الشاعرة سليمة ملّيزي ضيفة المهرجان العتيق الزيتونة في دورته 37 بسوسة

الرمزية الفكرية ودلالات الماضي العريق !؟

 

 

الزيتونة القلعة الكبرى الزهرة – أسماء لقبت بها قطعة من أرض الله الواسعة التي تمتد الى مدى جماليات الفضاء الادبي والفكري والروحي ، مدينة عريقة لها حضارة ترسخت في جذور التاريخ ، منذ الاكتشاف الاول للإنسان لشجرة الزيتون المباركة التي تبارك بها أجدادنا الأمازيغ في أنجاء المغرب العربي الكبير، وها هي اليوم تكرم من طرف شعب عريق وأصيل كالشعب التونسي المضياف والكريم والمحافظ لتاريخ تونس العريقة.

هذه الشجرة المعمرة التي تعتبر من بين الاشجار الأكثر صمودا في وجه الازمنة، وتنتشر  بكثرة خاصة في  حوض البحر الابيض المتوسط ، التي كرمها الله عز وجل  بذكرها في القرآن الكريم في الاية 35 من سورة { النور } ( الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ  وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (35) {ص}.

من هنا استمد المثقف والمسؤول التونسي فكرة الاحتفال بهذه الشجرة ، تباركاً بها وتيمماً، وأنشأ المهرجان الثقافي الدولي الزيتونة، الذي أمتد على مدى أكثر من ربع قرن من العطاء الفكري والثقافي وإبراز الموروث الشعبي والاصالة التي يملكها أهل المنطقة الامازيغ الاحرار التي تتجلى في سيماتهم العريقة كل مظاهر الاحتفال والحياة الجميلة البسيطة الضاربة جذورها في عمق التاريخ، كالألبسة التقليدية العريقة الزاهية بالالوان، الاكل التقليدي الضارب في عمق التاريخ، الذي لا يخلو منه زيت الزيتون المبارك، الموسيقى الشعبية الحاضرة بكل الوانها، طيبة الشعب التونسي، الذي يحسن أصول الضيافة والكرم بامتياز، أصالة وبناء المنازل التي لاتزال تنطق بعبق التاريخ العريق، باقواسها المنقوشة بحرفية جد عالية، وابواب المنازل المقوسة المنقوشة باشكال هندسية استمدت من جمال الهندسة العربية الأندلسية الامازيغية حيث تتميز القلعة ببنايات قديمة عمرها أكثر من 300 سنة ومن بينها المسجد العتيق الذي بقي صامدا في وجع الزمن مع بعض الترميمات ….

من هنا تأتي أصالة الادب والفكر، ويعتبر المهرجان الدولي الـ37 الزيتونة بالقلعة الكبرى هو عنوان للأصالة والتراث والحضارة والتاريخ والتجدد مع الفنون الادبية والشعبية، و حظي هذا المهرجان بلوحات فنيّة متنوعة تجمع بين الغناء والمسرح والشعر والندوات الفكرية والأزياء التقليدية، التي تفخر بها    المنطقة، والامسيات الشعرية، وعروض  اليوم السياحي، الذي احتضنته القلعة الكبرى من 17 الى 23 من شهر ديسمبر 2017 ، تميز بعروض للعادات والتقاليد التي ترسخت داخل الذاكرة الشعبيّة منذ سنوات.

هو مهرجان يسافر بأفكار ومتعة المتلقي  في عالم الانفتاح الحضاري من لحظات جني الزيتون، الى التفنن في كيفية عصره واستخراج منه الزيت الذي لا تستغني عنه كل عائلة في تناوله بشتى الطرق،  ومنها غمس الخبز بالزيت وتذوق طعمه اللذيذ، فلا يزال أهل القلعة الكبرى يفتخرون بتراثهم العريق ولا يزال طعم تجدد الزمن يراقص محيطهم الاجتماعي البسيط. تلك القلعة مهدت لبناء تاريخ نضالي مشرّف للمنطقة، والتي يشهد لها  خلالها الكبّار والصغار معاني ودلالات تكاد تكون هي الأولى في الساحل التونسيّ لمدى عمق حضارتها وتخلّد تاريخها، تتجلى غابات الزيتون في القلعة الكبرى كتجلي عروس الساحل مع نغمات الزمن الأصيل، فيحضر الزيت بلمعانه وصفائه وتحضن الشبيبة الشابة باللباس التقليدي السابح في الألوان التقليدية المستمد من عمق الحضارة الامازيغية، كما تحضر الأكلات التقليدية على غرار الهريسة العربيّ وعصبانة الهجالة وشكشوكة الفلفل والخبيزة العربي وخبز الطابونة، فضلا عن طبق الكسكسي والحلويات التي تشتهر بها المنطقة.

كانت لحظات و لا تزال تراقص ذاكرتنا إلى الحين لا سيّما و أن المجتمع التونسيّ قد عرف بأهميّة تراثه و حضارته منذ عصور إلى اليوم،  هذا إلى جانب الاهتمام بالرياضة والفروسيّة وفن الرمايّة وغيرها، كما اكتسب المهرجان صبغة أدبيّة وحلّة ثقافيّة متنوعة من خلال احياء أمسيّة شعريّة فريدة من نوعها بدار المزوغي بالقلعة الكبرى، جمعت بين شخصيات عربيّة هامّة وقامات أدبيّة عرفت بالعمق والتفنن في الكلمة والحرف والأدب، أشرفت على تقديمها الإعلاميّة القديرة عروسية بوميزة من الإذاعة الثقافيّة،  تحت اشراف مدير المهرجان الاستاذ وجيه بوميزة، هي أمسيّة توحدت فيها معاني الزيتون والحضارات والكلمات، أبدعت في مؤانستها الأديبة القديرة فاطمة ناعوت من مصر والأديبة القديرة سليمة ملّيزي من الجزائر، و فضلا عن إبداعات الشعراء التونسيين على غرار الشاعرة القديرة صالحة الجلاصي و الشاعرة القديرة نائلة عبيد،  والشاعرة القديرة منى بعزاوي والشاعر القدير عمار التيمومي وغيرهم. و قد صاحب الشعراء الفرقة الموسيقيّة للأستاذ جمال حلدوه والمبدعة الشابّة مرام بن رجب التي سافرت بجمال صوتها وعبق تفننها عبر حضارات جمعت بين المشرق والنغمات اليونانيّة والعربيّة وغيرها، ورحبت الفرقة بالضيفتين العربيتين. الشاعرة الدكتورة  سليمة ملّيزي من الجزائر، والشاعرة فاطمة ناعوت من مصر،  لكل واحدة منهن رحبت بأغنية من تراث بلديهما، بأغنية مصر يا بلدي، واغنية جزائرية من التراث القبائلي للفنان العالمي ( إيدير) بعنوان “افاف ينوفا”، وتفننت الفنانة الشابة مرام بن رجب في ادائها بصوتها الرائع الذي سحر الجمهور ، هي أمسيّة مترّحلة بين الكلمات والمواضيع واللّغات، راقصت وجدان الآخر والمدن المختلفة كالتغني بالقلعة…

هنا ندرك مدى تأصل الشعب التونسي العريق، الذي حافظ على التراث الشعبي، وتفنن في تطوير كل أدوات الحياة، الحضارية حيث تعتبر منطقة القلعة ومدينة سوسة، في بناياتها مزيجُ من الهندسة المعمارية العتيقة المستوحاة من الحضارة الامازيغية العريقة، والفن الاسلامي العتيق، وتطور العمران الحديث بشكل فاق التصور والجمال، مهرجان الزيتونة الادبي الدولي الذي ترك في نفوس الحضور شعلة لانتصار الاصالة بالحاضر، في تجليات صمود هذا المهرجان لمدة 37 سنة في كل التحولات الاقتصادية والامنية، هذا دليل على أن الشعب التونسي يحمل في أعماق قلبه وقوة عقله ثقافة التحدي من أجل الاستمرار ،. وبناء  غد أفضل اشراقةً وتطورا.

 

 

اترك رد