في إطار العمل الثقافي وتحت عنوان “ماهية الثقافة وهويتها”، استقبلت مساء الأربعاء 23 أيار ٢٠١٨، الرابطة الثقافية رعية مار مارون – البوشرية بشخص رئيسها الدكتور طوني الحاج، وعدد كبير من أعضائها، مديرَ عام الشؤون الثقافية الدكتور علي الصمد، وذلك بحضور رئيس بلدية الجديدة – السد الأستاذ أنطوان جبارة، ومختار المنطقة الأستاذ كمال عبدالمسيح، وكاهن الرعية الأب مروان معوّض، والمسؤول عن الصفحة الثقافية في جريدة الأنوار الأستاذ جورج طرابلسي، والشاعر موريس وديع النجار، ومجموعة كبيرة من أهل الفكر.
بعد ترحيب رئيس الرابطة الدكتور طوني الحاج بالضيف وبالحضور، كانت كلمة للدكتور الصمد نوّه فيها باسم الرابطة الثقافية رعية مار مارون، الذي ذكّره بالرابطة الثقافية في طرابلس الفيحاء التي “طالت شهرتها الآفاق”، متمنيًّا أن يكون لها الحظ نفسه في النجاح والشيوع. ثم توقّف عند معنى كلمة “ثقافة”، وكيفيّة فهم الشعوب لها أو تحديدهم لدورها عبر التاريخ، متوسّعًا في شرح ماهيّتها وهويّتها قرنًا تلو قرن، من الثامن عشر الى التاسع عشر فالعشرين، حيث غدت كما أشار: “جزءًا لا يتجزّأ من علم الأنتروبولوجيا الذي يهتم بالظواهر البشرية ككل”. كما توقّف عند كيفيّة فهم العرب لكلمة ثقافة، إذ اعتبر المفكّر محمد عابد الجابري أنّ لفظة ثقافة “حديثة العهد في خطابنا العربي… وأنّ التعريف اللغوي يجعل الثقافة لدينا خصلة عقليّة وليس مفهومًا مجرّدًا!” متوقّفا عند أصل الكلمة لدى الأوروبيين، إذ “كانت تعني بالفرنسية الزراعة والحراثة…”؛ منتهيًا الى ما خلُص إليه إدوارد هاريو Edouard Herriot بأنّ “الثقافة هي ما يبقى لدينا بعد أن ننسى كلّ شيء”.
اعتبر الصمد في كلمته أن الثقافة اليوم باتت متفلّتة من الإطار الكلاسيكي بحيث بات هذا المصطلح يعبّر “عن تأصّل سلوكيات مجتمعية وترسّخ منظومات قيم جديدة… فـ “بتنا نسمع عن “ثقافة الفساد والإفساد”، وعن “ثقافة الهدر والسرقة”… وهنا برأيه يأتي دور وزارة الثقافة بالسعي لتحديد أطر الثقافة، التي لا تقتصر على متابعة الأنشطة الثقافية بل “مجابهة الجانب السلبي للظاهرة… عبر إعطاء فعالياتنا [الثقافية] بعدًا بنّاء، فلا يكون النشاط للنشاط، ولا الفن للفن، ولا الفعالية للفعالية وحسب”، آملا أن تُسهم الرابطة الثقافية رعية مار مارون في هذه الورشة التي باشرت بها وزارة الثقافة، مؤكّدًا على أهمية الدور الذي تؤديه الرابطة الثقافية بمن فيها من نخبة تتحلى بالخبرة والإخلاص، وفق تعبيره.
بعد كلمة مدير عام الشؤون الثقافية د. علي الصمد، فُتح المجال أمام الحضور لطرح ما لديهم من تساؤلات حول العديد من القضايا الثقافية، فكانت مداخلات متنوعة شارك فيها معظم الحاضرين من دكاترة وأساتذة وضيوف. وقد كانت للأستاذ طرابلسي مداخلة قيّمة اقترح فيها إصدار مجلة ثقافية برعاية وزارة الثقافة، بالأخص أنّ النصوص الورقيّة تواجه خطر الزوال والانقراض… أيضًا كانت مداخلة ملفتة للشاعرة د. ربى سابا حبيب تمنّت فيها لو أنّ الدروع التي تقدّم للمفكّرين المبدعين لا تكون صوريّة وبلا قيمة، وإنّما يقابلها دعم ماديّ يحتاجه المبدع ويضمن استمراريّته…
كما قدّم شاعر منتدى حرمون الثقافي الأستاذ عبود يوسف فضول قصيدة توجّه فيها الى الدكتور الصمد، مشيرا الى أهمية الثقافة ودور لبنان في نشرها. وختمها متوجّهًا الى ضيف الأمسية بقوله:
“معكم ستبقى لنا الآفاق باسمة/ شمس الكرامة فيها النور ما انكشف
في هذه الدار ربُّ الكون باركنا/ حالًا غدونا كجيش للعلى زحفَ”
في الختام أجاب الدكتور الصمد على الاسئلة التي طرحت، معلنًا أنه لن يطلق الوعود جزافًا، وإنما سيسعى جاهدًا لدعم الثقافة وتحقيق ما يطمح إليه كلّ مهتمٍّ بالثقافة.