بذاكرتي كدت افقد ملاذي الوحيد والآمن حصل كل هذا وانا أرثيك يا وطن .
المشهد الثالث
يظهر لنا الرجل جالس على نفس الصخرة بجانب الكوخ وهو ينحت من القصب نايات مرصوصة بجانبه
الرجل: (يشرع في العزف على الناي بلحن شجي تصاحبه أغنية خاصة بأهل المنطقة – اهوار الجنوب) لم اعد استعذب أي لحن آخر غير لحنك أيها الناي الشجي فألحانك التي تبكي داخلي هي الوحيدة التي تعاملني بصدق وتحكي روايات أيامي الرتيبة الوحدة موت آخر يشبه الجنون .. هي حياة داخل العدم موت إكلينيكي ، نهاية غير معلنة اعتراف بالعجز ترفضه بعض الأعضاء النشيطة . هنا ( في إشارة إلى القلب ) يعيش الأمل وهنا ( يشد على رأسه ) بيت الأمنيات .. لكن هل يجوز لي الانتظار؟ انتظار المخلص. يقول لي حدسي أنه سينزل بأرضي أولا لأن روحه العارجة بالسماء لم تحتمل أنات الأطفال وبكاء اليتامى وآهات الأرامل وحرارة الحرائق التي طبعت جبين السماء. المخلص لن يحتمل ما احتملناه فيك يا وطن يقول لي خيالي الذي اختلط بحدسي بأنه سيمد لنا يده السمحة من بعيد ستنفجر من بين أصابعه انهار من عسل نرتشفه كي تشفى ذاكرتنا من أزيز الطائرات وصوت القنابل ورائحة الشواء الآدمية. سينزل بالأرض البراح فتنمو السنابل وتهتز الأرض لمقدمه وتربو وتينع من جديد .
تسمع في تلك الأثناء أصوات من المقبرة تشيع جثمانا على أنغام (لا اله إلا الله محمد حبيب الله) أو حسب تقاليد أهل المنطقة ربما مات المخلص من يدري؟
الرجل: تبا لهذا الموت الذي يحيط بنا من كل جانب .. ألا يجوز لي أن أحلم ولو قليلا تبا لصانعي هذا الفناء وهذا العدم المجلجل في جسد الوطن المنكسر ..هو أيضا يتوسل بالمنقذ .. كي يعيد إليه طهارته التي دنسها الغزاة ورعاة البقر ،آه نسيت لقد تأخرت عن قطيعي أنا أيضا يكون قد اشتاق لرائحة سوس الهور وخضرة مائه. يجمع ناياته في كيس ويخرج وهو ممسك بناي ويعزف من جديد .
تظهر على الشاشة صور لرعاة الجواميس عند الغروب وعلى انغام الناي ويشرع الرجل في قراءة قصيدة :
((عد يا ليل
لأمتطي سكونك
لأغنيك نوتة شجن
وأطوار حزن
وأهوار جفت
اصفعني نسمة برد
وحضن
لا تشاكس لهفة الحرف
دعه في سبات
يتوسد لحظة حلم
هنا أحط طائر ليل
على غصن شجرة ناعسة
تغفو
كحروف تسلقت
أبيات فستانك الأخضر)) .
إظـــــــــــــــلام
المشهد الرابع
(( الفضاء ليلي إنارة ليلية تنعكس بالنجوم وهلال يتوسط السماء ..صوت حشرات ليلية . يدخل الرجل إلى كوخه متثاقل الخطوات متعبا يدخل كوخه يخرج ثانية بعد تبديل ثيابه ))
الرجل: ( يتأمل السماء ) منذ هجرت العمل بالمسرح أصبحت السماء مسرحي اليومي فضاء شفاف لا يخفي عني شيئا يبدي ولا يضمر أتأملها واناجي نجومها وقمرها وغيمها وكل تقلباتها ، أما مسرحهم هناك فهو انعكاس لحياتهم الكئيبة والمزيفة ..
في بداياتي كنت ممثلا بارعا وكنت اتقن لعب الأدوار ..أما عندما أصبحنا نعيش فظاعات الواقع الذي تجاوزت نصوصه كل تراجيديات الكون المكتوبة على الورق ، هجرت المسرح واحتضنت عشقه بين ضلوعي محتفظا بذكراه النقية لأنه أصبح عاجزا عن مجاراة الاخبار العاجلة وتاهت نصوصه كما تاهت الحقيقة والتاريخ وكل فنون التدوين والإملاء..
لا زلت اتذكر آخر دور لعبته قبل أن أتنحى عن الخشبة عن عشقي الأبدي ركحي الأثير الذي طالما سقيته بعرقي وأنا أتلاشى داخل شخصيات لا زلت أذكرها جيدا .
يدخل الكوخ من جديد فيظهر على الشاشة مشهد من مسرحية هاملت والرجل يقوم بدور الأمير زوج اوفيليا . ( مقطع من مسرحية هاملت المشهد الأخير ويجمع ما بين انتحار اوفيليا ورثائها من طرف هاملت على قبرها ونزاعه مع اخيها ثم مشهد المبارزة وموت الملك والملكة )
المشهد صامت والرجل يتلو قصيدة اوفيليا:
يظهر على الشاشة ممثلين احدهما الملك ( هاملت الأب ) والثاني اخوه يكون الملك مستلقيا على عشب الحديقة فيأتي اخوه متسللا ويضع سائلا في أذنه وينصرف يلبس الملك ثيابا بيضاء في اشارة للشبح وبانه فارق الحياة فيطوف بأرجاء المكان يظهر هاملت الإبن فيشده ابوه المقتول من يده ويظهر لنا من خلف الستارة ( خيال الظل ) يريه كيفية موته من طرف اخيه .
اثناء المشهد يقوم الرجل بتلو الأبيات التالية :
(( دموعُ القرنفل أفاقتْ من زوابعِ غيومِ الصيف
تدقُ أسافينَ الخريف
وبعضاً من نرجسيةِ الحكام
هل نعيدُ ذاتَ المشهدِ القرف ؟
نتقاتلُ ونشربُ النبيذَ بنشوةِ الموتْ
وتدمى كفيَّ بسيفكِ المنقوعِ بسمِّ
وربما بثارات العشير !
من يحضرُ هذا المساء ؟
الخونةُ أم أصدقاءُ النحسِ؟
أم أمهاتِ الخطايا ؟
أقولُ لكِ : سيحضرُ الجميعَ
لِيُمثِلوا مشهدَ مصرعي وكيف يدسُ والسمُّ ؟!
الإضاءةُ سَتظهِرُ كم منا سيتصببُ عرقاً ؟
للحظة عودة الحدث
على ضوء شارات الروح الهائمة
ترجو القصاص
تتوق للخلاص
التاريخ عدو للحظة
إدانة لجنون البشر
لشهوة السلطة
من منهم سيُنصب على كراسي ملوثة
بغايات لم تتوسل بموت الحقب
بارتعاشات الأكف وهي تشيع الأشباح ))
يظهر لنا هاملت الإبن وهو يبكي اوفيليا امام قبرها وبوشاية من الملك ( عم هاملت ) يهاجم ليرتس اخ اوفيليا هاملت ويتشاجران في تلك الأثناء يتدخل الملك ويأمر بان يتبارزا يجلس هو والملكة يتابعان اطوار المبارزة تحمل كاسا من عصير كان بالطاولة يحاول الملك ثنيها ويتراجع تشربه فتسقط ميتة يهمس ليرتس في اذن هاملت بالسر فيهاجم هاملت عمه ويقتله .
يتلو الرجل هذه الأبيات :
أُوفيليا))
عبأي خطايايَّ في جرارِ أبيكِ
أو في خزاناتِ زوجاتِ الأميرِ
ولا تُشَهِدي أحداً من كواليسِ المسرح
دَعي صحائفَ خطايايَّ
وطائري الشاهدُ الوحيدُ
وتأكدي لم أذبْ سماً
ولم أَبتعْ عسلاً
فلستُ من هواةِ السيوفِ المنقوعةِ بالقتل
أو الخيانةِ!!!
أُوفيليا…..
لا شيء يحملهُ السَحابُ
إلا قَطراتِ مطرٍ ونحيبَ شوقٍ
خارج المسرحِ احلمُ … نحلم :ُ
سنشكلُ مساءَنا بعيداً عن مضاجعِ القرنفلِ
وخياناتِ القصورْ
واِستفهاماتِ النَسَبِ ونبددُ الشكَ
لن يحضرُ شيطانٌ
ولا تنهداتَ ندمٍ
أو لحظاتِ عتبْ
أَسيكون مشهدُ السمِّ بدايةَ الحُبِ ؟
أم نهايةَ سِفرِّ خياناتِ القَصرِ؟
وهل ستنسي ؟
أُوفيليا……
قصةُ العشقِ أنتِ
وأَدوارِ المُمَثِلينَ المُلطَخةَ أَيْديهمْ بِبَراثنِ
شياطينَ القصرِ العابثة بليالي الجنونِ
وخربشاتِ علاماتكِ الفارقةِ
آو علاماتِ الاستفهامِ
سأظلُ احلمُ ))ُ
ينتهي المشهد فيظهر الرجل من داخل الكوخ ))))
الرجل: لازال عندي حنين للمسرح لكن هل فعلا سأتقن المشاهد التي تعنيني ، نحن دائما نتقمص أدوارا لا تعنينا بكثير من الصدق والتصنع أيضا لكن عندما نكون ممثلين لأنفسنا نكون متعبين جدا من تكرار ماساتنا نهرب منها إلى قفار النسيان . ننآى بذواتنا المنهكة عن مسارح الجرائم التي تتربص بكل أنواع الفرجات فلا مجال إلا للمآتم والفواجع والموت دون فواصل أو نقط.
المشهد الأخير
يزيل نعله ويقعد على صخرة صغيرة بجانب الكوخ يشتم رائحة نعله فيبدو عليه انتشاء غريب وكأنه اشتم رائحة عبقة زكية .
الرجل : هل تعرف يا حذائي الذي بعمر شبابي وكهولتي أني ألفتُ رائحتك التي اختلطت برائحة بقايا جلدي الميت سأوصي بأن تدفن معي فلا يعقل أن أتخلى عن هذا التراكم الضخم من خلاياي ، يا من شهد خطاي وخطاياي يا صندوقي الأسود أخشى ما أخشاه أن يستنطقوك من بعدي ، أن يمزقوا جلدك المنصهر بجلدي ، فتبوح قسرا و قهرا لا خيانة يا رفيق خطاي تبوح بما اقترفناه في حب الوطن ، لن اذكر التفاصيل لأني تركتها هناك حيث الحلبات المستعارة لمصارعين محترفين استأجروا ساحاتنا وأقاموا عليها مواسم وأعراس الدم ورقصوا على هياكلنا رقصة العناكب المخملية ، زرعوا الحرائق وغيروا جينات النخلات وهَجرت الملكات أقفارها وهَمت الدبابير بالخادمات . زمن وطيء تركناه يا صاحبي هناك وراء النهر ومن خلف الشط تحجبه السفن الراسيات . من خلف العتمة يتراءى لي الوطن كنعجة تحتضر بين أنياب ذئب ، تشحذ حدها من ضوء القمر. وأنا هنا عصاتي لا تسعفني لأهش بها عن وطني هي بالكاد أتوكأ عليها و أحمل عليها وهن أعضائي .
((يدخل الكوخ ومن الفجوة التي بالوسط نشاهده وهو يتخفف من ملابسه يخرج رأسه من الفجوة وفي يده الة التحكم عن بعد في الشاشة
تظهر لنا على الشاشة مشهد ستارة حمراء منسدلة بشكل يغطي كل الخشبة والجمهور يدخل بالتدريج يجلسون في أماكنهم المخصصة لهم)) . وعندما تكتظ القاعة بالجمهور يسكت الجميع تسمع ثلاث دقات على الخشبة فتفتح الستارة ( يفتحها الرجل ) .. يظهر لنا ديكور غريب على الخشبة عبارة عن كازينو ليلي به طاولتين باذختين وعشاء فاخر يسود هدوء في البداية لتبدأ حمى الحوار يهدأ الجو ويكفهر بين الجالسين على طاولات العشاء ينتهي مشهد المسرحية بمغادرة الممثلين الخشبة يولون ظهورهم للجمهور فتظهر الأقنعة من وراء رؤوسهم ( أقنعة مختلفة و المشهد صامت إلا من حركات الممثلين )
والرجل يتلو قصيدة آخر الناس :
هو الذي يفتح ستارة المسرح))
تتكدسُ الطوابيرُ
يهبهمُ الغنائمَ
وكؤوس النشوةِ
وأَناي تراقبُ المشهدَ
تومئ له
تناديه
تصرخُ
لا يأبهُ لها كلِّ مرةٍ
تجرُّ طالعها
تتركني أُراقبُ عن بعدٍ
شهوةَ الكأس
نشوةَ الغنائم
شماتة الوقت
يهبُ الزيتونَ لمن يشاء
يوظفُ الغلمانَ ليمشطوا ذيولَ الموجِ
الجنُ يسابقُ الأفقَ
يغتصبُ سلالَ الرمانِ
يعصرُ نبيذَ الشفاهِ
يشدُ شَعرَ اللوعةِ بجذع ألاهِ
تصرخُ حناجرُ المخَلِصينَ
يلملموا أَشيائهم
نسوا العشاءَ الأَخير
يغادرون الألوانَ
يجرون أذيالَ فمي
يسحقون البيادر،
يتقاتلون تحت سقفِ ننماخ ،
عشتارُ تهبُ رعشةَ شالها
لمن يهزم أَناملي
ويغرسُ غلَّه بخاصرتي
يُؤدَ شبقَ النخيلِ لفتياتِ النارِ
ونوارسِ الناصرية..
يفرُّ مني المخلصون
تهربُ فتياتُ القصبِ
تتناسلُ الشياطين عند عتبة الفجرِ
أَستبيحُ اللوثاتَ
بروحِ تموز
أَعلنُ
ثورةَ المعدان
غضبَ الهورِ
بسالةَ الشطآن
تمردَ العوانسَ
ونواحَ عجائز الجنوب
لمُخَلصٍ عَصي الطلعةِ
ينامُ في حصون ثنايا عشتار
وشراسةِ الشهوةِ
يشهرُ سيفهُ بوجهِ ثورتي
بوجهِ عتمةِ اللحظةِ
وأَنأ أُغادرُ كوخي آخرِ الناس
أُدونُ الشهواتِ على نهاياتَ القصبِ
ولا أَنسى سِفرَّ الثوار ،
أَسردُ حكايا الإفلاس
لا أُحَرِفَ القُصصَ ،
أُلمعُ عدساتِ المشهدِ
كما يشتهي هوَ
الطاعةُ وليمةٌ أَشتهيها منذ الصغرِ
تُفرحُ أُمي
لا تغيضُ مُخَلصٍ
وتُؤنسَ عشتار)).
انتهــــــــــــــــــــت–