الحزن البشريّ في موت الصّبيّة

لروح الفقيدة الغالية المرحومة الطالبة

 يارا كامل حمادة 

تعازينــا لأهلهـــا وذويها ومثواها الجنّة ولروحها الفاتحة وذكراها خالدة.

أطلق الموسيقيّ الألمانيّ شوبرت (1797- 1828)على الرّباعيّة الوتريّة لآلتي الكمان والفيولا والتشيللو رقم 14 اسم ” الموت والصّبيّة ” وقد أنشأها من الحركة الثّانية من النّصف الثّاني من رثائيّة “الموت والصبيّة” كلمات لشاعر مغمور يُدعى Matthias Claudius والكلمات حوار بين الموت والصبيّة منها كما أتخيّلها:
الصّبيّة:
مُرْعِبٌ يا مَوْتُ تَأْتِيْ مُفْزِعًا * وَأنا ما زِلْتُ في فَجْرِ الشّبـَـابْ
لم أعِشْ بَعْدُ حَيَاتِيْ وَالمُنَى * قَابَ قَوْسَيْن وَلِــيْ مِنْهَــا اقترَابْ
وَجَمَالِـــيْ كيفَ تَمْحُوْهُ بِلا * رَحْمَــةٍ حتّى يُوَارَى بِالتّـرَابْ؟!
الموت:
لا تَخَافِــي يا ابْنَتِــيْ من عابِــرٍ*** فأنا في رِحْلَــةٍ أبْغِي الإيَــابْ
فَاطْمَئِنِّيْ وَاغْرَقِيْ في غَفْوَةٍ*** فَوْقَ صَدْرِي حيثُ تَنْسَيْنَ العَذَابْ
وَإذا شِئْتِ سَلامًــا دَائمًــا*** فَادْخُلِـي مـا بيــنَ جِسْمِيْ وَالثِّيابْ!
ثم يمضي بها بعيداً قبل أن تلبس ثوب الزّفاف!

أما أنا سعود الأسدي فإنّني تحت وطأة تجربة صعقة الموت لفتاة عرفتها، فقد ثارت كوامن أحزاني بعد خمسين عاماً، وحزني لا يفنى على تلك الصّبيّة التي فارقت الدّنيا ، وأنا أسمع وأعيد سماع أسطوانة “الموت والصّبيّة ” وبقطرات من الدّموع كتبت:

لِمَوْتِكِ في رُوْحي صدًى ليس ينتهِي*** تَجاوبَ في صدري وَقَرَّ بمسمعي
فإنْ لم تكونــي في الحياةِ فإنّني * أرَى منكِ ذكرَى مـا حَييتُ تُرَى معي
كتبتُ لكِ الشِّعْرَ المُغَنَّـى وعندَما * فقدتُكِ خَـطَّ الحُـْـزنُ شِعْـرِي بأدمعي
فيا موتُ كم تقسو!وما بكَ رحمةٌ * أمَـا لكَ قلـــبٌ للأسَــى والتَّفَجُّــعِ ؟!
تجـئُ إلى الشّيخِ الوقـورِ ولم يُسِئْ * وتأخذُ قَسْرا مــن رضيعٍ ومُرضِعِ
أمَا كان فـــي الإمكانِ حَتْـمٌ مغايــرٌ * ولم تكُ بالمرصـادِ فــي كلِّ موقعِ
كَسَرْتَ لي الغصنَ الرّهيـفَ ألَمْ يكنْ * لديكَ خَيــارٌ أنْ تُكَسِّرَ أضْلُعي؟!
فتاةٌ مُحيّــــاها جمالٌ وروعـــةٌ * وغمّـــــازةٌ فــــي الخَدِّ تأتِـــي بِأرْوَعِ
ومبسمُهـــا كالأقحـــوانِ وإنْ بَــــدَا * إلــــى الشّمسِ كالدُّرِّ المُنَضَّدِ يلمعِ
تُزَغْلِلُ عَيْنَيْ مَــنْ يراهــا بِخَطْفَةٍ***كمــــا البَــرْقُ إذْ يأتــــي إليَّ بمطمعِ
وشَعْرٍ كأنّ الليــلَ ألقَــــى وشاحَــهُ ***عليه،علـــى جِيْدٍ مـــن النُّــورِ أتلَعِ
ولستُ بناسٍ يومَ جاءَتْ تزورُنِــــي * وخوفَ الغَيَارَى بادَرَتْ بالتسرُّعِ
ومنديلُها يهفو علي رَحْب صدرِهــــا * كخفقِ شـــــراعٍ للنَّسائم مُشْرَعِ
تَضَوَّعَ منهـــا العِطْـــرُ، قلتُ:أيا هَلا !*** بهـا بابتســـامِ النّجمِ بالمتضَوِّعِ
وَلمّـا مَضَتْ عنّـــــي بقيتَ مُشيَّعًـا***وإنّـــي لهـــذا اليــــــــومِ كالمتشيِّـعِ
أتَتْ ثم غابتَ مثلَ نَجْمٍ قد اختفَى***ونجـــمُ الدُّجَــى يزهـو لدى كلِّ مطلعِ
فيـا ليتنِــــي وَدَّعْتُ شمسًا ولم تَعُدْ * وليتَ التــــي وَدَّعْتُهـــــا لم تُوَدَّع
وشمسُ الضُّحَى في كلَّ يومٍ أرّى لها***طلوعاً وشمسي ما لهـا أيُّ مطلعِ
وحزني عليها سوفَ يبقَى مُخَلَّداً**ولو حانَ فـي يـومٍ إلـى التُّرْبِ مَرْجِعي
إذا عَبَرْتْ بي ساعةٌ من تَصَوّري**لصورتِها فـي العُدْمِ ضيّعتُ موضِعِي
وراجعتُ وَعْيي في ذُهُولي وكيفَ لي***أُرَدُّ لوعيي دونَ وَعْيٍ لمـا أعِي
فليتَ أتانـــي فــــي المَنَـــــامِ خيالُهـــا * فإنَّ خيـــالاً غيـرَهُ غيــرُ مُقْنعِ
وفائـــي لهــــــا بــاقٍ وإنَّ شبابَهَــــا * يُشِبُّ بقلبــــيْ لوعتـــيْ وَتَفَجُّعي
فيا ليتنـي قد مُتُّ من قبلِ موتِهـا ***وكانَ ببطنِ الأرضِ قد حانَ مهجعي
فكلُّ نعيـــمٍ بعدَهَــــا مثلُ لعنــةٍ ***وأهونُ منـــه لو أواجِــــهُ مصرعي!

اترك رد