طفولة ومكافحة وشيخوخة صعبة وهموم الشباب وموت الحبيب
شارك عدد من الأفلام اللبنانية الوثائقية والقصيرة، في الدورة السابعة عشرة لمهرجان بيروت الدولي للسينما، التي تنطلق في الرابع من تشرين الأول المقبل وتستمر حتى الثاني عشر منه، سواء في المسابقتين الخاصتين بهاتين الفئتين من الأفلام، أو في فئة البانوراما الدولية. وتتناول هذه الأفلام مواضيع إنسانية واجتماعية، من الطفولة المكافحة إلى الشيخوخة الصعبة، مرورا بهموم الشباب وتجربة الإغتراب والوجع الناجم عن موت الحبيب.
وتشارك في مسابقة الأفلام القصيرة خمسة أفلام لمخرجين لبنانيين. ويتناول فيلم Andrea للبناني إدوين حرب قادري، قصة رجل يفقد زوجته في حادث سير أثناء تحدثه بالهاتف معها، ويلتقي الشخص الذي تسبب بهذا الدمار في حياته. ووصف قادري الفيلم بأنه “قصة انتقام بطريقة ما”، وقال: “لدى غابريال وعي أخلاقي بحكم كونه شرطيا، ومع أنه غاضب من الحياة وممن قتل زوجته وحتى من زوجته نفسها، يجد نفسه أمام مسألة المسامحة”.
والفيلم الذي ألف موسيقاه اللبناني ابرهيم معلوف، ويؤدي دور البطولة فيه الممثل برونتس جودوروفسكي، نجل المخرج أليخاندرو جودوروفسكي، مستوحى من خسارة المخرج صديقته في حادث سير في بيروت عام 2008، وقال قادري في هذا الصدد: “أندريا الحقيقية توفيت قبل تسع سنوات وكنا معا في سيارة كانت تقودها. استلزم الأمر كل هذا الوقت لكي أحول المأساة ومشاعر الكآبة التي عشتها إلى فيلم. لم أشأ أن يكون وثائقيا عن أندريا أو عن حياتي، بل قولبت الأحاسيس المتراكمة مع الوقت في قصة سينمائية. بعد كل هذا الوقت، تمكنت من أخذ مسافة من وجعي، ونظرت إلى الأمور بعين مخرج لا بعين إنسان”. وختم قادري: “كان مشهد المستشفى من أصعب لحظات تصوير الفيلم، فهو مطابق تماما لما حصل معي من الدخول عبر الباب والركض في الرواق ورؤية الجثة والدم والصراخ””.
أما فيلم “ونمضي” لغنى ضو، فيتناول، بحسب مخرجته: “واقع معظم الشبان والشابات المرتبطين بعلاقات حب والذين يعتزمون الزواج، وكذلك عن واقع معظم النساء والرجال المسنين الذين لم يرزقوا أولادا ويعيشون شيخوختهم من دون ضمان شيخوخة”. نايلة وفراس، المخطوبان، زارا منزل وفاء، وهو منزل لبناني قديم ذو طابع تراثي، بهدف شرائه وبناء حياتهم المستقبلية فيه. ووفاء، أرملة عجوز تقيم في هذا المنزل الذي بنته مع زوجها قبل أكثر من 50 عاما، بلا أولاد وبلا مردود شهري، وتريد بيعه منزلها للحصول على مبلغ شهري كاف لإعالتها في أيامها الأخيرة. لكن نايلة مترددة في قرارها، إما أن تشتري وفراس المنزل ويرمماه، وإما أن تبوح له بعدم حبها له وبعدم إرادتها في الاستقرار في هذا البلد، في حين أن فراس، ككثير من الشباب اللبنانيين، يؤمن بإمكان التغيير ليكون مستقبل البلد أفضل. ويرمز منزل وفاء الذي يحتاج إلى الكثير من الترميم، إلى وضع لبنان غير المستقر. وقالت المخرجة ضو عن اختيارها هذا الموضوع لفيلمها: “أمضيت معظم حياتي في لبنان، وواجهت الكثير من الصعوبات والتحديات بهدف محاولة العيش بكرامة. لقد أحببت وحلمت بحياة مع حبيبي في لبنان. ولكن مع الوقت، و بعد أنْ كنت ناشطة في الكثير من جمعيات المجتمع المدني، فقدت حماستي وإيماني و قررت مغادرة بلدي”.
ويدور فيلم “شحن” للبناني كريم الرحباني حول معاناة ولد ينزح مع جده من سوريا إلى لبنان هربا من الحرب السورية. وأوضح المخرج الذي كتب الفيلم مع والده غدي الرحباني، أنه اختار عنوان “شحن” للفيلم “لأن السوريين اصبحوا يشحنون إلى لبنان وكأنهم بضاعة تنقل من مكان إلى آخر”. وشرح أن القصة هي “عن جد وحفيده يهربان من سوريا بواسطة شاحنة تنزلهم في منطقة البقاع تاركين فيها أمتعتهما، ويتوهان هناك إلى أن تأتي ممثلة تقلهما معها وتسكنهما في منزل لها في بيروت. ويضطر الولد إلى أن يتسول في شوارع المدينة لتأمين الدواء لجده المصاب بمرض الألزهايمر كي لا يموت”. وقال الرحباني: “عادة يهتم الشخص الأكبر سنا بالأصغر، ولكن في فيلمي قلبت الأدوار حيث سنرى الحفيد يهتم بجده”. واستعان الرحباني مجددا في هذا الفيلم بالطفل السوري عبد الهادي عساف الذي مثل في فيلمه السابق “ومع روحك”، وكان صادفه وهو يتسول ليعيل عائلته. وقال الرحباني: “القصة مستوحاة من حياة هذا الولد كونه المعيل المادي والمعنوي لعائلته وكأن القصة عثرت علي وليس أنا من بحث عنها”.
ويحكي فيلم Appel en Absence للبنانية كريستي وهيبة قصة امرأة عجوز فقدت زوجها، تصلها هدية من ابنتها عبارة عن هاتف خلوي، فتغيرت حياتها، وشعرت بفضله بأنها عادت صبية، وعندما تلقت اتصالا من حبٍ قديم، زاد تعلقها بهذا الهاتف، إلى أن دمرها نوعا ما. وروت المخرجة: “استوحيت الفكرة عندما كنت يوما في صالة سينما، وبدأ أحد الهواتف بالرنين تكرارا، وفي كل مرة كان المحيطون بصاحب الهاتف ينزعجون، ليتبين أنه لإمرأة عجوز تفتش عنه. فقررت أن أنجز فيلما انطلاقا من هذه الفكرة”. وأشارت وهيبة المقيمة في مدينة تولوز الفرنسية، إلى أنها استعانت “لتمثيل الدور بسيدة في الرابعة والثمانين، وكان عليها خلال التصوير أن تراعي سنها ووضعها الصحي”.
أما “لأيمتى؟” للبناني مجد فياض، فيثير مساهمة النظام التعليمي اللبناني، المكثف بالمواد غير المفيدة والتي يتطلب درسها الكثير من الوقت، في قتل هوايات وأحلام الطلاب اللبنانيين. وشرح فياض أن فيلمه “تعبير عن معاناة كل طالب لبناني، إذ يتمحور عن الفرق بين الحياة اليومية للطالب اللبناني والحياة اليومية للطالب الأجنبي ، ويبين الدور الكبير الذي تؤديه المناهج المدرسية في حياة الطالب اليومية”. ورأى أن “المنهج اللبناني، يقمع الطالب ويقضي على راحته ويستهلك كامل وقته من كثرة ضغط الدروس وبالتالي يقفل أمامه طريق تطوير مواهبه غير المستغلة، بينما المنهج الغربي لا يضغط على الطالب بل يترك له مجالا واسعا لتنمية مواهبه أثناء وقت الفراغ وكل هذا مع المحافظة على مستوى المنهج ونجاحه و الأهم هو نجاح التلميذ، أي أن المنهج الدراسي الصحيح لا يعني بالضرورة أن يكون منهكا للطلاب”.
ولاحظ أن “نجاح التلميذ وفق المنهج اللبناني هو مجرد كلمة على شهادته، في حين أن النجاح أكبر بكثير في مناهج الغرب، فهو الإنجازات والإبداعات والمواهب”. وقال فياض إنه اختار هذا الموضوع “لأنه يعبر عن شريحة كبيرة من الطلاب اللبنانيين، ويمس حياتهم اليومية”، آملا في “أن يساهم فيلمه في تغيير هذا الواقع”. وأضاف: “إذا أردنا تغيير واقع وطننا نحو الأفضل فيجب تغيير مناهجه التعليمية نحو الأفضل”.
وتضم مسابقة الأفلام الوثائقية خمسة أفلام، بينها اثنان لمخرجين لبنانيين، أحدهما Water on Sand للبنانية الكندية ناتالي عطالله، عن اللبنانيين في بلاد المهجر: شقيق المخرجة وجدتها يعبران عن مشاعرهما وتجاربهما كلبنانيين مغتربين. بالتالي، تصاغ قصة بين جيلين عن الإغتراب والإنتقال من ثقافة وبيئة معينة إلى أخرى. وتبلغ مدة الفيلم سبع دقائق.
أما “فن مش فن” للبناني بيتر موسى، فهو وثائقي قصير عن الفن المعاصر صور في معارض فنية في الإمارات العربية المتحدة. وأوضح موسى أن الفيلم “بمثابة رد على من لا يصنفون الفن المعاصر ضمن الفنون”. وأضاف: “إخترت موضوع الفن المعاصر لأنني كنت أقيم سابقا في دبي، وهي مدينة تزخر بالمعارض المختصة بهذا النوع من الفنون”. وأشار إلى أن “ثمة قطعا فنية وردت في الفيلم، يدور نقاش كبير في شأن اعتبارها فنا”. ولاحظ أن “ثمة اهتماما واسعا لهذا الموضوع سواء في الإمارات عموما أو في العالم، وثمة تيار يقدر هذه الأعمال، وثمة مهتمون يزورون المعارض من هذا النوع ويصورون المعروضات فقط لكون ما يعرض جديدا وحديثا ويثير الجدل”. وختم: “وجدت أن من الضروري توضيح هذا النوع من الفن من داخله، وليس نقديا من الخارج”.
ويتضمن برنامج فئة “البانوراما الدولية” فيلم “سينما حائرة: تاريخ السينما اللبنانية” للإعلامية اللبنانية ديانا مقلد، وهو عبارة عن رحلة بصرية عابرة للزمن ما بين السينما اللبنانية في بداياتها والسينما اليوم، من خلال شهادات مخرجين وفنانين معاصرين لكل الحقبات التي مرت بها السينما اللبنانية.
وقالت مقلد إن “هذا الفيلم أنجز لصالح قناة “الجزيرة وثائقية” عام 2016 ولم يعرض بعد، وبالتالي فان عرضه في مهرجان بيروت السينمائي الدولي هو الأول للجمهور”. وأوضحت أن “الفيلم عبارة عن محاولة لفهم تاريخ السينما اللبنانية وتقلباتها وبالتالي فهم لبنان لان المراحل التي مرت فيها السينما تعكس حقبات مختلفة مر بها لبنان”. وأضافت: “مرحلة البدايات ركزت كثيرا على الهجرة، ومرحلة الوحدة السورية المصرية انعكست انتاجا سينمائيا عربيا مشتركا وتحديدا في لبنان، أما مرحلة سينما القضية فركزت على القضية الفلسطينية، ثم اتت سينما الحرب وبقيت سينما الحرب طاغية على خيارات الكثير من المخرجين الى اليوم. وفيما كانت حقبة التسعينات مرتبكة، لاحظنا السنوات الاخيرة هناك وثبة جديدة في السينما اللبنانية وإن كان الطابع التجاري غالبا، وطبعا النقطة الاساسية هي مشكلة الرقابة على الافلام والفن وهذه قضية خانقة منذ بداية انطلاق السينما وحتى اليوم”.
وستقام عروض المهرجان هذه السنة في سينما “متروبوليس أمبير صوفيل” في الأشرفية، ويعرض في افتتاحه فيلم La Cordillera للأرجنتيني سانتياغو ميتري. أما اختتام المهرجان في 12 تشرين الأول فسيكون بالفيلم التحريكي Loving Vincent للبريطاني هيو ويلتشمان والبولونية دوروتا كوبييلا.