فدوى طوقان في دير الأسد

   

في شهر رمضان من عام 1996، وأثناء مرور فدوى طوقان ، شاعرة فلسطين والعرب الأؤلى بقرية ” سيلة الظّهر” الواقعة على جانبي الطّريق الرّئيسيّ الذي يربط مدينة نابلس بمدينة جنين في الضفّة الفلسطينيّة المحتلّة ، وهي متّجهة إلى قرية دير الأسد لتكون عروس المهرجان الأدبيّ الكبير الذي أُقيم على شرفها ، وتكريمًا لها ، وتقديرًا لرسالتها الفلسطينيّة ورحلتها الحياتيّة ” رحلة جبليّة رحلة صعبة”، ودورها الأدبيّ والسّياسيّ المُتَمِّم لدورأخيها الشّاعر الكبير إبراهيم طوقان(1905- 1941) وهو من أوائل الشّعراء المنادين بالقوميّة العربيّة ، ومقاومة الاستعمار، وخاصّة الإنجليزيّ في المنتصف الأوّل من القرن العشرين وصاحب قصيدة موطني، وهو النّشيد الوطنيّ الفلسطينيّ: فلسطين:.

موطني موطني مَـوطِــني مَــوطِــنِـي

ألجـلالُ والجـمالُ والسَّــنَاءُ والبَهَاءُ فـي رُبَــاكْ فــي رُبَـاك

والحـياةُ والنَّـجاةُ والهـناءُ والرجـاء فـي هــواكْ فـي هـواكْ

هـــــلْ أراكْ هـــــلْ أراكْ سـالِماً مُـنَـعَّـماً وغانِـمَاً مُـكَرَّمَاً

هـــــلْ أراكْ فـي عُـــلاكْ تبـلُـغُ السِّـمَـاكْ تبـلـغُ السِّـمَـاك

مَــوطِــنِــي مَــوطِــنِــي مَــوطِــنِــي مَــوطِــنِــي

الشَّبابُ لنْ يكِلَّ، هَمُّهُ أنْ تستَقِـلَّ أو يَبيدْ

نَستقي منَ الـرَّدَى ولjـنْ نكونَ للعِــدَى

كالعَـبـيـــــدْ كالعَـبـيـــــدْلا نُريــــــدْ لا نُريــــــدْ

ذُلَّـنَا المُؤَبَّدا، وَعَيشَنَا المُنَكَّدا، لا نُريـدْ بلْ نُعيـدْ

مَجدَنا التّليدْ مَجدَنا التّليدْ مَــوطِــنـي مَــوطِــنِـي

الحُسَامُ واليَرَاعُ لا الكلامُ والنزاعُ رَمْزُنا رَمْزنا

مَـجدُنا و عـهدُنا وواجـبٌ منَ الوَفا

عِـزُّنا يهُـــزُّنا عِـــــزُّنا يَهِزُّنا

غايةٌ تُـشَرِّفُ و رايةٌ ترَفرِفُ

يـــــــا هَنَـــاكْ فـــي عُـــلاكْ

قاهِرًا عِـــداكْ قاهِـراً عِــداكْ

مَــوطِــنِــــــي مَــوطِــنِـــــي

وأمّا قصائده الشّهيرة فمنها:

ناصري يا رُمَّان من كفركنّا، وملائكة الرّحمة، وغريرة في المكتبة، والشّاعر المعلّم وهي معارضة لقصيدة أمير الشّعراء: قُمْ للمعلِّم وَفِّهِ التَّبْجيلا * كادَ المعلّمُ أنْ يكونَ رَسُولا، ومطلعها:

شوقي يقول ومـا دَرَى بمصيبتي*** قم للمعلِّمِ وَفِّـهِ التَّبجيــلا

أُقْعُدْ فَدَيْتُكَ هل يكونُ مُبَجَّلاً***من كانَ للنَّشءِ الصّغيرِ خَليلا

ويكادُ يقتلُني الأميـرُ بقولِهِ * كادَ المعلّــمُ أنْ يكــونَ رسـولا

لو جَرَّبَ التّعليمَ شوقي ساعةً ***لَقضى الحياةَ شقاوةً وخُمُولا

قلت لدى مرور الشّاعرة فدوى طوقان بقرية سيلة الطّهر: سالتني وهي العارفة بالطّبع، شو اسم هاي القرية ؟

قلت : سيلة الظّهْر .

قالت: معقول ؟ كنت أظنّها سَلّة الزّهْر!

قلت:ليش؟

قالت: اطَّلَّع وشوف هاي سيلة ظهر وحياتك هاي سلّة زهر ؟!

قلت: الثنتين سيلة ظهر وسلّة زهر.

قالت لكن هي اليوم سلّة الزّهر، وبُكْرَا سيلة الظّهر.

قلت : آه والله صحيح.

وابتسمتْ من كل قلبها ، وبدا عليها الزّهو والسّرور، وراحت ترمق القرية يمينًا وشمالاً، وترنو بحنوّ ومودّة إلى كروم اللوز والمشمش والدّراق والبرقوق التي تكتسي بها روابي القرية ، وخلايلها، وجنبات وديانها , وهي في عنفوان إزهارها , وإبّان عقد ثمارها ، قالت:

يا الله !شُو هَالسّحر ؟ ا شُو هَالرّوعة ؟! شو هَالجمال ؟!

هذي البلدة قصيدة ما بتخطر لشاعرببال !

وما كان منّي في مثل هذه اللحظة المدهشة، وفدوى طوقان شاعرة ترسم بالكلمات ما يرسمه الرسّام بالألوان، والموسيقيّ بالألحان، وقد ثنَّيت على قولها ، وأثنيت على كلماتها الشّاعريّة العذبة التي قالتها وهي مندهشة ومبهورة:

وكان مهرجان تكريم فدوى طوقان : جميع أهالي قرية دير الأسد،من الكبير للصّغر للمقمّط بالسّرير وجمهور يردفه من القرى المجاورة.

وأثناء السّهرة بعد مهرجان فدوى الذي لم يسبق أن قام قبله أو بعده مهرجان أكبر منه في الجليل أو غيره، جرت أحاديث وكلمات في بيت رئيس المجلس المحلّي الأستاذ إبراهيم يوسف الحسين الأسدي وكان أن قالت :

على كثرة ما حضرت مهرجانات في الدوّل العربيّة من محيطها إلى خليجها لم أشعر بالزّهو والعزّة والفخر الفرح كا في مثل هذه المهرجان. واضافت وهي مبتسمة بل ضاحكة : هاي مش دير لحالو بل دير وأسد ! وقامت لكلمتها هذه سحجة ديراويّة استمرّت خمس دقائق وأكثر.

ولمّا انقضى شهر الصّيام ، وحلّ عيد الفطر، كتبت إلى شاعرتنا المبدَّاة والمفدّاة , فدوى طوقان،رحمها الله ، بطاقة معايدة قلت فيها بعد عبارات التبجيل والاحترام:

فدوى! وأنتِ النّدَى هَلَّتْ نسائمُهُ * مع القصيدِ فَأَوْحَى اللحْـنَ للوَتَرِ

وَغَرَّدَ الطَّيـرُ شَدْوًا في مَرَابِعِهِ ** بينَ الزّهورِ فأعطى الشَّجْوَ للشَّجَرِ

وَألْهَمَ الرّاعِيَ المُختالَ في دَعَـةٍ ***مع الغُنَيْمات بينَ السّهْـلِ والوَعَـرِ

نشيـدَ شُبَّابَـةٍ شَبَّ الحنيـنُ بهـا ***مع الأصيـلِ فأغْـرَى النَّجْـمَ بالسَّهَرِ

غَنَّى لِجَفْرَا ودلعونـا قِصَائدَ مَنْ*** غنّـى العتـابـا لبنتِ الدَّلِّ والخّفَــرِ

قد كُنْتِ فـي رِحْلـةٍ هانَتْ مصاعبُهـا ***لمّا التقيتكِ ميعـادًا مع المَطَرِ

فقلتُ والديرُ في أُرجوحةٍ رَقَصَتْ***لبّيكِ يا أختَ إبراهيمَ! وانْهَمِري

على جروحِ بـلادي بَلْسَمًـا أَرِجًـا ***ً وأسْعِفيها بمـوّالِ الجَوَى العَطِرِ

وَاسْتَنْـزلي النّورَ من عِيْبالَ أُغنيةً***في[ذا الظَّلامِ] لصبحٍ منه مُنْتَظَرِ

وَلْتَسْمعي ما يقولُ اللوزُ من وَلَهٍ***بِمَا شَعَرْتِ بهِ أو صُغْتِ من دُرَرِ

ما الدَّرْبُ يُوصِلُ بنتَ النّاـرِ نابُلُسًا**بسيلـةِ الظّهْرِغيرَالحُلْم في السَّفَرِ

وَسيلةُ الظّهرِ فيها اللوزُ مُزْدَهِرٌ*** حقّاً علـى مَدِّ عينِ المَـرْءِ والنَّظَرِ

حسناءُ غنّاءُ تاهَتْ في مفاتِنِهـا * ظَمْيِـاءُ لَمْيَـاءُ فـي دَلِّ وفـي خَفـَرِ

لفّاءُ هيفاءُ والإشْرَاقُ زنّرَهَـا** كطيفِ جَيداءَ مِثْل الطّيفِ فـي السّحَر

قبّاءُ هَدْبَاءُ وَالنَّجْمَاتُ تُحْسُدُهَا * وَهْـيَ الثُرَيَّـا وَتُبدي الشّوْقَ لِلْقَمَـرِ

لمّا مَرَرْتِ بها وقتَ الأصيلِ وقد** طلعتِ بالأمل المنشود في العُمُرِ

رَسَمْتِ عنهـا بكلْمات كَرُمْتِ بهـا*** رَسْمًا جميـلاً بديعًا خالـدَ الأثَرِ

وهي التي من قديمِ الدّهْـرِ رائعةٌ ***ولا تـزالُ وتبقى حلـوةَ الصُّـوَرِ

قد سُمِّيَتْ باسمِها حتّى مررتِ بها** مثلَ الرّبيعِ فصارتْ سَلَّةَ الزَّهَرِ

فدوى طوقان

اترك رد