أنا الانسان الذي تفرّ من تحته الأرض وتخونه الكلمات ،
الكلمة محتضرة بالفم .. ذاويه سقيمة .. لا تغادر الثغر تتأرجح وتتقلب بين الشفاه وطرف اللسان،
حتى أغرقها الرضاب.
ليس من عصب حسّي يتخذ قراره ويطلقها حرة .. كما خلقني الله حرا هكذا فهمت!
ولدتُ عاريا ورئتي امتلأت بسوائل العدم والجنون ..
هل من أحد يطبطب على رئتي وظهري .. ليفتح مسالك التنفس ، وأطلق صرختي .. بكائي .. كلماتي .. أسئلتي ؟
من يخفف عني بريق النهار ؟ في عيني ..
أنا وليد الظلمة والجنون ابن جنوح آدم وحواء ، والذكورة التي قالت كلمتها في جوف العتمة ، فجئت وليدا للخنوع وفصاحة اللسان في الظلمة ،
من يطلق كلمتي في النهار ؟
في ضجيج الحركة لا سكون الليل ، كم من لهفة لأطلق ما احتبس واحتضر في فمي من كلمات في لحظة اليقظة وفي حضرة سلطان ، كم لي رغبة أن أترك كلماتي عند باب عاهر أو في درس عالم أو ثري جائر.
كم من رغبة أن أعبّر بلسان فصيح لأمقت قذارة نشوة خائفة لاذت الى امرأة هدّها الوقت ، وجبلت على دساتير العشيرة وكبّلت من يأس قادم ، فكانت أسيرة يأسها خوفا من خذلان الخصوبة والتكاثر، حتى تكاثرنا كالفئران لا نجيد سوى القرض وطحن الكلمات برحى الأفواه ، نلوكها ونذيبها منذ الأزل حتى نبلعها ولم نطلقها للعنان وللأذان الصماء .
جئنا بلا كلمات نحن أولاد الظلمة ومزاعم الذكورة بلا عزم ومكارم ، نخاف السياط .. نخاف جبروت الخجل والمصير،
عفتنا أن لا نتكلم بما نؤمن ونفكر ونحلم .
ولدنا بلا أحلام .
ولدنا خوفا أن تأكل الطير سنابل رؤوسنا .
العجاف تنتظرنا .
نترجى الفصول أن لاتحلّ غضبها علينا ، فقدمنا طاعتنا الى المعابد ، وبذلنا لها موائد الخصب قرابين كي ترضى عنا .