يا مائِعَ الزَّيت!  

(بِتارِيخ 23- 11- 2017، والطَّقسُ ماطِرٌ، وَطِئْتُ بُقعَةً غَطَّاها المازُوتُ المَترُوكُ في شارِعٍ عَبَثَ فِيهِ الإِهمالُ، واللَّامَسؤُلِيَّةُ، فَتَزَحلَقتُ، وإِذا بِقَدَمِي تَحتَ عَجَلَةِ سَيَّارَةٍ تَمَرُ بِبُطءٍ شَدِيدٍ بِسَبَبِ زَحمَةِ السَّيرِ المَعهُودَةِ، فَتَحَطَّمَت عِظامٌ في قَدَمِي أَلزَمَتنِي الفِراشَ لِمُدَّةٍ سَتَطُولُ حَتَّى الشَّهر. وَأَوصَلَتني سائِقَةُ السَّيَّارَةِ الجانِيَةِ إِلى مُستَشفًى قَرِيبَةٍ وَكانَت صَبِيَّةً على قِسْطٍ وافِرٍ مِن الجَمالِ، فَأَلهَمَتنِي المَقطُوعَةَ الآتِية). “نُعِيدُ نَشْرَ هذه القَصِيدَةِ في نُسخَتِها الأَصلِيَّةِ، تَصحِيحًا لِنَقْصٍ وَرَدَ في الَّتي نُشِرَت سابِقًا”.

يا مائِعَ الزَّيتِ… لَم تُشفِق على حالِي      زَحلَقتَنِي، وأَنا الزَّاهِي بِأَذيالِي
كَرَّت على جَسَدِي الواهِي بِكَلكَلِها          سُودُ الدَّوالِيبِ، فَاستَنجَدتُ بِالعالِي
يا رَبُّ ما لِي، أَنا المُختالُ في عُجُبٍ،      أَصِيرُ كَالشِّلْوِ مَطرُوحًا بِأَوحالِ!
هَبَّت إِلَيَّ، وَقَد قَضَّت مَطِيَّتُها،             مَطِيَّةُ العَصرِ، أَحلامِي وآمالِي
نَظَرتُ مِن أَسفَلٍ حَتَّى رَأَيتُ بِها            بَدْرَ التَّمامِ يُحَيِّينِي، وَيَبسِمُ لِي
فَتَّانَةٌ، كَنَسِيمِ الصُّبحِ رِقَّتُها،                كَزَهرَةٍ أَرَجَت في مَهْمَهٍ خالِي
أَخَذتُ جانِبَها نَبغِي الوُصُولَ إِلى           المَشفَى القَرِيبِ لِأَرمِي فِيهِ أَثقالِي
ناجَيتُ نَفسِي بِأَن لَيتَ الطَّرِيقَ بِنا          تَضِيعُ، أَو يَنتَهِي في التِّيْهِ تَرحالِي
قالَت: سَلِمْتَ، وَلا آذَتْكَ مَركَبَةٌ              صَمَّاءُ، عَمياءُ، أَضنَت وَهْنَ أَوصالِ
تَهمِي العُذُوبَةُ مِنها إِذ تَحَدِّثُنِي،             تَرمِي إِزالَةَ أَوجاعِي وأَوجالِي
فِيها مِنَ الوَتَرِ الشَّاكِي رَخامَتَهُ،             وَمِن غَدِيرٍ يُغَنِّي شَجْوَ سَلسالِ
فَقُلتُ: أَفدِيكِ بِالغالِي. فَهَل شَطَطٌ           بَذْلُ النَّفِيسِ أَمامَ الباهِرِ الغالِي؟!
لَأَنتِ وَحْيٌ إِذا جَفَّ اليَراعُ على           بِيْضِ الرِّقاعِ، فَمَلَّت طُولَ إِهمالِي
تَبرَا عِظامِي سَرِيعًا مِن تَحَطُّمِها           وَالوَحيُ يَبقَى يُغَذِّي سِحْرَ أَقوالِي
قالَت، وَفِي العَينِ إِشفاقٌ على رَجُلٍ        قَد ذَلَّلَ الحُسنُ فِيهِ كُلَّ إِجلالِ:
لا تَبتَغِي، أَيُّها الشَّيْخُ المُهَلْهِلُ، في        سَنا جَمالِي سِوَى الأَوهامِ مِن آلِ
مَرَّت عَلَيكَ سِنُونٌ، عِشْ ثُمالَتَها،          وَدَعْ خَيالَكَ يَجلُو الذِّكْرَ في البالِ
لَأَنتَ مِن زَمَنٍ وَلَّى، وَلَيسَ لَهُ             رُجْعَى إِلى عَهْدِ تَحْنانٍ وَإِدلالِ
فَما لَكَ الآنَ تُغوِينِي أَلَيسَ على           إِهابِكَ المُتَرَدِّي وَفْرُ أَسمالِ؟!
أَنا الَّتي بَسَطَ العُمرُ النَّدِيُّ على           نَضارَتِي وشَبابِي كُلَّ أَشكالِ
ما مَرَّ مَرَّ، وَلا عَوْدٌ، فَكُنْ حَذِرًا،            وَارْبَأْ بِنَفسِكَ قَفْزًا بَينَ أَجيالِ!
فَقُلتُ: إِنِّي، أَمامَ الحُسنِ، غِرُّ هَوًى،       فَلا تَقُولِي، إِذا جُنَّ الهَوَى، ما لِي
جَمالُكِ، اليَومَ، جانٍ، والشَّقِيُّ أَنا،          أَبِيتُ، بَعدَكِ، في غَمٍّ، أَنا السَّالِي
حَسناءُ… إن الذي يَجرِي القَرِيضُ بِهِ،        طَيَّ العُرُوقِ، تَخَطَّى كُلَّ أَغلالِ
فَخَفِّفِي اللَّومَ والإِرشادَ، يا قَمَرًا،             لِحُسنِهِ يَسجُدُ الغاوُونَ أَمثالِي!

اترك رد