العنف، ثقافة مستشرية!
تُسلَّط الأضواء على اليوم العالميّ، لمناهضة العنف ضدّ المرأة في 25 تشرين الثاني، من كلّ عام. وهل يكفي تسليط الأضواء للحدّ من انتشار العنف في مجتمعاتنا، لا سيّما ضدّ المرأة؟ هل سنتمكّن من القضاء عليه؟ أم على الأقل الحدّ منه؟ أم سيبقى مستشريًا كما هو الحال الآن؟
تتعرّض النساء في العالم، للقتل والعنف الجسديّ، والنفسيّ والجنسيّ، كما للزواج الإجباري، وبخاصة زواج القاصرات، بالإضافة إلى القمع الاقتصاديّ والنفسيّ والاجتماعيّ.
تذكّرنا حقوق الإنسان، أنّ الرجل والمرأة يتساويان بالحقوق، فلا تمييز بينهما. يولد البشر جميعًا أحرارًا. هم متساوين في الكرامة والحقوق، وأنّ لا تمييز بسبب الجنس. يلاحظ المراقبون في العالم كلّه، استمرار وجود كمٍّ هائلٍ من التمييز ضدّ المرأة، بالرغم من ميثاق الأمم المتّحدة والإعلان العالميّ لحقوق الإنسان، كما التقدّم المحقَّق في ميدان المساواة في الحقوق.
لا شكّ، أنّ التميّيز ضدّ المرأة، يتنافى مع كرامة الإنسان، وخير الأسرة والمجتمع؛ ويحول دون اشتراك المرأة، في عمليّة التنمية المستدامة، التي تحتاجها الإنسانيّة بأكملها، أي عالم اليوم. هل يكفي أن تدعو المؤسّسات والمنظّمات الحكوميّة وغير الحكوميّة للاحتفالات والنشاطات للحدّ من ممارسة العنف؟ أم يحتاج عالمنا إلى تنظيم برامج تربويّة واجتماعيّة، وثقافيّة واقتصاديّة وقانونيّة، مع تحقيقها، والتي ترفع من مستوى الوعي، للقضاء على العنف عمومًا، وبخاصة العنف الأُسريّ أي المُمارَس على المرأة والأطفال؟ هل يكفي فقط استنكار الجرائم البشعة التي تُمارَس بحقّ المرأة؟ أم يجب التحرّك العمليّ والفوريّ، وبأشكال متعدّدة ووسائل عمليّة، للقضاء على العنف أو للحدّ منه؟
يُدرك أفراد المجتمع، أنّ هناك أسبابًا كثيرة عزّزت انتشار حالات العنف؛ ومع هذا، لم نتوصّل بعد إلى إيجاد حلول لمعظم الأسباب، التي أدّت إلى ممارسة العنف والذي شوَّهَ صورة الإنسان الحقيقيّة. تُساهم الأسباب المنتشرة في غالبية المجتمعات، إلى حالة من الفوضى والانحطاط، في مستوى القيم والأخلاق، والمبادئ الإنسانيّة. نذكر على سبيل المثال، الأسباب الثقافيّة، من جهلٍ وعدم معرفة الحقوق والواجبات والاختلاف الثقافيّ، والتي تؤدّي إلى عوامل ظاهرة أو غير ظاهرة، لحالة المجتمع وتفاعله مع القيم. زِد على ذلك، الأسباب التربويّة، التي تنبع من تربية عنيفة، ينتج عنها بروز شخصيّة ضعيفة، وتائهة وغير واثقة. هذا الأمر، يؤدّي إلى لجوء الشخص المُعنَّف، إلى تعويض هذا الضعف، من خلال ممارسة العنف، بحيث يستقوي على الأضعف منه وغالبًا ما تكون المرأة، وهذا يؤكّد أنّ العنف يولّد العنف.
نعم، إنّ الأسباب الناجمة من الأوضاع الاقتصاديّة والاجتماعيّة والبيئيّة، وسوء فَهم بعض العادات والتقاليد، تضغط على الإنسان، وتؤثّر على مسلكه وتصرّفاته، وحتّى على أفكاره وقناعاته، ممّا يؤدّي إلى ردود فعلٍ عنيفة تجاه الذات والآخر.
تظهر تلك الأسباب، في حياة الفرد، من خلال أنماط العنف المُنتشر والمُستشري في حياة الإنسان، لا سيّما تزايد العنف الأُسري والأكثر شيوعًا، كما العنف الاجتماعيّ، المُعبَّر عنه بالنظرة الدونيّة والنمطيّة للمرأة، من خلال محدوديّة وظيفتها ودورها، ووجودها في حياة المجتمع. زِد على ذلك، تعرّضها لأشكال من القهر والاضطهاد، والاهانة والتحقير، والتفاوت في الأجور واستغلال لأنوثتها، كما طردها في بعض الأحيان من دون أسباب وجيهة.
كما تواجه المرأة اليوم، العنف السياسيّ، المتمثّل في حرمانها من المشاركة الفعّالة، في صنع القرار ضمن الحياة السياسيّة، وبناء الدولة المدنيّة، من خلال إقصائها عن تسلّم المراكز والمواقع (المهمّة) السياسيّة والوطنيّة. وساهمَ تفشّي أنواع الظلم والاستبداد والتعذيب، تجاه أفراد المجتمع، إلى عيش الأشخاص، في حالة من الخوف والقلق، وعدم الأمان، ممّا ينعكس سلبًا عليهم، فيمارسون العنف على أُسَرهم، وسائر أفراد المجتمع.
أمام هذا الواقع المرير والضاغط على مستقبل المجتمعات، لا بدّ من العمل، على الحدّ من نتائج العنف، وسلبيّاته المؤذية على أفراد المجتمع. فمن نتائج العنف، التي تؤثّر على حياة المرأة، فقدان الثقة بنفسها، وقدراتها الذاتية، وعدم الشعور بالأمان الضروريّ للحياة، وإهمال مقدّراتها ومؤهّلاتها، ممّا يؤدّي إلى تراجع قدرتها على الابتكار والإبداع، والتألّق والنجاح، على مختلف الصُّعُد.
إن نتائج العنف على النساء، يسبّب التدهور الجسديّ، والصحيّ والنفسيّ، فينعكس سلبًا على تربية الأطفال، وإنجاح الحياة الزوجيّة، وهذا يعرّضها للاكتئاب والإحباط، والعزلة وضعف الاتّصال والتواصل مع الآخرين، زِد على ذلك، عدم احترام الذات، والانطوائيّة، ممّا يزيد حالة الضجر واليأس، والكآبة وتفاقم حالات الانتحار.
أوَليسَت هذه بعض النتائج السلبيّة التي تعزّز فكرة استعمال العنف؟ إنّ الأسباب والنتائج يجب أن تكون حافزًا لأفراد المجتمع، لإعادة التفكير والعمل بموضوعيّة، من أجل القضاء، على أكثر حالات العنف، التي يتعرّض لها أفراد المجتمع، لا سيّما المرأة والأطفال.
يحتاج عالمنا اليوم، أكثر من أيّ وقت مضى، إلى تطبيق القوانين، وتفعيل دور القضاء، من أجل المساهمة في ردع أعمال العنف، على جميع مستوياته ومظاهره، وأنواعه، من خلال سَنّْ قوانين عادلة ومُنصفة، بحقّ المرأة، ومنها: التساوي بين الرجل والمرأة في مختلف المجالات وعدم التمييز، بمعنى آخر، التساوي في الحقوق والواجبات على جميع الصُّعُد. (مدنيّة، حقوقيّة، اجتماعيّة، سياسيّة، ثقافيّة…)
لنتذكّر أنّ العنف ضدّ الإنسان هو انتهاك لحقوقه. نعم، هناك تحدّيات جمّة، على أفراد المجتمع، أن يواجهونها بالتشديد على التربية على الحبّ والأخلاق، والمبادئ واحترام الآخر، والمساواة، ونشر التوعية على المسامحة والتسامح والعدالة، والرحمة بين أبناء الأرض.
نعم، يقدر الإنسان، من خلال إنسانيّته وإيمانه بالخالق، أن يعود إلى ممارسة اللطف والحنان، والرأفة مع أخيه الإنسان، لأنّ الخالق، أعطى ووهب العاطفة والحبّ، والمحبّة لأبناء الأرض، لكي يتقاسموها في ما بينهم.
نعم، من الضروريّ التذكير، بمناهضة هذه المشكلة الخطيرة، والتصدّي لها، لأنّها تطال حياة البشريّة بأسرها. فالعنف كما قلنا، يجلب العنف، ممّا يحطّم ويقتل الحياة، التي حصلنا عليها من الخالق. تتطلّب منّا الحكمة، والمسؤوليّة المنوطة بالإنسان العاقل، والمنسجم مع فكرة المحافظة على كرامة الإنسان وحياته، أن يعمل مع أجهزة الدولة، والمنظّمات المعنيّة، لمواجهة مخاطر هذه المشكلة المتفشية والمُستشرية، من خلال الوعي والثقافة، وتعديل القوانين واحترامها، ممّا يُسهم في إرساء معايير العدالة الاجتماعيّة، والسياسيّة والاقتصاديّة.
لندافع عن حقوق المرأة، برفض كلّ تفرقة وأشكال العنف، التي تتعرّض لها، كما المطالبة بحقوقها في المساواة، وتشجيعها على عدم السكوت والرضا لما تتعرّض له، وتوفير المساعدة والموارد الضروريّة واللازمة لها، للمضيّ قُدُمًا في تحقيق ذاتها، ومتابعة “رسالتها” ودورها المهمّ والكبير في حياة البشريّة.
لنتابع النضال والمواجهة لتلك “القضيّة”، بنشر الوعي، من خلال حشد الجهود والطاقات، من أجل تغيير حقيقيّ وعمليّ ومنطقيّ، لصالح المرأة.
لنشجب جميعنا تلك الانتهاكات، التي تؤذي مستقبل أبناء الأرض.
لنتحمّل المسؤوليّة، من خلال تفعيل الاستراتيجيّات للوقاية والعمل الاستباقي.
نعم لثقافة اللاعنف، لا للعنف، ثقافة مستشرية.
25 تشرين الثاني 2017