“مكتسبات المرأة: قراءة في التجربة المغربية والخيارات الممكنة للمسار اللبناني” عنوان الندوة التي نظمها تجمع الباحثات اللبنانيات في الجامعة الأميركية في بيروت (AUB) بدعم من معهد الأصفري للمجتمع المدني والمواطنة ومركز المرأة في الأسكوا (الأمم المتحدة).
توزعت محاور الندوة بين “ديناميات وصول المرأة الى دوائر صنع القرار”، “النساء والإصلاحات القانونية من خلال “مدونة الأسرة” المغربية” و”نظام أحكام الأسرة في لبنان”، “المرأة وتجديد الخطاب الديني”، “التنمية البشرية وسيلة لتغيير واقع النساء في محيطهن”، “المرأة والمواطنة بين المناصفة والجنسية”، “المرأة والسياسات الوطنية والبناء المعرفي.”
وتكمن أهمية هذه الندوة في أنها جاءت من مبادرة نسائية قامت بها من لبنان، الأستاذة في الجامعة الأميركية في بيروت وعضو في تجمع الباحثات اللبنانيات الدكتورة حسن عبود (دراسات إسلامية وقضايا المرأة)، ومن المغرب، الباحثة في علم الاجتماع الأستاذة نزهة عمور لاستكشاف عملية الإصلاح الشاملة التي بدأت في المغرب منذ أواخر التسعينات (1998)، عندما صرحت الحكومة بأن قضايا النساء تعد أحد تحديات الرهان الديمقراطي، ولطرح إمكانية عملية الإصلاح الشاملة بوضع سياسات وطنية تعيد للديمقراطية رهانها بالنسبة الى لبنان.
أما السؤال الذي طرحته المبادرات بفكرة مشروع الندوة فكان: هل من الممكن الاستئناس بتجربة بلد عربي مسلم في عملية الإصلاح الذي ترجوه المرأة اللبنانية التي تواجه الإقصاء من دوائر صنع القرار والمشاركة السياسية (3,1%) وتعاني من التمييز في الحقوق الزوجية في الأحوال الشخصية للطوائف اللبنانية جميعها (يبلغ عددها 15 أحوال شخصية للطوائف 18)؟ وما هي الأسباب الحقيقية لعدم رفع التحفظات -أبرزها المتعلقة بمنح المرأة المتزوجة من أجنبي الجنسية لأولادها وزوجها (البند الثاني من المادة 9) وبالأحوال الشخصية لجهة مساواة المرأة بالرجل أسرياً (المادة 16) -في الإتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (السيداو) والتي وقع عليها لبنان (1996) والمغرب مع رفع الأخير جل تحفظاته المتعلقة بهذه الإتفاقية (2008)؟
واستطاعت الندوة تقديم خبرات أصغينا اليها ودراسات جاءت من قبل سيدات هن في دوائر صنع القرار في المغرب. حيث تكلمت سفيرة المغرب في كندا (2009-2017) والوزيرة السابقة المكلفة بقضايا المرأة والأسرة بالمملكة المغربية الدكتورة نزهة الشقروني عن المسار الديمقراطي في المغرب وتجربتها السياسية بدءً من الانخراط في العمل السياسي في الإتحاد الإشتراكي للقوات الشعبية ومنطلقة من قناعة وتصور واضح بأن الدفاع عن قضايا النساء هو جزء من العمل السياسي. بينما قدمت البرلمانية رشيدة بن مسعود قضية التمييز الإيجابي (من خلال الكوتا النسائية) و30% النسبة الذهبية من أجل إنصاف المرأة وإشراكها خصوصا في مراكز اتخاذ القرار التشريعي، لكونه يندرج في سياقات مرجعية متعددة: سياسية وقانونية وإنتخابية.
اما بالنسبة الى لبنان فقد قدمت الدكتورة فاديا كيوان اقتراحات للحل على المدى المتوسط، وضعتها في ثلاثة مفاتيح، هي أولا، انتظام الحياة الحزبية وتعزيز الأداء الديمقراطي في صفوفها، وثانيا، وحدة عمل الهيئات النسائية مترافقة مع أجندة خاصة بالقضايا النسائية، وثالثا تهيئة أجيال من النساء يملكن المعرفة والمهارات التواصلية والعصب السياسي والنسوي.
وقد قامت الدكتورة ماري ناصيف الدبس مشكورة بالتعقيب على الأوراق الثلاثة.
في الجلسة الثانية عرضت القاضي زهور الحر “منهجية ومسار الإصلاح في مدونة الأسرة ” التي تعتبر بالمغرب “ثورة بيضاء” على التقاليد والأعراف التي أصبحت لا تعبر عن الأسرة المعاصرة في المغرب حيث تبلغ نسبة النساء المعيلات للأسر 20%. وقد أخذت “مدونة الأسرة” نقاشات ساخنة داخل اللجنة المكلفة بصياغتها من قبل الفقهاء والمجتمع المدني والحركة النسائية قبل ان تقر الإصلاحات من قبل الملك (2004)، وقد سعينا الى من قرأها من المتخصصين في القضاء الشرعي الإسلامي. قام العلامة والفقيه القاضي عبد الرحمن الحلو بقراءة “مدونة الأسرة” المغربية مشكورا ليعرض فيما بعد بعض قضايا الأحوال الشخصية في التجربة اللبنانية، “بحصر المعنى بالطائفة السنية في محاولة لتقديم المعالجة التشريعية، لأهم المفاصل المؤثرة على كينونة الأسرة وصيرورتها وتحولاتها الثقافية والإجتماعية والإقتصادية في إطار العدالة الراهنة في لبنان”.
وقد عقب على كل من ورقتي القاضية زهور الحر والقاضي عبد الرحمن الحلو القاضي وائل طبارة الذي وضعنا أمام الواقع اللبناني بأجمله.
وفي سياق جلسة “تجديد الخطاب الديني” الذي عقب عليها المفكر أ. الدكتور رضوان السيد بعرض تطور الخطاب الديني، والذي دعا الى ضرورة إجتهاد المسلمين من أجل ملائمة الإتفاقات الدولية مع الخصوصيات الدينية والثقافية والى خطاب ديني جديد يقوم على القيم كالرحمة والسكينة والحقوق الإنسانية.
ثم عرضت ورقة مديرة مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام، الدكتورة أسماء المرابط، المقاربة الإصلاحية في قضايا النساء والإسلام من داخل المؤسسة الدينية متخذة رابطة علماء المغرب نموذجا. والمرابط تجتهد منذ عقد من الزمن بإصدار دراسات مميزة، منها الكتاب الرائد حول “القرآن والنساء: قراءة للتحرر” (2010) و”الإسلام والمرأة: الطريق الثالث” (2014) و”النساء والرجال في القرآن: أية مساواة” (2015). والمرابط تقوم بخصوص قضايا المرأة بقراءة تجددية للنص الديني.
وفي نفس جلسة “تجديد الخطاب الديني” جاء عرض اللبنانية المحامية الدكتورة هانية حمود بطرح أسئلة على المؤسسة الدينية اللبنانية بين جمود موروثها الثقافي وحركة الواقع الإجتماعي، إضافة الى تحليل الدكتورة ديما دبوس لما حصل من نقاشات في أروقة المحكمة الشرعية لرفع سن الحضانة في قانون الأحوال الشخصية للطائفة اللبنانية السنية (12 سنة للجنسين).
وبالنسبة الى الجلسة الرابعة حول “المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بالمغرب وعملية تخفيف حالات الفقر لدى النساء: نموذج للتنمية في خدمة المرأة” التي عرضتها العاملة المنسقة الوطنية للتنمية البشرية الدكتورة نظيرة الكرماعي فقد قدم أديب نعمة المستشار الإقليمي في الأسكوا عناصر المقارنة بين المغرب ولبنان: بين دولة مركزية حاضرة وفاعلة وتحمل مشروعا يعبر عنه في سياسات وطنية ودولة ضعيفة تشغلها مشاريع خارج قضايا المساواة بين الجنسين ومكانة المرأة في التشريع والسياسة والمجتمع.
وساهم في هذه الجلسة كل من رندة بوحمدان من وزارة الشؤون الإجتماعية وراغدة درويش وفاديا جرادي من شركة “إبداع” للتمويل الأصغر والدكتور ناصر ياسين الذي عرض بشكل واضح ملامح السياسات التنموية في لبنان.
وخصصت الجلسة ما قبل الأخيرة لقضية التحفظات على مواد من اتفاقية السيداو أبرزها المتعلقة بمنح المرأة المتزوجة من أجنبي الجنسية لأولادها وزوجها (البند الثاني من المادة 9).
وأثارت الدكتورة فهمية شرف الدين، وهي عضو مؤسس في اللجنة الأهلية لمتابعة قضايا المرأة وتساهم في وضع تقرير الظل عن التقدم المحرز في تطبيق اتفاقية إلغاء جميع أشكال التمييز ضد المرأة في لبنان، حيثيات القضية من أساسها التي توقفت عن أن تكون قضية في كثير من البلاد العربية ومنها المغرب ومصر والسودان.
وتخلل الجلسة الأخيرة مداخلة الأستاذة حنان الناظر، وهي مستشارة في وزارة الأسرة والتضامن والمساواة والتنمية الإجتماعية التي تترأسها السيدة بسيمة حقاوي، حول كيفية تعزيز دور النساء في المجتمع من خلال صنع سياسات عمومية خاصة بالمساواة.
وانتهت الندوة بطرح الدكتورة حسن عبود “من أجل بناء معرفي حول مفهومي القوامة والولاية،” والمفهومان “القوامة والولاية” تتلازمان وتتقاطعان في التشريعات في الأحوال الشخصية للطوائف الإسلامية، ويختلف بتعريفها الفقهاء التقليديون والفقهاء المحدثون. وأهمية هذه المداخلة أنها تشير الى المناخ العلمي المنفتح والهادئ في تبادل المعرفة حول الإسلام بالمغرب الى درجة ان تعقد مائدة علمية مستديرة بين فريق من العلماء المسلمين والعالمات لقراءة مفهومين يعدان في صميم هيكلة النظام الأبوي لمدونة الأحوال الشخصية.
وقد انعقدت المائدة العلمية في مركز الدراسات والبحوث في القضايا النسائية في الإسلام بالرباط (8-9نوفمبر، 2013) انسجاما مع ما جاء في مدونة الأسرة (2004، المادة 4) من إعادة تعريف الزواج على أساس إنشاء أسرة مستقلة برعاية الزوجين (التشديد على رعاية الزوجين).
وستعقد لجنة الندوة، المؤلفة من الدكتورة حُسن عبود والأستاذة نزهةعمور والدكتورة فاديا كيوان والدكتورة أمال حبيب، جلسة التوصيات في لقاء قريب جدا يجمع بعض المتداخلين والمتداخلات من الجانبين المغربي واللبناني. لأجل تأطير الدروس والتجارب على أثرها تصدر التوصيات ويتوجه بها الى الجهات المعنية بالمرأة والإصلاحات التشريعية والسياسية في لبنان.