طاولة مستديرة في كلية اللغات في الجامعة اليسوعية حول رواية “آخر الأراضي” لأنطوان الدويهي

 نظمت كلية اللغات في الجامعة اليسوعية في بيروت طاولة مستديرة بعنوان “كتاب ورحالة يحاورون في رواية آخر الأراضي”، في تحية لعمل أنطوان الدويهي للاضاءة على العلاقة بين الرواية والسفر في أدب الدويهي في “قاعة جوزف زعرور”، أدارته عميدة كلية اللغات الدكتورة جينا أبو فاضل سعد، وشارك فيه ثلاثة كتاب – رحالة هم الدكتور شوقي الريس، سمير عطاالله ومحمد علي فرحات، في حضور حشد من الجامعيين والمثقفين وأهل الاختصاص.

وبعد مداخلة لسعد، قال الريس: “في كتابه “كائنات من نسج الخيال” يحدثنا خورخي لويس بورخيس عن طائر أسطوري لدى الشعوب الأرومية في أميركا اللاتينية، مزيته أنه يبني عشه عكس سائر الطيور، ويطير ناظرا إلى الوراء، كأنه لا يكترث إلى أين هو ذاهب، بل من أين جاء.

أنطوان الدويهي، عندي، هو هذا الطائر، المحلق دوما، ناظرا إلى الوراء، مسافرا إلى الداخل، إلى الأعماق الأثيرة لديه، إلى الأماكن الأخاذة، والمهددة في جمالها وجوهرها، في البلد الذي لم يعد للجمال فيه مناخ ولا مواسم”.

وتلاه عطاالله، ومما قال: “لكثرة مشاعره الرقيقة، وقلمه الخافق، يخيل إليك دوما أنك ترى في شفافية أنطوان الدويهي، لوحات كثيرة ومشهدا واحدا. تلك خدعة الفن وهو يحاول الذوبان في الصدق. ولا مقام للسرد يتغير. فثمة قضية واحدة، وإيقاع وحيد، من فصل إلى فصل، ومن كتاب إلى كتاب، هو الوقوف إلى جانب مظلومي العبث وضحايا الوهن البشري المتساقطين امام جدار القدر”.

وتحدث فرحات، فأشار الى أن “الرواية لا تذهب إلى التبشير بكوزموبوليتية ولا إلى التقليل من شأن الانتماء إلى الأرض الأم، ففيها انسيابات شعرية تمجد هذا الانتماء وتضعه في خلفية وجدان الراوي أينما توجه، كما أن الرواية لا تنفي عوامل الافتراق بين الشرق والغرب، لكنها في شبكة الحكايات التي تكونها تعبر عن القلق في مرحلة تجاوز خيمة المكان الواحد التي تحجب سماء البشر وأفق البعيد المؤدي إلى اكتشاف الآخر ومعه اكتشاف الذات في صيغتها الجديدة والمتجددة”.

وبعد فتح باب النقاش امام الحضور، علق الدويهي: “يطرحون علي أحيانا هذا السؤال: لمن تكتب؟ أنا لا أكتب لأحد تحديدا. حين أكتب، لا أفكر قط بالقارئ، أي قارئ، ولا بأي جمهور. لا علاقة لي بهذا الأمر. لكنني أسر حين ألتقي من وصلت إليه هذه الكتابة، ومن تفاعل عميقا معها، مثلما هي الحال اليوم أمام هذه المداخلات الأربع المؤثرة، التي كان لها وقعها في نفسي”.

وأضاف: “أعتقد أن ثمة نخبة تصل إليها عوالمي الأدبية. ليست هي نخبة اجتماعية، أو فكرية، او ثقافية. هي نخبة الموصولين بهذا الشيء السري الذي هو “الشيء الأدبي”، بالمعنى الجمالي والسحري للكلمة. هو رابط عميق مقيم في فئة معينة من النفوس، التي تملكه بطبيعتها. أمر يصعب تفسيره. وهو غير مرتبط بالضرورة بالثقافة، ولا حتى بالأدب. إذ، في الحقيقة، هناك العديد من المثقفين والأدباء، لا علاقة لهم ب”الشيء الأدبي”. يمضون حيواتهم من دوم أن يدركوا ذلك. مثلما هناك العديد من رجال الدين، الذين لا علاقة لهم قط ب”الشيء الروحي”. كما هناك العديد من الناس “العاديين”، إذا جاز التعبير، الموصولين ب”الشيء الأدبي”.

وتابع: “ثمة أمر آخر أود الاشارة إليه. يسألون الراوي في “آخر الأراضي”: “لماذا تكتب؟”. يجيب: “لأن دعوة الكتابة هي دعوتي، ولأنها هي ردي الوحيد على الموت”.

وختم الدويهي: “هناك أمر أخير في موضوع الكتابة ردا على الموت. إنها الرغبة الهائلة في التواصل مع كل ما هو حي، على امتداد العالم. إنه لأمر بالغ المأسوية ان يكون الشعور الطاغي الذي يجتاحنا في هذه اللحظة، في تلك اللحظة، لا تشعر به البشرية جمعاء. أذكر في “كتاب الحالة”، قبل خمسة وعشرين عاما، ما معناه:

“ما هذا الوجود غير الموصول بكل ما هو موجود؟ ما يحيا يحيا من دوننا ونحيا من دون ما يحيا”.

اترك رد

%d