أحد الأبرص
مرقص 1، 35-43
نتأمَّل، في أسابيع الصوم كافّة، بالمعجزات التي قام بها السيِّد المسيح وتظهر جميعها أمرين أساسيَّين: المسيح ابن الله وربّ السبت والشريعة، والخلاف الجوهري بينه وبين اليهود معلِّمي الشريعة أي الكتبة والفرِّيسيِّين. ونتأمَّل في هذا الأحد الثاني بالمعجزة التي حصلت مع الأبرص ونقف عند أمور ثلاثة:
1- مدَّ المسيح يده ولمسه
كان البَرَص وما زال مرضًا خطيرًا، بالتالي حرَّم الشرع اليهودي التعاطي مع البُرص سواء في تناول الطعام أو الشراب أو اللمس، فعُزلوا عن المجتمع وسقطت قيمتهم الإنسانيَّة، فجاء المسيح وخالف هذا الشرع فلمس الأبرص وطهّره.
يعني هذا الأمر أنَّ المسيح أراد أن يعيد لهذا الإنسان كرامته التي حَرَمه منها الناموس، فهو لم يعامل الناس بحسب هذا الناموس إنَّما بحسب المحبَّة والنعمة، كذلك أعاد له صحَّته وبالتالي أعاده إلى المجتمع وألزم اليهود الاعتراف به كائنًا على صورة الله ومثاله ليقول لهم إنَّ المرض الجسدي كالبرص والمرض الروحي كالخطيئة، لا يفقدان الإنسان كرامته بل يجب علينا أن نعامله كالخروف الضال لنردّه إلى الحظيرة، وبمفهوم اليوم إلى الكنيسة.
2- قدّم القربان عن طهرك كما أمر موسى
لم يشأ المسيح تهديم الناموس بل طلب من الأبرص، بالتالي من كل الناس، الحفاظ على ما أمر به موسى والعمل به، لأنَّ ما أمر به موسى حسن بذاته، لكنَّ الممارسات في تطبيق هذا الناموس كانت عاطلة، فتجاوز المسيح الممارسات، إذ لمس الأبرص ولم يتجاوز الناموس لأنَّه أمر بتقديم القربان المفروض، لكي يحمل الأبرص شهادة لليهود بأنَّه أصبح طاهرًا، ولكي يعرفوا من جهة أخرى أنَّ يسوع الناصري هو المسيح المنتظر، لأنَّهم قرأوا في الكتاب أنَّ من علامات مجيء المسيح: «البُرص يطهرون والعميان يبصرون والصمّ يسمعون» ثم زاد: «طوبى لمن لا يشكُّ فيَّ».
حقَّق المسيح بلمسه الأبرص وإعادته إلى الوضع الاجتماعي السليم كلمة النبي حين قال: «أخذ عاهاتنا وحمل أوجاعنا فحسبناه ذا برص منبوذًا ومرذولاً». لقد صَحَّت النبوءة، فحين شفي الأبرص بفعل محبَّة المسيح، دخل المدينة علانية بينما بقي المسيح خارج المدينة في البريَّة حيث كان يقيم الأبرص حين كان مصابًا. أليس هذا استباقًا لصلب يسوع حيث أخذ خطايانا وعُلّق حيث يجب أن نُعلّق نحن، ومات فداء عنَّا بينما تقضي العدالة بأن نموت نحن جميعنا؟
3- الله يفعل الفعل بمجرَّد إرادته
المسيح يفعل الفعل بمجرَّد إرادته لأنَّه قال للأبرص: قد شئت فكن طاهرًا، وهذا يذكّرنا بكلمة الله حين خلق الخليقة بكلمة «كوني فكانت». هذا الفعل الذي يعجز عنه أي إنسان، يثبت أنَّ المسيح إله قادر أن يقول للأمور «كوني فتكون»، ما جعل الكتبة والفرِّيسيِّين ينظرون إليه نظرة الكافر لأنَّه يتصرّف تصرُّفًا إلهيًّا، وقد سبق أن قالوا عنه إنَّه يتكلّم كمن له سلطان، فالسلطان هُنا، هو القدرة على الخلق، وهذه صفة إلهيَّة.
من تَجَاوُز الشريعة، لأنَّه هو واضع الشريعة والناموس، ومن الفعل بمجرَّد الإرادة، نستنتج أنَّ الصليب كان عقوبة لادِّعاء المسيح أنَّه ابن الله. وهذا ما حصل ليلة الآلام حين قال رئيس الكهنة بعدما سأل المسيح: «هل أنت ابن الله؟» فأجابه: «أنت قلت»، فشقَّ ثيابه وحكم عليه بالموت.