لكل منا “لحظة حقيقة” تتجلى فيها حقيقة الحياة بالنسبة له.. ويتغير من بعدها تغيرا جذريا.. انها لحظة شبيهة بلحظة اوريكا ارخميدس حينما اكتشف قانون الطفو وخرج عاريا يصرخ بين الناس “وجدتها وجدتها”. في السطور التالية سأكتب عن لحظتي.. واحب ان اسمع منك لحظتك ان مررت بها.. والا فإنها آتية ولا ريب..
دائما ما نصب جام غضبنا على الآخرين.. نصفهم بشتى النعوت السلبية ونلقي عليهم التهم جزافا.. غيرنا مقصر دوما: مقصر في واجباته.. مقصر في مشاعره.. لا يبالي.. لا يكترث.. لا يفهم ولا يتفهم.. ونحن مجبرون ان نعيش في هذا العالم الأخرق.. نعيش في احباط دائم وخيبات امل متكررة..
نظن لوهلة ان التغيير مجد لكن نكتشف ان الشركاء الجدد ليسوا بأفضل من سابقيهم.. فنقع في نفس الدوامة.. الى ان تحين لحظة الحقيقة.. ونكتشف ان كل هذه المشاعر والاحكام هي هروب من الواقع.. فلا شيء في الحقيقة يضنينا ويتعبنا الا شعورنا الذاتي بالقصور والتقصير..
لا شيء يؤلمنا الا حجم الوادي السحيق الذي يفصل قناعاتنا عن تصرفاتنا.. خيبة الامل الرئيسية هي منا وفينا.. كسهم ينطلق منا ويلتف بشكل دائري ليعود الينا.. خيبة الامل هي في عجزنا نحن.. في قصورنا وتقصيرنا.. في تخلفنا عن ركوب موجة الامل التي حلمنا بها يوما..
في عجزنا ان نكون فرسانا وابطالا نحرر البلاد ونرفع الظلم عن العباد.. ان نكون عشاقا مخلصين متفانين بالحد الذي تخيلناه.. في عجزنا ان نرتقي لمستوى المربي الفاضل والام المثالية..
صحيح ان العالم قد يمنحنا هذه الالقاب.. ولكنه يضحك علينا.. او يظن بنا خيرا اكثر مما نحن عليه.. فنحن ونحن فقط من نعرف حقيقة انفسنا.. ولا يرى الآخرون منا الا ما نحب أن يروه او ما يحبون ان يروه..
خيبة الامل الحقيقية هي حينما نلاحظ ان هذا الجسد الفاني اضعف من ان يطاوعنا في ما حلمنا به وفيما ما وعدنا الآخرين به.. وحينما نكتشف انه -بجيناته وهرموناته- يحكمنا ويسيطر علينا اكثر مما نحكمه ونسيطر عليه.. ويتضاعف احباطنا مع تقدمنا بالعمر حينما يبدأ كل شيء بالتراجع والانهيار وتبدأ اعصابنا وقلوبنا وعقولنا وهمتنا بخذلاننا..
حينها وحينها فقط نكتشف ان حلمنا الاساسي من العالم الآخر ليس اللقاء بالحوريات الحسان او لقاء الحبيب الكامل الاوصاف.. انما هو قبل كل شيء رغبتنا في ان نكون “نحن” كاملين.. وقادرين ان نحب بالقوة والاخلاص والعمق الذي تمنيناه يوما.. ان نعطي من نحب.. بل الكل.. بلا حدود وبلا مقابل وبلا كلل او ملل او تذمر.. ان نكون على قدر الوعود التي منحناها والتي اخللنا بها مرارا وتكرارا حتى فقدنا الثقة بأنفسنا قبل ان نفقدها في الآخرين.. وقادرين قبل كل شيء ان تعيش انسجاما كاملا بين قناعاتنا من جهة وتصرفاتنا ومشاعرنا من جهة اخرى.