التسامح مع النفس ومع الآخرين، المفاهيم الأساسية للحضارات، الحوار المسيحي- الإسلامي، ثنائية الشرق والغرب، طرح جديد للعولمة من خلال رؤية عالم بلا حدود ومواطن عالمي… هذه أبرز سمات أدب الروائي أمين معلوف الذي دخل الأكاديمية الفرنسية في حزيران الماضي 2012 ليصبح من الخالدين.
هذا الروائي الذي تشرب من حضارات الشرق واغتنى من أرض الديانات السماوية بالميادئ السامية، عرف كيف يقرأ أي حدث عاشه أو قرأ عنه، سواء كان مفرحاً أو مؤلماً، فاكتسب أهمية في إدراكه لهويته الإنسانية وانتمائه الكياني والوطني، في النظرة إلى الآخرين أبعد من هويتهم الضيقة، نابذاً أشكال التطرف الديني والولاء والخضوع والاستسلام… بهدف استخلاص العبر وتأسيس ركائز مجتمع جديد..
أمين معلوف مؤمن بالكلمة التي تحيي ولا بتلك التي تقتل، وبأن النص المقدّس لا يتغيّر بل نظرتنا إليه هي التي تتغيّر، والمؤمن برأيه هو الذي يختصر القيم بقيمة واحدة هي كرامة الإنسان وما الباقي سوى أضغاث أحلام…
تتجلى جمالية القيم التي دعا إليها أمين معلوف في أعماله في مهاجمة الحقد الذي يقتات من كل شيء حتى من الحب في بعض الأحيان، “أما الحقد الذي نحمله في أعماقنا، فهو يحمل آلاف الأسماء” على حد تعبيره…
كيف تناول أمين معلوف القيم في مؤلفاته: “الحروب الصليبية كما رآها العرب” – عرض تاريخي (1983)، “ليون الأفريقي” – رواية (1984)، “سمرقند”- رواية (1986)، “حدائق النور” – رواية (1991)، “القرن الأول بعد بياتريس” – رواية (1992 )،” صخرة طانيوس” – رواية (1993)،” سلالم الشرق أو موانئ المشرق” – رواية (1996)،” رحلة بالداسار” – رواية (2000)،” الحب عن بعد” – مسرحية شعرية (2001)، “الهويات القاتلة” – مقالات سياسية (1998 و 2002)،” بدايات” – سيرة عائلية (2004)،” الأم أدريانا” – مسرحية شعرية (2006)،” خلل العالم” – مقالات سياسية (2009)، “التائهون” (2012).
الحروب الصليبية كما رآها العرب
ينطلق هذا الكتاب من فكرة بسيطة: سرد قصة الحروب الصليبية كما رويت تفاصيلها في ”المعسكر الآخر”، أي في الجانب العربي، من حلال شهادات المؤرخين العرب في تلك الحقبة. ولا يتحدث هؤلاء عن حروب صليبية بل عن حروب أو غزوات إفرنجية. وقد كتبت الكلمة التي تدل على الإفرنج بأشكال مختلفة باختلاف المناطق والمؤلفين والأزمنة: فرنج، فرنجة، إفرنج، إفرنجة…
هدف أمين ملوف ، ليس تقديم كتاب تاريخ إنما توضيح وجهة نظر أهملت حتى الآن، أي كتابة ”رواية حقيقية” عن الحروب الصليبية وعن القرنين المضطربين اللذين صنعا الغرب والعالم العربي ولا يزالان يحددان علاقتهما لغاية اليوم… يدعو إلى علاقات أفضل بين الشرق والغرب، إلى تصحيح صورة الشرق في نظر الغرب… إلى تكافؤ الخبرات ونشر السلام بدل العنف والحقد…
ليون الأفريقي
ليون الأفريقي أو يوحنا ليون الأفريقي أو يوحنا الأسد الأفريقي هو الحسن بن محمد الوزان الفاسي. اشتهر بتأليفه الجغرافي في عصر النهضة. غرناطي المولد (894 هـ) ، انتقل إلى المغرب للعيش في فاس وأصبح سفيراً لسلطانها محمد البرتقالي. زار مصر واسطنبول… ثم أسر واقتيد إلى روما كهدية للبابا ليون العاشر الذي حمله على اعتناق المسيحية، والبقاء في روما لتدريس العربية ، وقد كتب فيها مجموعة كتب في اللغة والأدب والجغرافيا أشهرها كتاب “وصف أفريقيا” الذي ترجم إلى العربية ونشر العام 1979 .
ليون عند معلوف ليس عربياً مسلماً متنصراً، بل شخصية تحلم بعالم فاضل بلا حرب، تتدفق فيه المعرفة، إنه تجسيد للتسامح والاحترام لإنسانية الإنسان بغض النظر عن هويته وكيانيته الدينية.
سمرقند
يتجاوز بطل الرواية حدود الزمان و المكان، عاش في سمرقند وسينابور، وعاصر الغزو المغولي ونجا منه… بعد ألف عام ظهر في عصر شاه إيران وأبحر عبر “التايتنك”. بطل الرواية هي مخطوطة “رباعيات الخيام”، زهرة شرقية حملتها زهرة غربية أي باخرة التيتانيك. تجسد هذه الرواية نظرة امين معلوف إلى لقاء الثقافات، إلى سمو الروح…
حدائق النور
سيرة ورواية تجمع ما تبقى من حياة نبي لم يعد يُذكر إلا كنموذج لثنائية ظلت غير مفهومة إلا بشكل ساذج: النور/ الظلمات. “ماني” الطبيب والنبي والرسام والإنسان يسكن في ظلال الوهج، هادئا ومتزناً، شأنَ كل الذين دفعوا حياتهم ثمنا لثراء الإنسان الروحي. إنه يدعو إلى نبذ السلطة بكل أشكالها والانغماس في عالم الفن، وينادي بالحب والتسامح…
يوغل أمين معلوف بعيداً في أعماق التاريخ، في بقعة خارجة من حدود الزمان والمكان…. ماني هو ذاك الرجل الطيب الرسام والرسول، الذي وضع في القرن الثالث رؤية جديدة للعالم ، وكان يقول: “قدمت من بلاد بابل لأجعل صيحة تدوي في أرجاء العالم”.
القرن الأول بعد بياتريس
تدور أحداث الرواية حول وحشية التقدّم العلمي الذي أنجزه البشر وتأثير ذلك على إنسانية الحياة. يعتقد معلوف بأن التاريخ من الآن وصاعداً لن يكتبه الجنرالات و الإيديولوجيون والطغاة، بل الفيزيائيون والبيولوجيون. مع تطور العلم والتقدم في علم الجينات، أصبح تحديد جنس المولود واقعاً، ويسمح دعاة المساواة بين الرجل والمرأة للبشرية بأن تستخدم أكثر الوسائل تطوراً لخدمة قضايا دنيئة، وتوظف أسلحة العام 2000 لتسوية نزاعات تعود الى العام 1000، ويشيحون بنظرهم عن تلك الحدود الفاصلة بين وحشية العلم وإنسانية الطبيعة، إنها اللحظات التي يضع فيها أكثر العلوم سمواً نفسه في خدمة أحقر الغايات
رواية حول انقسام كوكبنا الى جنوب يتداعى وشمال يتذمر، واللقاء المرعب بين مساوئ السلفية وشرور الحداثة، وتلقي نظرة قلقة على القرن الحادي والعشرين الحاضر بقوة والذي يدعوه الكاتب بغموض “القرن الأول بعد بياتريس”.
صخرة طانيوس
هذه الرواية مستوحاة بتصرف من قصة حقيقية : اغتيال بطريرك في القرن 19 على يد شخص معروف باسم أبو كشك معلوف، وكان القاتل قد لجأ إلى قبرص ، فأعيد إلى البلاد بحيلة من أحد عملاء الأمير ثم أعدم ، أما باقي الرواية : الراوي ، ضيعته، مراجعة ، شخصياته ، فليس سوى تخيل محض.
موانئ الشرق
في روايته لا يقدم معلوف خطابا سياسياً أو فكرياً إنما يصوّر الإنسان الذي يحبّ ويحزن، يتألم ويفرح، من دون ان تختلف هذه المشاعر بين قومية وأخرى أو بين حضارة وأخرى أو دين وآخر، يقاوم في سبيل الحب بعيدأً عن اي تعصب أعمى…
الهويات القاتلة
في هذا الكتاب يؤكد أمين معلوف أن التاريخ يقدّم البرهان الساطع على أن الإسلام يحمل في جوهره قدرات كامنة على التعايش والتفاعل المثمر مع الحضارات الأخرى، مما يقول فيه: “غالباً ما نهوّل تأثير الأديان على شعوبها ونهمل على العكس تأثير الشعوب على الأديان. الحركات الأصولية ليست وليدة التاريخ الإسلامي بل هي وليدة عصرنا واضطراباته وتشوهاته وممارساته وخيباته. الغرب لا يريد أن يكون له مثيل وكل ما يريده الطاعة والخضوع… العولمة المتسارعة تولد استجابة تتمثل في تغيز الحاجة لتأكيد الهوية، وكذلك تعزيز الحاجة الروحية بسبب القلق الوجودي الذي يصاحب هذه التحولات المباغتة. إننا نعيش في عصر مدهش يستطيع فيه أي إنسان يملك فكرة سواء كانت عبقرية، فاسدة، أو سطحيّة أن ينقلها خلال النهار إلى عشرات الملايين من البشر…”
رحلة بالدسار
رحلة البحث عن الذات، رحلة القلق الوجودي الدائم الذي يرافق الإنسان في كل العصور، يرتسم فيها السؤال الفلسفي والديني عن الحياة والآخرة، أو مصير البشرية. هذه الرواية وأسئلتها حول الوجود، تذكر بالنبوءات التاريخية لنهاية الكون وعلاماتها، فقد تنبأ البعض أن نهاية الكون ستكون في نهاية الألفية الأولى لميلاد المسيح، ثم الألفية الثانية، لكن ذلك لم يحدث، رغم جزع الناس، الذين انتحر بعضهم، وهجر بعضهم أعماله، انتظاراً لهذه النهاية.
الحب عن بعد
حكاية عن الحبِّ تقودنا إلى ضفاف الأسطورة، حيث تستيقظ في قلب العاشق رغبة الحياة ورغبة الموت. تصرّ على اللقاء والحوار الحضاري بين الشرق والغرب، رغم كلِّ شيء، وعلى الحوار الإنساني في نزعاته الذاتية المختلفة. إنها حوار الحبِّ والمغامرة والتاريخ والمدن العريقة، حوار المعاني الكبرى والقيم العظيمة والحضارات الأصيلة التي لا تتغير باختلاف الهويات والتصورات والمصالح.
بدايات
يغوص أمين معلوف في تاريخ أهله، في محاولةٍ لإحياء مصير عشيرة بني معلوف واستحضار ذاكراتهم. يعلم أن مساره الشخصي سوف يفقد أهميته لو لم يكن، بواسطة الكتابة والعاطفة، أميناً لهذه السلالة الصاخبة والمتشعبة. “البدايات” اعتراف مهيب بالجميل، صلاة مديدة ونبيلة، نشيد حب إلى أسرة تظل الوطن الوحيد للأديب..
الأم أدريانا
في بلد تستعر فيه الحرب، تحمل أدريانا، الشابة الشغوفة، إثر تعرضها للاغتصاب، تحاول شقيقتها أن تقنعها بألا تحتفظ بالطفل، فتجيبها أدريانا: “هذا ابني وليس ابن المغتصب. وسوف يشبهني!” على مدى سنوات راودها الشك حول ابنها يوناس الذي تجري في عروقه دم الضحية ودم الجلاد،وتساءلت: هل سيتحول إلى قابيل أم إلى هابيل؟
يقسم يوناس بعدما أصبح شاباً بأن يقتل أباه، فلا تحاول أمه ثنيه عن عزمه، سوف تنتظر عودته لتقول له: “كان ذلك الرجل يستحق أن يموت ولكنك أنت يا بني لا تستحق أن تصبح قاتلا”..
خلل العالم
يرصد معلوف الحالة التي وصلت إليها مجتمعاتنا في ظل الحروب والتصعيدات العسكرية والأزمات المالية والاقتصادية التي اجتاحت العالم. ورغم ما آلت إليه الأمور ما زالت لديه ثقة بالبشرية وبصيص أمل بأن العالم سينقذ نفسه من الهاوية كما فعل في السابق.
يرى معلوف أننا دخلنا مرحلة جديدة من تطور البشرية، ولكننا لم نقيـّم بعد من أين جئنا وإلى أين نحن متجهون.. ركائز المجتمعات التي يتحدث عنها معلوف تتطلب منا أن نحرر أنفسنا من عقليات الماضي، من التنافس نحو التضامن والتعاون. والعمل معاً لحلّ المشكلات التي تواجه العالم والتخلص من عقلية الموازين والقوى التي تحكمت بالدول والشعوب حتى الآن، والتحرر من الصراعات التي اتخذت من الهوية سلاحا لها. لكن المسار المثالي كما يتخيله الكاتب يسير عكس التيار السائد في العالم اليوم. كيف نصل إلى هذه المرحلة ومن سيدفعنا نحو التغيير؟ يقول معلوف: “للأسف لسنا متجهين في هذا الاتجاه. لا نزال بعقلية الصراع والمواجهة. لا أخفي أني قلق جدا من هذا الوضع. هنالك حالة ضياع ونحن بحاجة إلى إعادة التركيز على الأهداف”.
التائهون
في هذا الكتاب يستلهم أمين معلوف فترة شبابه بتصرف شديد. فقد عاش تلك الفترة مع أصدقاء كانوا يؤمنون بعالم أفضل. ومع أنَّ لا شبه بين أبطال هذه الرواية وبين أشخاص حقيقيين، فهم ليسوا من نسج الخيال تماماً. فقد نهل من معين أحلامه واستيهاماته وحسراته بقدر ما نهل من معين ذكرياته.
كان أبطال هذه الرواية متلازمين في شبابهم ثم تشتَّتوا ودبَّ بينهم الخصام وفرّقتهم الأيام، وسيجتمع شملهم بمناسبة وفاة أحدهم. بعضهم أبى أن يغادر وطنه الأم، وبعضهم الآخر هاجر إلى الولايات المتحدة، أو البرازيل، أو فرنسا، وأخذتهم الدروب التي سلكوها في اتجاهات مختلفة. فماذا يجمع بعد بين صاحبة الفندق المتحرِّرة، أو المقاول الذي جمع ثروة، أو الراهب الذي اعتزل العالم وانصرف إلى التأمل؟ بعض الذكريات المشتركة، وحنين لا برء منه للزمن الذي مضى.