عقدت ندوة فكرية لمناقشة كتاب ” 33 صلاة في جوف الحوت ” للكاتب المسرحي والمخرج يوسف رقة في قاعة دار الندوة في بيروت ، أدارتها الإعلامية سنا ضو ، وتحدث خلالها على التوالي كل من : الإعلامية الشاعرة دينا خياط ، رئيس الحركة الثقافية في لبنان الأستاذ بلال شرارة ، الكاتب إسكندر حبش والكاتب والباحث المسرحي والسينمائي الدكتور قاسم قاسم . وفي ختام الندوة قرأت مؤسسة المنتدى الأدبي السيدة سعاد الماحولي مشاهد من النص المسرحي .
الندوة عقدت برعاية الحركة الثقافية في لبنان بالتعاون مع صفحة اخبار ونشاطات ثقافية الالكترونية وحضرها مدير معهد الفنون الجميلة الدكتور أكرم قانصو ورئيس قسم المسرح في معهد افنون الدكتور جميل بسما وحشد من رجال السياسة والثقافة والإعلام والمنتديات الثقافية والشعراء .
الكتاب ا صدر مؤخرا عن دار المؤلف بالتعاون مع شركة “ناشرون” لتوزيع المطبوعات، في ما يلي المداخلات الكاملة للمنتدين ، والبداية كانت مع الكلمة الترحيبية التي القتها مديرة الندوة ، الإعلامية السيدة سنا ضو التي استهلت كلمتها بالقول :
ما أبهاه ما أزهاه ما أتقاه ، مساء بيروت يميس تحت سماء يوسفية الحسن ، جنوبية الهوى..هي بيروت أهدتنا فرح الحياة ..هي للزمان حدوده ، والمدى لها بقية ..
وقالت : تحية للحركة الثقافية في لبنان على تنظيمها هذا الملتقى، وتحية لكلّ الحركات الثقافية الجاهدة في سبيل نشر الوعي لا تزييفه.
للأسف في لبنان كثيراً ما نسمع قرقعة ثقافية وقليلاً ما نرى طحناً، ذاك أن الثقافة وليدة الحراك المجتمعي بقدر ما هي ولاّدة له. والواقع السياسي المأزوم عندنا نتيجة النظام الطائفي أنتج ديمقراطية ممسوخة. صحيحٌ ليس هناك مركزية للسلطة ولكن هناك تعدد للسلطات على عدد الطوائف وهناك مركزية للسلطة داخل الطائفة الواحدة.
ما يستتبع قمعاً واستبداداً دفع ثمنه المثقفون الحقيقيون المنعتقون من الطائفة الى رحاب الإنسان، إلا أن هؤلاء، تراهم عاطلين عن العمل أحياناً، وعاطلين عن الأمل غالباً، مقهورين مهمشين لصالح أولئك المتقنعين بالثقافة في أشباه المثقفين كتبة السلطان المتربعين على مواقع القرار والممسكين بناصية كل شيء.
من المثقفين الحقيقين “يوسف رقة” .. الثقافة عنده ليست ممراً إلى كسب قلوب أصحاب السلطان، ولا هي برجوازية إجتماعية مارسها بعض المثقفين كشكل من أشكال التعويض عن التهميش الاجتماعي، بل هي فعل إيمان واع وراسخ بأن التغيير المجتمعي الحقيقي يبدأ بإحداث تغيير في منظومة الوعي وطريقة التفكير.
مسرحيات خمس كتبها يوسف الرقة، وإن تنوعت الموضوعات ف يوسف واحد .. ابن الجنوب ، هذه الأرض التي تختزن ثنائية الوجود الجنة والنار. وعى قضية الجنوب ليست كقضية سياسية مرتبطة بالصراع مع إسرائيل، بل كقضية إنسانية تختصر صراع الخير والشر. وحتى ينتصر الخير لا بدّ من الانتصار على الشر في داخلنا اولاً، ومسرحيته ” 33 صلاة في جوف الحوت ” خير دليل.
في مسرحية يوسف الجديدة ، ينتصر حب الوطن على حبّ الأنا أو حب الولد عند أدهم وحنان.
سواء في الحوارات أو السّرد ، يوسف حاضر أبداً هو يوسف “الأدبي” الصادق في حب وطنه ومجتمعه ينتقد فساد المسؤولين الهاربين من مسؤوليتهم بسيارات مصفحة، القابضين على الثروة النفطية حتى قبل استخراجها وهم في ذلك يتساوون مع إسرائيل.
ولم تخل مسرحيته من هموم العالم العربي.
مداخلة الإعلامية الشاعرة دينا خياط
اليوم تجمعنا ندوة حول مسرحية “33 صلاة في جوف الحوت” للكاتب يوسف رقة.. ولكن إسمحوا لي في البداية أن أقف تحية إحترام وتقدير.. وأصفق لصديقي على هذه الجرأة التى تحلّى بها بإصداره نصاً مسرحياً ضمن كتاب ورقي .. في زمنٍ يُعاني منه الكتاب صعوبة ويكابر في العناية الفائقة حتى يصمد ويبقى حيّاً بين أيدي القراء.. في ظلّ أزمة النشر والتوزيع وطغيان التكنولوجيا وعزوف الكثيرين عن القراءة ..كما أنني أبارك له هذه الخطوة التي أعتبرها جريئة .. وجريئة جداً في زمن القحط المسرحي وذلك بسبب إبتعاد المشاهدين عن المسرح وخاصة المسرح الجاد والهادف منه ..
والجدير ذكره .. أن مسرحية “33 صلاة في جوف الحوت” كانت المسرحية الوحيدة التي صدرت في معرض الكتاب العربي ليس في هذا العام فقط .. وإنما منذ أعوام عدة .. لتكون في صدارة مبيعات الكتب المسرحية .. عسى أن تفتح الباب أمام آخرين ليكسروا صمتهم وخوفهم ..ويتحلّوا بالشجاعة لنشر مسرحياتهم وإغناء المكتبة الأدبية والمسرحية خاصةً .
ونعود إلى يوسف رقة ومسرحيته “33 صلاة في جوف الحوت” .. هذا الجريء المغامر .. والمؤمن بالمسرح وبنهضته .. وبأننا نستطيع أن ننظر إلى الواقع المسرحي المؤلم لا لنتحسر عليه عاطفياً و إنما بتشغيل الفكر لإيجاد الحلول للنهوض بالمسرح ..
وكأنما به .. إتبع مذهب المسرح الملحمي وطبقه واقعياً .. فلم يكتفِ بحبه للمسرح والبكاء على الاطلال بل عمد إلى تغيير السائد ومحاولة إيجاد الحل لمعاناة المسرح .. فكانت ولادة مسرحيته التي نحن بصدد الحديث عنها ..
تحدثتُ عن جرأة وغاية الكاتب .. لأنتقل للحديث عن المسرحية الملحمية والتي حسب قول الكاتب :”” هذا النص، ينقل بعض “الواقعية” وبشكل ملحمي من أحداث جرت، أي أنه نقلَ بعضاً من كثير قد لا يستطيع الحرف أن يصوّره ربما لفظاعته أو ربما لأن العقل لن يتقبَّله.. ذلك لأنه لن يستطيع تغيير الواقع البشع .. ويضيف الكاتب في كلمته ليقول : قد يعتقد البعض أنها “خيالية” لأنها أحداث فوق “عادية” في حياة البشر الطبيعية “”.. إذاً منذ البداية يعلن موقفه من الأحداث التي حصلت وبأنها فوق ما يمكن أن يتصوره العقل من حيث الأسلوب العنيف والقتل العشوائي الذي طال الوطن وأبناءه في تلك الفترة ..
ونعود إلى النص المسرحي ..الذي يبدأه الكاتب بمشهد أول عنوانه ” المهرجون الثلاثة ” .. وكأنما به يشير إلى أن العالم يحكمه مهرجون يتناوبون على الكلام معددين شعارات طنانة رنانة عن السلام والعدل .. الإيمان والكفر .. الأنظمة المختلفةِ الأسماء والعدل .. الأصولية والإرهاب .. البلدان والمناطق التي تعرضت للحرب والمجازر .. لتنتهي بأنها شعارات مزيفة وأقنعة لا نرى من ورائها إلا الحرب …. مجرد كلمات تتقنَّع خلفها غايات مشبوهة هدَّامة .. ظاهرها شيء وباطنها شيء آخر .. حديث عن الحرية والسلام يخفي ناقوسَ حربٍ نائمة تحت شعارات كاذبة تخدم مصالح دولٍ عظمى وليس الشعوب الضعيفة كما يدّعون. أما حركات المهرجين المتسارعة على المسرح فتجعل – القارئ المتفرج – متيقظاً لكل حركة من حركاتهم وفي حالة تأهب عقلي لما يقال وإلى ما سيؤول إليه الوضع في المشهد التالي .. مع مؤثرات إخراجية ملفتة تحرك الأذهان مترافقاً مع صوت موسيقى يشبه نفير الحرب ..
وتبدأ الأحداث الفعلية للمسرحية مع بداية المشهد الثاني .. في شهر تموز وطقسه الحار .. ومع حنان الجنوبية وولديها الذين يسكنون الجنوب ويتأملون قضاء عطلة صيفية هانئة … غير أن ما تمنوه كان العكس تماماً .. حيث بدأت الحرب دون سابق إنذار .. وحوصروا بعيداً عن الزوج الذي يعمل في العاصمة ليبني لهم قصراً مطلاً على فلسطين .. ومن خلال الحوار القائم بين الثلاثة هناك دلالات أشار إليها الكاتب إلى أن هذه العائلة تشبه معظم عوائل الجنوب .. واستخدامه الرمزية عند نشر حنان الشرشف الأبيض الذي هو رمز السلام بينما طائرة أم كامل MK تحلق في الأجواء .. وتطلب حنان من ابنها أدهم بسخرية ألا يخاف إذ ربما تصور فيلماً سينمائياً .. فيجيبها عنوانه ” الأطماع ” .. وتتوالى أحداث المسرحية بشكل مؤثر ومتسارع، تتقاطع أحياناً مع صحفية تركبُ قطار الحياة الإعلامية وما يفرضه عليها عملها من تنقلّ بحثاً عن الخبر.. فما أن تصل إلى محطة ما حتى تتوجه إلى أخرى .. فهذه هي طبيعة حياتها العملية التي تُرغمها الظروف على عيش حياة صعبة ومتعبة وشعور بعدم الأمان والاستقرار.. والتي تلتقي أثناء رحلتها بنازح من البصرة .. الذي يتبع القطار علَّه يقطع بعض المسافات نحو الهدوء والاستقرار في رمزية الى أن الحرب لم يأمن منها أحد .. ومن ثم تكمل رحلتها في القطار متمنيةً زيارة متحف الشمع في باريس حيث حلَّ تمثال الشمع للرئيس الجديد مكان الرئيس السابق .. في إشارة إلى التهاء العالم بتوافه الأمور في حين أن الشعوب تعاني الويلات والحروب مع عدم القدرة على الصراخ رفضاً للحرب وخنوع الشعوب الضعيفة أمام الظلم ..
ووفي مكان آخر .. هناك سيدة في المكتبة تجد راحتها بين الكتب، تطالعها علّها تنجب رواية جديدة للإيمانها أن الفكر والعقل الانساني هما المولود المنتظر.. آملةً أن ترقصَ كلماتُها مع هبوب العاصفة وأن تكون قوية مقاومةً والا فلتصمتْ إلى الأبد.. لأن من يحظى بالفرص هم المحظوظون فقط..
ويتدخل راوٍ بين المشاهِد ليكسرالأحداث بقولٍ لاذع يخدم الفكرة أو آية قرآنية تؤيد المشهد السابق ، دعاء كدعاء الجوشن الصغير الذي يتضرع به المؤمنون الى الله في أثناء الشدة، أو حتى قصيدة وجدانية أو نشيد وطني .. أو عبارة ما بعد بعد حيفا والدلالة على غرق البارجة الاسرائيلية التي لوثت البيئة البحرية.
وتبقى حنان، هي المحور وهي الأساس في معظم المشاهد، فهي عنوان التحدي والصمود، هي الأم بكل معنى الكلمة التى فضَّلت أبناءها عن نفسها، فحشرت ولديها في شاحنة لترسلهما إلى بر الأمان لتبقيهما على قيد الحياة .. فهما أحق بنظر وعاطفة الأم أن تحميمها قبل نفسها من الموت .. رغم رفضها القاطع بضرورة عدم ترك الأرض .. إلا أن الظروف كانت أقسى من شعارها .. وبقيت هناك تتحيَّن الفرصة للوصول إلى العاصمة .. لأن المنطقة باتت خالية من السكان إلا من المقاومين الذين يزودون عن الوطن بأرواحهم، في حربٍ لم تكن مؤكدةٌ توقيتُ نهايتها..ولكن ما إن خرجت الأم حنان من بلدتها المحاصرة حتى عاد ولدها أدهم إلى بلدته رافضاً أن يتركَ أرضه للمحتل.
وهكذا، نمضي بين المشاهِد، نتخيَّلها حيناً ونعيشها أحياناً أُخرى .. فالكاتب يوسف رقة في مسرحيته صوَّر بعض المشاهد بحبكة قوية وجذابة .. وتفصيلٍ لحالٍ وواقعٍ مؤلم عاشه معظم اللبنانيين حينها (وعاشه ويعيشه الآن الكثير من الأخوة العرب في البلدان الشقيقة) .. الذين اضطروا أن يهجروا قسراُ قراهم وبيوتهم ليعيشوا التهجير القاسي .. ومع هذا لم تخلُ المسرحية من بعض اللقطات الساخرة ما أضفى على النص نكهة جديدة أبعدته عن الرتابة وإن كانت سخرية مؤلمة معبرة عن واقع صعب حين يشكر الله أن التطور العلمي لم يتوصل بعد إلى تزويد الاقمار الإصطناعية بحاسة الشم لتعرف مكان النفط .. أوعندما ينتقد بطريقة محببة ساخرة ملمِّحاً إلى ضرورة عدم سؤال المرأة عن عمرها في عصر التضخم ونفخ الشفاه والبوتوكس لأن معظم السيدات بتن يلجأن للتجميل ليظهرن أصغر سناً
مسرحية “33 صلاة في جوف الحوت” .. مسرحية واقعية بامتياز .. فرسالة الكاتب نلمسها من البداية حتى نهاية المسرحية .. ألا وهي أن الشعارات ستظل تتردد .. وأن السلام يبدو وهماً نسعى إليه، لأن أطماع الدول لا ولن تنتهي، وعلينا أن نبقى حاملين حقيبتنا، متأهبين لبداية حرب قد تندلع في أية لحظة .. ولكنه يؤكد على تمسكه بوطنه مطلقاً في نهاية المسرحية شعاراً : “الأرض لنا .. نفضّل العيش داخل شجرة البلوط أو تحت أشجار الزيتون ..على أن نصبح من النازحين المنسيين في بقاع الأرض .. فالأرض لنا..
على أمل أن يستجيب الله لدعائنا بأن يعمَّ السلام العالم أجمع ، وأن لا تبقى الصلاة محبوسة في جوف الحوت…
مداخلة رئيس الحركة الثقافية في لبنان الأستاذ بلال شرارة
بداية اتذكر هذا اليوم السادس من شباط يوم انتفاضة المشاركة واسقاط نظام الامتيازات واتفاق 17 ايار ولا يغيب عن ذاكرتي الشهداء والهبة الشعبية وتعاضد جميع القوى الوطنية والاسلامية لانجاحها .
واليوم بالمناسبة اعلن بإسم الحركة الثقافية انحيازنا للانتفاضة الدستورية بوسائل ديموقراطية لدعم النظام البرلماني الديموقراطي ورفض العودة الى نظام الامتيازات .
ايها الصديقات والاصدقاء
في البداية اشكر لدار الندوة استضافتها هذا اللقاء على خبز وملح المعرفه ، واشكر للزميل الصديق يوسف رقه انه جمعنا هذا المساء على مسرحه ، وهو الذي تجرأ في معرض الكتاب الاخير ان يتجاوز على الشعر والشعراء ويوقع كتابه المسرحي الملحمي ” 33 صلاة في جوف الحوت” ..
انا واحد من افراد هذا الشعب الذي رفض في الحرب الاسرائيلية على وطني الفرار او الانتحار او الاستسلام ، لذلك انوه بداية بالاهتداء ألذي تضمنته مشهديات الكتاب الثمانية والاربعون من المشهد الاول للمهرجين الثلاثه ، الى المشهد الثامن والاربعين المتضمن لأدهم والحقيبة وفيه حقيقة امثوله ، وهي ان النزوح من الارض مأساة كبيره اليست تلك حقيقة فلسطينية وسورية وعراقية وايضاً لبنانية ؟ الم نتذوق مراراتها خلال حروبنا الصغيرة ؟ الا يعاني ثلاثة اضعاف لبنان المقيم حرمانا من الوطن سعياً وراء الماء والكلأ ؟ السنا نعاني من الحرمان في الوطن ونحن نواصل النزوح من الريف الى المدينة وبالعكس بحثا عن فرصة عمل بل فرصة كرامه ؟
-2-
يصادف الزميل المؤلف يوسف رقه اثناء مروره في المكتبه شيخ فلسطين الذي يدلنا ان فلسطين واحده وليست عناوين الضفةالغربيه القطاع او ما بداخل الخط الاخضر
فلسطين مساحة ممكنه لبحث فكرتي الحياة والموت
في النص بلاد تفحمت بها البشر ، الشجر والحجر ، الا حنان الام والولاده فهي ستعود لإنجاب ناس تشتاق للنهر ، وهي في المشاهد امرأة حملت اولادها على يديها ، في القٰماط على ظهرها وبأسنانها ، وأنقذتهم من جحيم الحرب وأخذتهم الى الطرقات الفارغة حيث لا قوافل لسيارات الصليب الاحمر ولا شيئ الا عين الشمس الحمراء
-3-
وحنان هي في كل مشهد مسرحي تسترق السمع الى حديث العجوزان الى اشارة يد الرجل الممتعضة من ابتعاد عجوزه عنه منذ سنوات ثلاث ، انه زواج الملاجئ الذي يزيل الفوارق
الــــرجل في اواخر العمر ويصر على انه قادر على إنجاب دزينة من الشهداء ٠
ثم ان حنان تسأل على الهاتف في مشهد آخر : جيوب من ستمتلئ بالمال ٠٠ الان نفس السؤال مطروح من الجميع
-4-
انها ليست مشاهد فحسب بل سيرة واقعنا المحموم وتراثنا المضطرب وحياتنا القلقه ، التي تقع تحت صوت للطائرات والعيش المتراكض بين المطار ومحطة القطار ، بل الاقامة على المحطات كما عندنا من جسر البربير الى موقف شارل حلو الى السفارة الكويتية الى الكولا الى ٠٠
نحن هكذا شعب كان من المفترض ان لا يهاجر ٠٠ كان من المفترض ان لا يخاف ٠٠ ان لا يسافر ؟ ولكن ما كان غير ما نأمل ، لذلك تضطرب شمعة الراوي وتلتوي ريشته وتحاصر الكتب سيدة المكتبة ، والصواريخ الجديدة تخترق الارض والقذائف تقتل النعاج والشاحنة لا تحمل رؤوساً نووية ، انها تحمل رؤوس النازحين
-5-
يوسف رقه ، يؤنس المسرح اللبناني ، اقام 33 يوما خلال حرب 2006 على بلدنا في بطن الارض (الحوت ) و نحن كذلك ، كنا نبحث كلنا كيف ننجو ؟ ولكن كان ثمة ناس يبحثون كيف ينتصرون٠هو نقل بواقعية مشاهد كان شاهد عيان حين وقعت ، اما حيث لم يكن فقد قرأ شفاه الغيم وما سمعه من همس الشجر وما احسه شعر به ، و اختلج في صدره وفي صدرها من رغبات ثم كزَّ على اسنانه ومضى الى احتضان الارض والدوران حول الشمس و مضى يحلم ان يبني بيتاً ٠٠ قصرا فوق التلال المطلة على فلسطين
اليست هي احلام متواضعة ، متألقه و شجاعه ؟
اليس يوسف رقه المسرحي ، الكاتب و المخرج شاعراً لكي يتجرأ على القول في هذا الزمن السكت ؟
مداخلة الكاتب إسكندر حبش
نتناسى، في أحيان كثيرة، أن أساس المسرح، هو النص الذي يشكل “اللُبنة” الأولى التي يتوجب العمل عليها بداية، قبل أي تفريع آخر، لاحق، من إخراج وسينوغرافيا وديكور، الى آخر ما هنالك من أمور، تصنع “الفرجة” النهائية.
اهتم البعض، بهذه الأمور، أكثر مما اهتموا بالنص، متناسين البداهة التالية: ما من خشبة، ما من عرض، ما من ممثلين، قبل وجود نص مسرحي يقدم شيئاً الى المُشاهد والمتفرّج.
في أي حالـ لو حاولنا البحث في “ريبرتوار” المسرح اللبناني عن النصوص الموضوعة، لوجدنا أن من كتبوا للخشبة نصاً موضوعاً، كانوا قلائل جداً، إذ أن قسماً كبيراً من مسرحنا يعتمد على الاقتباس وعلى اللبننة وعلى الترجمة، بينما النص الأصلي يبدو شبه غائب.
أشير الى هذا الأمر، من دون أن يكون لدي أي تفسير. لست مسرحياً، ولست مختصاً في هذا المجال، لذا تبدو إشارتي عابرة، أو أريد لها أن تكون كذلك. إشارة شخص متابع لا أكثر، لأترك الجواب عنها لأهل الاختصاص.
من هنا أقرأ مسرحية يوسف رقة “33 صلاة في جوف الحوت” بصفتي هذا القارئ الذي يتعاطى مع الكلمة المكتوبة تاركاً المستلزمات الأخرى، من إخراج وموسيقى وتمثيل… الى مرحلة لاحقة، بمعنى لا يمكنني الآن تخيل المشاهد، إلا إذا رأيتها يوماً مجسّدة على الخشبة، مجسدة من قبل أهل الاختصاص.
تتيح لي قراءة النص أن أعود لفترة مفصلية في حياتي. لم تكن حرب تموز 2006 حرباً إضافية عشتها – وأنا الذي شهد كل حروب هذا البلد السعيد الذي لم يتوقف يوماً عن اختراع طرق موته. أقول مفصلية، لأنها جاءت لتهز هذا الوعي الذي كنت أعتقد أنني أمتلكه، أي جعلتني أعيد النظر في الكثير من الأفكار والثقافات التي كنت أعتبرها ثابتة ويجب البناء عليها وانطلاقاً منها.
علّمتني هذه الحرب، أولاً، “أن الهزيمة ليست قدراً” وان نور الشمس، جزء لا يتجزأ من حقنا في هذه الحياه وأنه يمكننا أن نمتلك قدرنا، وأن ثمّة ثقافة أخرى – حقيقية – غير تلك التي قرأناها في الكتب. أهمّ ما في تلك الكتب أنها سقطت، على الأقل بالنسبة إلي. هي ثقافة حيّة، كُتبت بدم طاهر، ولا يُمكن للدم أن يُصبح أقحوانا أو خمرا. أقصد لم يعد هناك أي مكان للإستعارات والمجازات، وعلى الثقافة أن تذهب فعلاً الى الحياة، الى الواقع، عليها أن تكون نحن، لا ما يكونه الآخر، ويقوله.
ربما كنّا بحاجة الى هذه الحرب، لنعيد اكتشاف كل شيء. اكتشاف فكرة بديهية بأن “الأرض لنا”، على ما يقول أدهم – أحد الشخصيات – في نهاية المسرحية التي تنتهي بمشهد واضح لا لُبس فيه:
هذه الأرض ملك من بقي فيها، من دافع عنها، هي حق لمن قال لكل المشاريع الأخرى أن لا سلطة فوق سلطة هذا الحق البديهي وأننا سنبقى هنا ولن نغادر.
لا يقدم لنا يوسف رقة نصاً سياسياً مباشراً، ولا يُقدم لنا خطاباً إيديولوجيا، بل ينجح في كيفية إعادة صوغ أفكار تلك الفترة وفق ما تقتضيه أصول الأدب وأصول الكتابة، أي يُحافظ على العملية الفنية ولا يتنازل عنها. هّنا تكمن كل إشكالية العمل الفني دائماً: كيف نصنع من حدث واقعي، راهن، عملاً فنياً يتخطى المطبّات العديدة التي تعترضه وأول هذه المطبات عدم السقوط في نقل الواقع حرفياً.
قد يجد البعض أن هذه الفنية كمنت في اللجوء الى بعض الفانتازيا، لكنني أستدرك القول بسرعة، أنني أجد في أحيان كثيرة، أن هذه “الفانتازيا” أكثر واقعية من الواقعي عينه، على الأقل هذا ما تعلمناه من تاريخ هذا البلد الذي يذهب عميقاً الى “السحرية الواقعية” (إذا جاز القول ) ، وفيما لو استعرنا عنوان ذلك التيار الأدبي الذي غزا العالم في ستينيات القرن المنصرم.
أقرأ المسرحية وأحاول أن أعلق على بعض المشاهد التي أجدها مفصلية، على الأقل هي كذلك، بالنسبة إليّ كقارئ.
بداية، التناص مع قصة النبي يوسف، الذي بقي في جوف الحوت لمدة ثلاثة أيام. جميع الأديان تروي القصة عينها. نحن أيضاً علينا أن نروي قصتنا، وكيف بقينا في جوف الحوت لمدة 33 يوماً وخرجنا بعدها أكثر إشراقاً، أكثر إيماناً، أكثر حباً بالحياة. لا لشيء، فقط، لأننا كنّا مؤمنين بأن ما نقوم به هو الحق الأعلى الذي لن يعوقه أي شيء. وربما أيضاً لأننا من الأنبياء وإلا كيف احتملنا كلّ هذا وخرجنا سالمين.
هذه الإشارة الدينية، تتماهى مع إشارة أخرى، وبرأيي أنها تمتد على مشهدين، الأول مشهد خيال الظلّ والثاني مشهد “حنان والبساط الأخضر”.
يبدو الأمر، لمن لم يعش حرب تموز، وكأن مشهد أشباح واستيهامات. لكن في الواقع، هناك الكثير من الأحاديث والأخبار التي أنت من جهات المواجهة، بأن المدافعين عن هذه الأرض، أروا بأم العين، جيش الإمام وهو يُحارب معهم. ليس الأمر مجرد فانتازيا، بل نعرف، ومنذ حروب الإغريق التي كتب جزءاً منها هوميروس في الألياذة والأوديسية، ان الآلهة كانت تتدخل في كثير من الأحيان، لإعادة تصويب مسار الأمور.
لنأخذ هذه الفكرة ببعدها الروحاني. لم يكونوا وحدهم، يمكن لبعض الفرويديين أن يتحدثوا هنا عن اللاوعي. لكن، علينا أيضاً أن لا نغفل “المقدس”. فالأسطورة في نهاية الأمر، كنص توارثناه ، ليس سوى الجزء الأساسي من هذا المقدس الذي نعيشه والذي نطمح إليه. بمعنى آخر، لا تستقيم أي “أسطورة” جميلة بعيداً عن مقدساتها. ألم تكن هي “النص” قبل “الكُتب”، أقصد النصوص المقدسة.
هذا المقدس هو أيضاً جزء لا يتجزأ من أسطورة سيزيف – وهو المشهد الثاني الذي أعلّق عليه. تروي لنا الأسطورة اليونانية سيرته بالقول، إن الآلهة حكمت عليه، برفع الصخرة، من أسفل الى قمة جبل. وفي كل مرة كان يصل فيها الى منتصف الطريق، كانت الصخرة تتدحرج الى الأسفل، فينزل مجدداً ويعيد العملية. السؤال الذي يطرح: ألم يفهم سيزيف، بعد فترة من عمله الشاق هذا، بأنه لن يتمكن من الوصول الى قمة الجبل؟ ربما، لكن نضاله المستمر ضد هذه الحياة، جعله لا يتوقف، بل حاول وحاول من دون كلل. أعتقد أننا بحاجة لأن نفهم هذه القصة بعيداً عن عبثيتها وفق ما ذهب إليه تفسير ألبير كامو. ربما يجب الحديث هنا عن إيمان دفين، إذ وبرغم كل الصعوبات، علينا أن لا نتوقف عن الإيمان بأن العمل للوصول الى القمة، الى مبتغانا، سيتحقق. بهذا المعنى تبدو حرب تموز، التي يكتبها يوسف رقة في مسرحيته – وعلى الرغم من كل الألم الذي خلفته وراءها – تبدو بارقة أمل، أي هي الإيمان بأن نكمل المحاولة للوصول. ولدي شعور حقيقي بأننا سننجح، بعيداً عن “القدر” الذي رُسم لنا، إذ وكما قلت في بداية حديثي، “الهزيمة ليست قدراً”.
ثمة مشاهد أخرى، كثيرة، في مسرحية يوسف، يمكن التعليق عليها وتأويلها من جديد: كمشهد المواطنين الذين يمتلكون جنسية أخرى، ومشهد المسعفين وسيدة المكتبة بثقافتها التي تحيل الى حيّز أعتقد أنني كنت واقعاُ فيه قبل الحرب وتحدثت عنه قبل قليل… هناك مشاهد كثيرة، لكنني أحب أن أختم – – مع مشهد: الشيخ الفلسطيني … ربما لأن فلسطين هي القضية بأسرها. فهذا الشيخ وجد امتداد فكرته – فيمن جعلوا فكرة ما بعد حيفا فكرة قابلة للتحقق.
مداخلة الباحث المسرحي والسينمائي الدكتور قاسم قاسم
أمضى سني الدراسة في قسم المسرح مشاغباً للنص المسرحي حتى شاءت الأيام أن يتحابا، وقدم بعد التخرج (برلمان وباص) وهي رؤية استشرافية، ثم كتب وأخرج (مسرحية الشاطر)، وحين شاهدت عرضها على خشبة معهد غوتة، ووجدت بالصديق يوسف أكاديمياً بامتياز.
لقد استطاع أن يلتزم بمبادئ المسرح التغريبي الصعب واجتاز امتحان عرضه (مسرحية الشاطر) بإعطاء درس تطبيقي في المنهج الملحمي وجاءت مسرحية (أحلام يومية) وعبارته – ينام – ينام – التي تردد على لسان الشخصيات، وهي نقد مباشر للوضع السائد.
بعدها ولدت مسرحية (33 صلاة في جوف الحوت) التي قرأتها بإمعان ووجدت فيها لغة إيحائية، بسبب نقله النص من حاله المكتوب الى حالة الإخراج، يوسف في المسرحية لا يكتب لأن في داخله خيال المخرج لذلك في الصفحات لا نجد سوى لعب الشخصيات على صفحات المسرحية.
وبلغة الدراما وضع الشخصية الرئيسة حنان مقابل الشخصية المضادة، وهي إشارة الى الحرب وبالتالي فإن الصراع أوضح مفهوم الحبكة، وهي العبارة التي أحسن اختيارها قائلاً على لسان ميخائيل نعيمة: متى ستبلغ الإنسانية سن الرّشد.
والنص في 33 صلاة في جوف الحوت لا يحمل سمات المسرح البرشتي الذي تبدو فيه الشخصية من ضمن اللوحة العامة، إنما نجد ملامح درامية، تتابع حكاية الشخصيات عبر لوحات مستقلة عن بعضها البعض.
فحنان حين صعدت الى القرية مع ولديها (يلي هواها نظيف وترابها إلو ريحة) كانت تنتظر زوجها كي يحضر كالعادة نهار السبت، ولكن ما نغص حياتهم المتكئة على هدوء الريف أول قذيفة، وكرت السبحة (وصار يلّي صار) وهرّبت حنان ولديها الى المدينة وبقيت تساعد الكبار حتى طلّو الفرسان.
مسرحية (33 صلاة في جوف الحوت) اختمرت فيها الأفكار الفلسفية والاجتماعية عبر ثلاث سيدات:
1- سيدة القطار
2- سيدة المكتبة
3- سيدة المصعد
أفكار تشي بثقافة يوسف رقة التي رماها على لسان شخصياته وخصوصاً حين أشار الى فانوس علاء الدين، عندما طلب من الكاتبة أن تطلق سراح المارد، وتجعله من الشخصيات المتمردة، بدل أن يلبي خدماته للبعض، في حين أن المجاعة تعم البشر. ونستدل من خلال سرده لقصة ” سيزيف” الى تشبيه الصخرة بصراع الشعب اللبناني، وبالتالي السؤال عن المعنى في الحياة؟ وما هذا الشقاء الذي حكم علينا أن نعيشه؟
أي المسرحية
دعوة الى البقاء في الأرض
نجد حنان تصلي لحماية الرفاق، وهم يطلبون منها الصلاة لشجرة البلوط التي تحميهم بجذورها الرطبة وهي دلالة على استمرار الحياة.
وتحدث عبر شخصياته عن أطماع العدو في المياه اللبنانية واستشهاده كعربون وفاء (إبراهيم عبد العال وهو أول مهندس مائي لبناني، في مشروع الليطاني).
وعرج يوسف رقة في الكلام على التحول في بنية المجتمع قائلاً: هل سيبقى الإنسان متمسكاً بإنسانيته.
وانتقد المسؤولين الهاربين بسيارتهم الفارهة.
وبالتالي لا مبالاة بدرية وسليم بما يجري.. وقولهما لن نذهب الى العاصمة… إننا نلهو هنا بعيداً عن سلطة الأهل.
وقول سيدة القطار في حوارها مع الغزال أحد الشخصيات :
أيها الغزال من أين أتيت؟
إنني نازح من البصرة، لعلني أتمكن من قطع بعض المسافات نحو الهدوء والاستقرار.
وقول حنان أن القطار يسير على خط واحد وهنا في لبنان لا يعرفون سوى الطرق الملتوية.
وأشار يوسف رقة الى كلام المسن حول التحرش بزوجته ورد حنان قائلة:
ما بالكم تتحدثون بهذه الأمور وكأنكم نسيتم أننا محاصرون ولا نعرف متى تنتهي هذه الحرب اللعينة.
وردّ الرجل العجوز – إذا أردت رأي، يشعر الإنسان بعاطفة شديدة في الحرب ..
وحين قرأت عبارة: الزمن يتقدم في العمر وصار مثل شيخ هرم، ونحن نساعده ( أي الوقت ) على اقتراب ساعة نهايته، رحت أتساءل كيف نساعد الوقت وهو ثقيل جداً، ومن أين جاء بها يوسف؟ قلت في قرارة نفسي إنها دعوة أطلقها للانتفاض على الحاضر وعلى الزمن اليابس.
وفي النهاية ترسم المسرحية حلاً للخروج يحمله على لسان سيدة المصعد.
متى يحين موعد ولادتي؟
متى يطل طفلي الصغير؟
هيا أيها البطل؟
وعلى لسان حنان عندما تلف بطنها بالشراشف البيضاء وتقول: هكذا سأبدو الشهر التاسع، ربما أكون حاملاً.
وكانت غولدا مائير تردّد:
كل صباح أتمنى أن أصحو ولا أجد طفلاً فلسطينياً واحداً على قيد الحياة.
الصديق يوسف العارف بطبيعة الأرض استطاع ان يقدم المنحى الإنساني في مسرحيته لأننا حين نتطلع في العمق الفلسفي للدراما من خلال المسرح اليوناني والشكسبيري وصولاً الى الحداثة، يدفعنا القول الى تحديد ماهية الدراما باعتبارها الشرط الإنساني الأول في عملية الإبداع ، وبالتالي أي إبداع لا ينطلق من هذا المفهوم يقع في غياهب النسيان ، فالدراما تغوص في عالم الشخصيات ، وتكشف عن العتمة والضوء في أعماقهم.
عالم الدراما أجده في الكتابة من أصعب الأنواع.
يوسف رقة أنت كاتب جميل لقد مشيت على خطى كتابة النص المسرحي لذلك يشدّ على يدك أسامة العارف، عصام محفوظ، سعدالله ونوس، جورج شحادة وغيرهم من الكتاب اللبنانيين والعرب