الريشة الملاك

      

الثاني من آذار الجاري لم يكن يومًا عاديا في حياتي، فللمرة الأولى لم أحتفل بعيد ميلادي في بيتي الصغير ومع أفراد أسرتي الصغيرة، ذلك أني كنت على موعد مع إحتفال من نوع آخر، في بلدة صغيرة اسمًا وكبيرة فعلا، بقلبها النابض حُبَا وكرمًا وشهامة وفروسية…

ففي هذا التاريخ بالذات، احتفل “منتدى ريشة عطر” برئاسة الشاعر أسعد المكاري، في صالة المسرح البلدي في زغرتا، بتكريم باقة من الاعلام اللبنانيين، هم: الإعلامية ندين صموئيل شلهوب، أنطونيو يمّين، الأخت بازيل صيّاح، الشيخ جميل معوّض، الدكتور جورج دحدح، الإعلامي روبير فرنجية، الشاعر شيبان سعاده، الأديب محسن يمّين، والنحّات نايف علوان…

وقد توّج إقحام إسمي بين أسماء هذه الباقة المختارة من المكرّمين، بمفاجأة “تاريخية”، تمثّلت بـ “بورتريه” قدّمها إلي الفنّان التشكيلي الكبير جريج بوهارون كـ “هدية عيد ميلاد”… أعتقد، بل أعترف جازمًا، بأني أعجز من ايجاد الكلمات المناسبة للتعبير عن إمتناني له وتقديري لعملقة أنامله… لذلك أكتفي بترداد الكلمة المقتضبة التي وجهتها إليه وإلى أعضاء المنتدى بعد تسلمي الدرع التقديرية، والتي قلت فيها:

“يا رب

إجعلني مستحقًا…

إسمحوا لي اليومَ ألا أتوجهَ إليكم بكلماتِ الشكرِ المعتادةِ، في مقابلِ هذا الفيضِ من المحبةِ التي غمرتموني بها، ذلك أن التكريمَ ما هو إلا فعلُ محبةٍ، والمحبةُ لا تنبعُ إلا من ذاتِها، ولا تعطي إلا ذاتَها… ولأنكم ذاتي، فلا يجوزُ أن تكونَ هذه الذاتُ أنانيةً، وتشكرُ ذاتها…

وعليه، بدلا من الشكرِ، سأكتفي بتمتين صلتِنا بالصلاة… سائلا اللهَ أن يمكنَني من مواصلة عملي كبستانيٍّ في حديقةِ الثقافة اللبنانية… بستانيٍّ، كان، ومازال، ويتمنى أن يبقى، خادمًا للكلمة الزهرة، كما للكلمةِ الأرزة، متعهدًا ريَّ هذه وتلك بحبر العين الأخضر…

أما رجائي، بل أملي الأكبرُ فهو أن تصيرَ جنينتي جنّةً، لا قايينَ فيها ولا يباسَ ولا رمال، بل بحورُ شعر، وينابيعُ فكر، وشلالاتُ إبداع وجمال… جنةً يفيض فيها السحرُ، وتمتلئ فيها محبرةُ العمر برذاذِ “ريشة عطر”… “.

******

يبقى أن الفنّان جريج بوهارون منسجم مع نظرية ديلاكروا القائلة: نحن لا نرسم بالضرورة ما نرى، وإنما ما رأيناه يومًا ونخاف ألاّ نراه بعد ذلك”… وهو يعتبر أن “البورتريه هي لوحة تمثّ!ل الانسان، الذي هو على صورة الله ومثاله، وينبغي على الفنّان اظهار القيم الانسانية من خلال تعابير الشخصية، أو توجيه رسائل من نظرة أو حركة معينة”، ويضيف: “احاول أن اجعل من لوحتي كائنًا حيًا في الوجود، من خلال تجسيد كل ما ذكرته، مرتكزًا الى الواقعية المفرطة في عملي الفني”…

جريج بوهارون…

سلمت يداك…

وتمجدت ريشتك الملاك…

 

One comment

  1. يقول د. محمّد محمّد خطّابي - مدريد:

    الأديب الأريب ، والإعلامي المتوهّج الصّديق العزيز المكرّم السيد جورج طرابلسي.. حفظه الله تعالى ورعاه، وسدّد إلى معارج الخير، وإلى مدارج السُّؤدد خطاه، يطيب لي فى هذا اليوم الأغرّ ،يوم تكريمك المُستحقّ بكلّ المقاييس الذي صادف ذكرى عطرة فوّاحة زكية وهي إشراقة هالة عيد ميلادك السعيد عليك.. يطيب لي أن أغتنم هذه السّانحة لأتقدّم لك بتهانئي القلبية الخالصة الصادقة للمناسبتين الجميلتين راجياً لك عيدَ ميلادٍ سعيد،مقروناً بالعمر المديد، والعيش الرّغيد…وكلُّ عام وأنتَ بألف خير وصحّة وعافية وسرور وجذلٍ وحبور إن شاء الله… هنئتَ فى هذا اليوم البهيج، يا صاحبَ الجِذر الأريج ،والمحتد الأصيل ،بما حباك الله من حُسن المزايا،والسّجايا،والشمائل ، و حميد الخصال والشيّم والشمائل ، ويسعدني بهذه المناسبة الغالية أن أذكّرك بحكاية طريفة وقعت للشّاعرالمصري الصّادح كامل الشنّاوي البدين (جسماً) والرّقيق (إحساساً) الذى خلّف لنا العديد من الأشعارالرّائعة ، منها قصيدته الشّهيرة “لا تكذبي ” التي أبدع فى غنائها العندليب الأسمرالمرحوم عبد الحليم حافظ ،وأميرة الطرب العربي نجاة الصغيرة وأعمق،وأصدق، وأرقّ مقطع فى هذه القصيدة يروقني كثيراً – ولابدّ أنّه يروق كلّ مُعجب بهذا الشاعر الأصيل – يقول : ” ويَشُبُّ فى قلبي حريق…ويضيع من قدمي الطريقّ ” ، هذا الشاعر قال ذاتَ يومٍ ، مثلما قال قبله المرحوم د طه حسين: إنه عندما أزاح يوماً عمّته من على رأسه ،ونزع جبّته من على بدنه، وضع معهما كلّ همومه ،وأحزانه ،ومعاناته، وأشجانه ، فى إشارةٍ إلى تعنّت، وتزمّت بعض المنغلقين من أساتذتهما ،وذات صباح باكر باغته أصدقاؤه وخلاّنه وأحبّاؤه مهلّلين فرحين، جذلين مهنّئين إيّاه بعيد ميلاده : ” كلّ سنة وأنت طيّب يا سّى كامل .. صحِّ النّوم ” فصحا، ثمّ صاح فيهم ، وهم يمرحون منشداً الأغنية الرّائعة التي أبدعها المرحوم فريد الأطرش،فقال: ( عُدتَ يا يومَ مولدي .. عُدت يا أيها الشقيّ الصّبا ضاع من يدي .. و غزا الشيبُ مفرقي .. ليت أني من الأزل .. لم أعش هذه الحياة عشتُ فيها و لم أزل .. جاهلاً أنها حياة ليت أني من الأزل .. كنتُ روحاً و لم أزل. أنا عمر بلا شباب .. و حياة بلا ربيع ..أشتري الحبَّ بالعذاب .. أشتري فمن يبيع؟..وأنتَ أيّها الصديق الشّهم الأشمّ ، والخلّ الأصيل النبيل لمّا تزلْ ترفلُ فى أثواب الشّباب… شباب الرّوح، والعقل، والفكر، والوجدان ..وتنعم بربيع العمر،وشرخه وريعانه طيّبةً ورقّة ،ووداعة، وقلباً كبيراً، وفكراً نيّراً مستنبراً،وخُلقاً كريماً … كلّ عامِ وأنتَ طيّب وبألف خير إن شاء الله تعالى .. ودم لنا على الثرى تشذب وتهذب أفنانَ حديقتك المعطاءة ، وترعى أغصانَ جنينتك الغنّاء ، وتسقي بأطايب العطر العبق الفوّاح جذور أدواحك الوارفة ببستانك الأدبيّ الأغرّ … أما همّتك، وهامتك فهما دوماً نصب أعيننا فى الأعالي السّامقات جيراناً للثريّا والسّماكِ الأعزل..ألف مبروك مرّة أخرى من القلب على الفرحة التي أضحت فرحتين..والتكريم الذي غدا تكريميْن.. والعيد الذي أمسى عيديْن… عناق المحبّة والوفاء.
    صفيّك المخلص السّفير د. محمّد محمّد خطّابي

اترك رد

%d