إيلي مارون خليل (31)

نقلتْ، “حبيبتي”، مَن حسبتُها “نِعمتي” الكبرى، إلى صفحتها الفايسبوكيّة، الجملةَ الآتيةَ: “الإهمالُ يقتل أيّ علاقة مهما كانت قويّة، والاهتمام يصنع أيّ علاقة مهما كانت مستحيلة”. ونَسَبَتْها، كما في مصدرها، كما أفترِضُ، إلى الشّاعر نزار قبّاني.

صوّرتُه، هذا التّعبير، على ركاكته، وأرسلتُه إليها مُرْفَقًا بتعليق موجَزٍ هو:”100/100″. ومن دون أيّ إضافة. كان يمكن أن أكتبَ، مثلًا:” هذا لسان حالي!” أو: “تعرفين هذه الحقيقة؟” أو: “طالما أنّ الأمرَ كذلك، فلِمَ إهمالُكِ؟” أو: “إذًا… فإهمالُكِ مقصودٌ!” أو: “تُحاكِمين نفسَكِ!” أو… ما شابَهَ.

لكنّي، هنا والآن، وبالعفويّة كلِّها، أُناقش محلِّلًا مُشكِّكا بنسبة الجملة إلى نزار.

بدءًا، هي جملةٌ تعتريها رَكاكةٌ ظاهرة، ما ينفي هذه النّسبة، حتمًا. والمقابَلةُ، كما وردتْ، غيرُ موافِقةٍ وغيرُ ناجحة. فالفعل يقتل يستدعي، عفويًّا وتلقائيًّا الفعل يُحيي، من باب كَون الطّباق واجبًا في هذا المجال. وتاليًا، إنّ الفعل “يقتل” يُفيد، أوّلًا، “الوجود”، أو “الحياة”، فلا يموت مَن لا وجود له، أو ما لا حياة فيه، أو له!

والفعل “يصنع” ليس في مكانه الموافِق للمقام، ما ينفي فصاحته والبلاغة. ففي الصّناعة تَصَنُّعٌ، أي تَكَلُّف. أنت تتصنّع، أي أنّك تحاول ما ليس قائمًا فيك. وكذلك التَّكَلُف. لكنّ التّعبير يفترض “وجود” علاقةٍ ما. لكن لا يصفها. لا يوضح محتواها ولا جوهرَها، لا دورها ولا قيمتها.

و”الإهمال” تَناسي حضور إنسان في حياتك. تحيا كأنّه غيرُ موجود، أو أنّ وجودَه غيرُ مُهِمّ، غيرُ واجب، غيرُ مفيدٍ، بالنّسبة إليك، تتصرّف على أساس أنّه غير قائم، وكأنْ مَيْتٌ! هذا الإهمال مُذِلٌّ لهُ. والإذلالُ شَكلٌ من أشكال الموت. أنتَ تُهمِل؟! أنتَ تقتل مَن “يظنّ” نفسَه حبيبًا لك، لكلمة حلوةٍ نطقتَ بها، مرّةً، ثمّ كأن ندمت. تقول لكَ “حبيبتُكَ” مثلًا، ذات لحظة صَفاء: “أنت حبيبي!”، أو “أنت حياتي!”… وتصدّقُ أنت. تروح في حلم جميل، طائرًا من فرح. ومن ثمّ، بعد زمن قصير، أو طويلٍ، تشعر بأنّها نسيت كلماتها الجميلة، الدّافئة، ما يُشعِرك بتَخَلّيها عنك، وإهمالها لك… يتحكّم بك مصيرُك الضّحْلُ! تناديها، لا تُجيب. تسألها لا تُجيب. تكتب إليها لا تُجيب. وترى أنّها مهتمّةٌ مُتّخَذةٌ بأمورٍ كثيرة والمطلوب أمرٌ واحد، وتُشير إليها بذلك، ولا تستجيب. إذًا، فالإهمالُ يفَكّكُ علاقة تظّنُّ أنّها قائمةٌ بينكما، وإذا بك تفاجئ نفسَك بأنّها لا تُقيم لك وزنًا، ولا توحي إليها بشيء! أنتَ مَيْتٌ عندها! لكن، يُمكن لها أن تكون ممثّلة ناجحة، تجعلُك تصدّقُ أحاسيسَها وعواطفَها، إلى أن تنكشفَ لك الأمورُ كلُّها، وتتيقّن من أنّك لا تعني لها الكثير، أو أنّك لا تعني لها شيئًا…

أمّا “الاهتمامُ”، فهو تَنامي حضور الآخر، هنا “الحبيب”، في حياتك، فكرك، وِجدانِك، أحداث حياتِك كلِّها. تجعلُه حيًّا فيك. تستمدّ حياة منه، وتهبه حياة منك. لذلك، فـ”الاهتمام” لا “يصنع أيّ علاقة مهما كانت مستحيلة”. هو “يبني” علاقة. ألبناءُ عملٌ يوميٌّ، يمكن أن يكونَ “رسوليًّا”، متأنّيًا، رائيًا، مصمِّما بإرادة واعية، ومسؤوليّة ناضجة، وعرفان مُشرِق. وحين يشعر الحبيب بشيء من تقصير، مهما كان بسيطًا، يعتبر الأمرَ “خطيئة”. ومن فوره، يروح يبحث عن تعويض يُريك، من خلاله، اعتذارًا صادقًا وندمًا عميقا. هذا البناءُ الرَّسوليُّ المُتَأنّي الرّائي يُنعِشكما معًا: أنتَ وهو. يُقيم، فيكما معًا، أعراسَ التَّجانُسِ ومِهرجانات الفرح، بل السّعادة.
وعليه، يا “أنتِ!” يا “حبيبتي” و”وحيدتي” و”نِعمتي”، عليك الاختيار. فإمّا “الإهمال”، كما أنتِ فاعلةٌ الآنَ، فأعرف مصيري وأرتاح و”أُريحكِ”؛ وإمّا “الاهتامُ”، فأعرف، في هذه الحالة أيضًا، مصيري، فترتاحين وتريحي!

ألأمرُ قَرار. ألقرار قناعة. قناعةٌ جريئة. قناعةٌ حرّةٌ وجريئة. وهذا هو الحُبُّ! فإمّا أن… نعم! وبتضحية! وإمّا أن… لا! وبتضحية! فهل؟! ولستُ ممّن يحتملُ النّقيضَين، أبدًا!..

ألأحد 25- 8-2016

 

اترك رد