تؤكد المؤشرات الظاهرية لحركة الحسين عليه السلام سواء ما يتعلق منها بما تم رصده من تأريخ صحيح عن الفترة والمرحلة التي عاصرها الأمام أو ما بثه في كلماته ومخاطباته ،أن الأمام عليه السلام يتحرك من موقعه الرباني بوصفه الخليفة الشرعي لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكأمام للأمة وقائد فعلي لها، وهذه الانطلاقة تعطي عمله بعدا جماعيا وتصبح قضيته قضية معالجة حال الأمة وما وصلت إليه، وهو مشروع حشد له كل الطاقات المتاحة والممكنة وعلى رأسها التضحية بدمه الطاهر ودماء أهل بيته الكرام من أجل إيقاظ ضمير لفه السبات وأمة أخذها التخاذل والخوف في مواجهة الانحراف والباطل.
وبناء على ذلك فإن المقاربة التي قدمها الإمام الحسين عليه السلام هي النموذج الأنجع في معالجة حال أي أمة مع تساوي الظروف والمبررات، وبذلك يكون الدرس الحسيني متوجه للمجموع ويتحقق في ظل حراك جمعي منظم.
في زاوية أخرى تهتم بها هذه السطور وترى أنها غير مغطاة بالشكل المناسب أو أنها لم تلامس أصلا تتصل في طرح “الحسين الشهيد” كمنهج للتطهير الذاتي عبر “يوغا حسينية” لها طقوسها الخاصة.
فهذا الوجع الحسيني المشتعل في النفوس والحزن العظيم الذي يزيد ولا يبيد على مر الدهور وهو اشتعال لا تكاد تكفيه مياه المحيطات دموعا ولا براكين الأرض حسرات وتنهدا يشابه في كيفيته الفكرة التي طرحها الشهيد محمد باقر الصدر(رض) في العلاقة بين العبودية لله والحرية الذاتية ،فهناك تقرر أن هناك علاقة عكسية بين عبودية الإنسان لله وحريته من الأغلال والأصر الذي يحيط به،
فكلما كان الإنسان عبدا لله وكلما أمعن في رقيته له وتسليمه لمقاليده له وشعوره العميق أنه لا يملك شيئاً ولا يقدر على شيء من دون الله جل وعلا فهذا يعني بعبارة أخرى أنه أكثر حرية وأبعد عن القيود، وأن العكس في حالة ابتعاد الإنسان عن عبودية الله جل وعلا فيكون الإنسان بظنه حرا إلا أنه في الحقيقة سيزداد في عبوديته لشهواته وغرائزه وذاته ورغباته الشخصية ،وسيكون أكثر ذلا أمام الآخر الذي من المفروض أن يحفظ كرامته وعزته عنده،فالأمر هنا متشابه في حزن الحسين والتفجع له ،فكلما كان ذلك حاضرا بعمق في الانسان فهو أكثر سرورا في حياته وأشد بهجة وراحة، وليجرب من يريد التأكد من ذلك أن التفجع للحسين خصوصا في إطار “يوغا حسينية” منعزلة عن المظاهر والرياء وممارسة في وعي عميق يتأمل فيها هذا التفرد الأوحدي وكل ما جرى عليه من فجائع بقلب وعين وروح “تتوجع” بحرقة وحرارة وهي تشاهد حجم الظلم والانحراف الإنساني الذي مورس مع هذه الجماعة العظيمة عند الله ،فسوف يجد دون شك حلاوة طهارة النفس وخفة الأحزان والآلام ،ولا أبالغ إذا قلت أن الأمر سيكون بمثابة “غسل عميق” من كل المشاكل النفسية والروحية.
لا بد أن يتم ذلك في إطار مشروع وصحيح بعيداعن البدع والمظاهر والممارسة على أساس التعود الروتيني ليؤتي أكله ويعطي ثماره، لذا فإن من لم يجد حقيقة وحلاوة هذا التطهير عليه أن يراجع الأدوات والوسائل التي سلكها ويتفحص جيدا قضية التظاهر والرياء فيها، فهما معول هدام يقوض عطاء ونتاج كل عملية التطهير والنقاء.
انفردوا مع الحزن الحسيني والوجع الكربلائي مع ذواتكم في إطار عملية خفية لتطهير الذات وتقويمها ،بل وإزالة الحزن والضيق منها ،فمعظم حزن الإنسان إما على بلاء أو مصيبة حلت به أو على أمل لم يتحقق وفشل في الوصول إليه أو أتعبه انتظاره ،وفي كلا الحالتين فإن “اليوغا” الحسينية نافعة بقوة لتدارك هذا الأمر ومعالجته ،على ألا يكون بكاء الحسين والتفجع له متوجه بوعي من أجل تلك المصالح وإنما تأتي تلك المصالح بشكل ارتباطي حتمي بين سبب ونتيجة عندما نمارس هذا التفجع من أجل الحسين عليه السلام لأنه أهل لهذا التفجع والوجع.
أيها المطوقون بالحزن والغارقون في الوجع والذين تشعرون بظلام المحيط وخفوت ألوان الحياة سارعوا إلى وجع الحسين وحزن الحسين وخالطوه نفوسكم تجدون أنكم صرتم على مشارف الأبواب المفتوحة والبهجة العميقة فهو في منهجه الجماعي والفردي “سفينة نجاة