“أنا نور العالم”…

                  

زمن الدنح

يوحنَّا 8، 12-20

نتأمَّل، في هذا الأحد المبارك، بشهادة المسيح لنفسه بأنَّه نور العالم وبشهادة الآب أنَّ المسيح هو ابن الله وأنَّه كشف الله للإنسان وكشف الإنسان لنفسه:

1- أنا نور العالم

وجَّه المسيح كلامه صريحًا وواضحًا إلى كلِّ مَن يريد أن يسير بالحقِّ والعدل والرحمة والإيمان والمحبَّة والرجاء. فمن شاء أن يكون من حَمَلة هذه الصفات عليه أن يستنير بالنور الإلهي «بنور العالم»، ومن لا يستنير به يبقى سائرًا في الظلام. هذا يعني أنَّ نور المسيح يطول مستويات النشاط البشري في البيت والعمل والوظيفة والمصنع والجنديَّة والسياسة والاقتصاد والقضاء وسائر الأعمال الاجتماعيَّة والإنسانيَّة. كلُّ هذا النشاط البشري، إذا تمّ بعيدًا عن نور الله، هو عرضة للتوجُّه السيِّئ، فالعدل يتحوّل ظلمًا والمحبَّة بغضًا والدفاع عن الوطن قتلاً والسياسة إهانة للمواطن والخدمات استغلالاً، إلى ما هنالك من سلبيَّات تحصل في حياتنا الاجتماعيَّة.

أمَّا على الصعيد الروحي، فينقلب الإيمان والرجاء والمحبَّة عند من يسير في الظلام، إلى عقائد تقوّي النفس الآمرة بالسوء عوضًا عن الإيمان بالله وكلمته وتعليمه، والرجاء يتحوّل من رجاء بالحياة الأبديَّة مع الله والقدِّيسين إلى طلب السعادة على هذه الأرض عن طريق المال والملذَّات وتلبية رغبات النفس التي ينتهي فرحها ما إن ينتهي زمنها.

أمَّا المحبَّة، بعيدًا عن نور الله، فتجفّ من جرَّاء كثرة الإثم، فيكره الأخ أخاه والأب ابنه والجار جاره، وتصبح المصلحة الشخصيَّة سيَّدة الموقف وتتحكّم بسلوك الناس، فيخسر هؤلاء أعزّ ما عندهم وهي الأخوّة البشريَّة على الأرض والسعادة الأبديَّة في السماء، معتقدين أنَّهم بقوَّتهم وجهدهم وعقلهم البعيد عن النور الحقيقي، قادرون على الوصول إلى الكمال.

2- من عرفني فقد عرف الآب الذي أرسلني

يبدو هنا كلام المسيح دليلاً ساطعًا وطريقًا قويمًا لمن يرغب في معرفة الله. فالمسيح هو الطريق التي تؤدِّي إلى الله، وكلُّ طريق آخر يُعرِّضنا للضلال ولا نصل إلى حيث يجب أن نصل. «من يعرفني» تعني أنَّ المسيح يظهر وجه الله الإنساني، كما يوضح بشكل بهي وجه الإنسان الإلهي. لذلك، من يعرف المسيح يعرف الإنسان الحقّ والله الحقّ. أمَّا مَن يبحث عن حقيقة الإنسان في الوجوه الأخرى، فهو لا بدّ ضال ومضلِّل، لأنَّ الصور التي قدَّمها التاريخ والتيَّارات الفكريَّة المتعدِّدة عن الإنسان أعطت ربَّما بعض الحقائق، لكنَّها لم تعطِ صورة دقيقة المعالم، كما أوضحها لنا وجه المسيح.

3- آلهة العقل والأديان والله الحقّ

إنَّ الذين بحثوا عن الله خارج النور الإلهي، الذي هو المسيح نور العالم، ربَّما وصلوا إلى معالم تقرّب صورة الله إلى عقل الإنسان وإيمانه، لكنَّهم ظلوا بعيدين عن الصورة التي أراد الله أن يبيّنها للناس، وهي صورة المحبَّة والفداء والتبنّي لجميع البشر. أراد الله أن يناديه البشر «أبانا الذي في السموات»، بعيدين كلَّ البعد عن صور القساوة والقوَّة والعظمة، على الرغم من واجب الإكرام والتمجيد الذي يلتزم به من يعرف «الله المحبّ»، «الله المحبَّة»، من هنا نقول إنَّ النور الذي يعطيه المسيح يجعل المستنير به يصل حتمًا إلى الحقيقة ومنها إلى الحياة، فالمسيح هو الطريق والحقّ والحياة، كما عرّفنا عن نفسه وشهد الله على ذلك.

اترك رد