تقديم مسرحيّة “كارمن”… عبقريّة الحُبّ الغَجَريّ

 

كَتَبْتُ هذه المسرحيّة صياغة جديدة (Paraphrase) لأوبرا كارمن، وهي للموسيقيّ الفرنسيّ جورج بيزيه (1838- 1875)كما سبق وأعدت صياغة شعريّة للأوبرات:

1- عايدة للموسيقيّ الإيطاليّ فيردي(1813-1901)،

2-لابوهيم للموسيقيّ الإيطاليّ بوتشيني(1858-1924 ).

3- دكتور فاوست للموسيقيّ الفرنسيّ شارل جونو(1818-1893 ) وقد التزمت في إعادة بناء د. فاوست طريقة أبي العلاء المعريّ في لزوميّاته بالتّقفية بحرفين من حروف المعجم وهما: الأخير وهو حرف القافية والذي قبله امتثالاً لقول السُّهْرَوَرديّ:

وَتَشَبَّهُوا إنْ لمْ تكونوا مِثْلَهم إنَّ التّشبّهَ بِالكِرامِ فَلاحُ

وإذا كنت قد قدّمت تلك الأوبرات الثّلاث شعرًا باللغة العربيّة الفُصْحَى، فقد رأيت أن أصوغ كارمن شعرًا أيضًا ولكن باللغة العربيّة الفلسطينيّة المحكيّة الطَّيّعة ، وهي على العموم لغة مفهومة، ولصيقة بالزّجل في بلاد الشّام،وأكثر تَطَوُّرًا (مع علمي بوجود لهجات فلسطينيّة عديدة، وربّما تُوجد أكثر من لهجة في القرية الواحدة).

ولقد بلغت صياغتي الجديدة لكارمن 186 صفحة من أصل14صفحة ونصف الصّفحة محافظًا على الشّخصيّات، والأدوار نفسها، والتّصعيد الدّراميّ من البداية إلى القمّة ثمّ إلى النّهاية ، لكن بتوسّع تجميليّ تسمح به لغتنا المحكيّة الجميلة وورؤيتي الغنيّة.

واللغة الفلسطينيّة لغات بمعنى لهجات متعدّدة كاملة مُكمَّلة غير منقوصة، وجزء أساسيّ من اللغات السُّوريّة ولهجاتها العديدة،وهي لغة الأرض منذ كنعان وأرام وفينيق بتضاريسها في أريافها ومدنها وأصولها وفصولها وتقلّبات الطّقس فيها من الشِّيق إلى الشّرْنِيق(1).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)الشّيق: الشّق الذي يجري فيه نهر الأردن(الغور)..الشَّرنيق: سيف البحر الأبيض المتوسّط من رأس النّاقورة شمالاً إلي رفح جنوبًا

واللغتان العاميّة والفصحى شقيقتان ولا حاجز بينهما سوى حركات الإعراب وخصوصيّات من الوجدان الشّعبيّ العامّ اكتسبتها العاميّة خلال أحقاب طويلة .

واللغة العاميّة الفلسطينيّة بجميع لهجاتها البدويّة والفلاحيّة والمدنيّة لازمة وضروريّة لما لها من هيمنة وشيوع، وعلاقة بالوطن والأرض والبيئة والتّقاليد التّرات كابرًا عن كابر، وبما تستطيع إفرازه من صور حياتيّة ووجدانيّة وثقافة شعبيّة، وشعر لم يُحافظ على أوزانه فحسب، بل وعلى طرق غنائه الأصيلة من قصيد شُروقيّ وقرّاديّ ومعنَّى وعتابا وميجنا وهجينيّ، وبما تقدر على إنجازه من إبداع فنّيّ تصويريّ وقَصَصِيّ يقتضي أن يكون حافلاً بالتّشابيه والاستعارات والكنايات والمحسّنات اللفظيّة والأمثال كما تقتضي اللغة الفصحى سواء بسواء.

واللغة العاميّة المحكيّة لغة مرنة طيّعة سريعة الالتفات والالتفاف والاستدارة على ما تريد من الألفاظ المستحدثة، تعمل على تبنّيها واحتضانها كسائر اللغات،وهي ليست عاجزة، ولا تحتاج إلى مجمع لُغَويّ كي تستحدّث الكلمات لما ينجزه العصر من مفردات تخنولوجيا العصر.

هذا وأمّا النّصّ الأصليّ الذي رجعت إليه لتذويت كارمن إلى اللغة الفلسطينيّة فهو النّصّ الإنجليزيّ المقابل لِلـ Repertoire الفرنسيّ. وَلْيَكُنْ معلومًا للقرّاء والنُّقّاد الكرام – إذا سمحوا- ألاّ يبحثوا عندي عن عمليّة ترجمة ، أو عن أوبرا في مسرحيّاتي الأربع، لأنّ الأوبرا ليست في وجدان الغناء العربيّ، وموسيقانا الى الآن أعجز عن أن تُلمّ بتلحين أوبرالي.

وقد حافظت في كلّ مسرحيّة على الشّخصيّات وكل سمات أدوارها ، والجوّ العامّ برؤى ونكهة عربيّة، كما أرجو ألاّ يحكم أحد عشوائيًّا أو غيابيّاَ على هذا العمل قبل أن يفتح صفحاته ويقرأه بتمامه وكماله والسّلام .

يتبع في الحلقات اللاحقة.

ـــــــــــــ

الشّيق: الشّق الذي يجري فيه نهر الأردن(الغور)..الشَّرنيق: سيف البحر الأبيض المتوسّط من رأس النّاقورة شمالاً إلي رفح جنوبًا.

اترك رد