الطفولة هي اللبنة الأولى لبناء إنساء صالح وسليم يخدم المجتمع حين يشتد عوده ويتحمل المسؤوليات الكبرى في حياته، حيث اكدت الدراسات البداغوجية pedagogue أن الطفل يدرك إدراكًا قويًا وبذكاء متفطن لما يحيط به من مواقف وأحداث مما تتأثر بها حواسه وأفكاره وتلتقطها ذاكرته التي تختزنها بشكل سريع ، لذلك يتوجب علينا نحن الأدباء والمفكرين وعلماء النفس والتربية أن نختار ما يفيد تفكير الطفل من علوم وتكنولوجيا وتربية حميدة ، حتى نصنع منه رجلاً قويًا فكريًا وأدبيًا، يساهم في خدمة ورقي بلده حين يكبر بشكل أرقى وأسمى، لأن الاستثمار الحقيقي في بناء مجتمع ناجح في شتى المجالات هو في تربية النشء، وإعداده لمواجهة الحياة.
تربية الأبناء من أصعب الأمور التي يمكن أن يقوم بها الإنسان، فقد قال أحد علماء النفس والتربية: “كنت قبل الزواج أمتلك ست نظريات لتربية الأبناء… والآن أمتلك ستة أبناء ولا أمتلك أي نظرية للتربية”…
الطفولة في عصرنا الحديث أصبحت مهمة لذاتها، وتعدّ مرحلتها أهم مرحلة في بناء الإنسان، و لم يعد الطفل كائنًا في طريقه إلى المراهقة، فكل خبرة من الخبرات التي يمر بها تتصل به اتصالا وثيقًا، كما يحتاج الأطفال أو المراهقون إلى إصدارات أدبية مختلفة لتغذي جوانب تفكيرهم وتقوي نواحي الخيال والإبداع والحوار، وبناء فكر حر ناقد منتقد فيهم، و تشبع حاجاتهم وميولهم في شتى مجالات المعرفة الرائدة المتزنة، و توجه اتجاهاتهم وتفكيرهم بما يربطهم بأصالة ماضيهم ويكيفهم بطبيعة حاضرهم ويؤسس رؤاهم المستقبلية؛ لتكون وسيلة من وسائل التعليم والتثقيف بالتسلية والمشاركة في الخبرة، وطريقًا لتكوين العواطف السليمة، و تنمية المشاعر الوطنية الصادقة، وأسلوبًا يقفون به على الحقيقة ويكتشفون مواطن الصواب والخطأ في المجتمع، ويتعرفون إلى طريق الخير والشر في الحياة، و سبيلا لتوجيه أنواع الخيال وفنون الكتابة لديهم، ليستشرفوا به عالمًا باتت المعرفة فيه متجددة، والتقانة العلمية متسارعة حتى يتحقق التوازن النفسي والفكري للأطفال في مراحل نموهم ونضجهم؛ ليواجهوا طبيعة الحياة وما تفرضه عليهم بيئتهم و عالمهم. من هنا كان الاهتمام “بأدب الأطفال” باعتباره من أقوى الدعامات في بناء الإنسان، و فتح معالم المعرفة أمامه..
فوائد القراءة للأطفال تنمي خيال الطفل: فقراءة القصص للأطفال قبل النوم تحفز خيالهم الخصب وتساعدهم على التفكير وتخيل القصص في أذهانهم لجعلهم أكثر قدرة على التخيل والابتكار والتوصل للحلول والتخمين وتوسيع مداركهم الفكرية. يقوي الطفل لغويًا: فقراءة للأطفال أو جعلهم يقرأون القصص يساعدهم على التقاط اللغة بشكل صحيح ويكسبهم مهارات لغوية أكثر من الأطفال الذين لا يستمعون إلى القصص أو لا يقرؤونه، فيكونون قادرين على تعلّم اللغة بشكل أسرع وبمهارة أكبر.
تزيد ثقافة الإنسان: القراءة بشكل عام توسع مدارك الإنسان وتزيد من ثقافته، وبقراءة الطفل سيتحفز لديه منذ الصغر حبه لهذه العادة ليصير الكتاب رفيق الطفولة الأول له ويستمر حبّه له من المهد إلى اللحد، فنحصل على جيل من القرّاء المثقفين . تزيد الصلة بين القارئ (الأم أو الأب) والطفل: فالقراءة لوقت ثابت يومياً للطفل سترسخ علاقة الطرف القارئ بالأطفال، فالقراءة لن تكون متواصلة والطفل بطبعه لحوح بالأسئلة، وهذا الوقت سيكون أجمل الأوقات للطرفين في المستقبل لتذكره ، وبتناقل المعرفة عبر السؤال والجواب سيوصل القارئ للطفل الكثير من الحكمة التي سيكون ذات يوم بحاجة لها.
طريقة غرس القيم: للقراءة منذ الصغر التأثير الأكبر على الطفل في معرفة مكارم الأخلاق، فالأخلاق هي الطريق القويم ليبدأ عليها حياته، وبقراءة القصص التي تركز على جانب المكارم فسيمتلك الطفل الوازع الأخلاقي ليبدأ به حياته، ولذلك يربي المسلم طفله على قصص الصحابة والأنبياء التي تظهر بها المكارم بشكل جلي ليتعلم منها كيفية التعامل في الحياة مع الناس وليكون فرداً صالحًا. تنمية قدرتهم على التعبير: لن تجد قارئاً غير قادرٍ على التعبير بأريحية عن كل أفكاره التي تعمل في رأسه، فالقراءة خزان من المعاني والكلمات والمفردات والصيغ المنمّقة للتعبير عن مختلف الأفكار، وبالقراءة سيحصل الطفل والبالغ بعد ذلك على أفضل النتائج لينتج شخصًا قادرًا على التعبير والحوار والإقناع بلغة طلقة صحيحة.
نوفمبر 2017