بقلم: كلود أبو شقرا
“كيف حالك عمّو تشيكوف”، مسرحية أرادها محترف عمشيت للمسرح الثلاثيني ورئيسه ومؤسسه الدكتور إيلي لحود تحية إلى تشيكوف لمناسبة مرور مئة وعشر سنوات على وفاته، فكانت بحق تحية من ممثلين شباب، عاشوا العرض المسرحي الساخر بشكل أدخل الجمهور معهم في زمن تشيكوف ومسرحه، إذ أدوا أدوارهم بحرفية تبشر بمستقبل مسرحي ينبض بدم شاب، يعرف كيف يتعامل مع المسرح الأصيل، المسرح الخالد، مسرح الكبار أمثال تشيكوف.
لم تكن المسرحية بحاجة إلى ديكور لتوصل أفكار تشيكوف إلى الجمهور الحاضر، فقد ملأ الممثلون الشباب الفضاء المسرحي حركة أضفت حياة على الخشبة ونبضاً على المشاهد التي امتزجت مع أداء كان أقرب إلى الطبيعية والعفوية منه إلى التمثيل، وساهمت لعبة الإضاءة في إضفاء أجواء فيها بعض غموض المتماشي مع سير الأحداث.
زمنا المسرحية
تتكوّن المسرحية (سينوغرافيا وإخراج د. إيلي لحود) من زمنين، يشارك في الزمن الأول “طلب زواج”: فادي جبرايل في دور الأب شوبوكوف، رولا غوش في دور الفتاة ناتاليا، شربل ابو زهرة في دور الشاب لوموف.
يتمحور الزمن الأول حول رجل ملاك يعيش مع ابنة له عزباء من الأرزاق والمحاصيل الزراعية، ويحلم بحياة سعيدة. جاره الملاك الآخر، يتقدّم في العمر، ويرغب في الزواج، لكنه لا يجرؤ، بسبب الحياء المعرقل والمكبّل، على مصارحة ابنة جاره، وطلب يدها، والتي ترغب هي أيضاً في إيجاد عريس كونها لم تعد في مقتبل العمر، وكلما همّ في الإفصاح عن رغبته، ساءت صحته، وخارت قواه، وتعرقل لسانه، وثقلت رجلاه، وتكرتعت يداه، ثم جحظت عيناه. وكان الأب يتدخّل في كل مرة ليعيد الأمور إلى نصابها، والأسرة إلى صوابها. وفي كل مرّة يكاد يقترب فيها الحوار ما بين العريس والعروس من حلبة المصارحة، كانت أمور أخرى تتعلّق بالأملاك أو المقتنيات الخاصة تمنعه من بلوغ الهدف وتجعل القطار يخرج عن السكّة.
الزمن الثاني: اليوبيل، يشارك فيه: شربل أبو زهرة في دور شيبوتشين مدير الشركة، فادي جبرايل في دور هيرين المحاسب، رولا غوش في دور مرشوتكينا الزائرة، جيسيكا صقر في دور تاتياتا زوجة المدير.
يتمحور الزمن الثاني حول مدير شركة يستعدّ، في عيد الشركة، للاحتفال باليوبيل وينتظر الوفد وأعضاء مجلس الإدارة، وفي الوقت نفسه يستعجل المحاسب القديم في الشركة لإنهاء التقرير المالي الذي سيوزع على المساهمين، ووسط هذه العجالة، تصل زوجته من السفر، حاملة معها أخبارها وشجونها، وتدخل إلى الشركة عجوز متطفلة، ترثي لحال زوج لها، سُرّح من شغله، فتتشابك الخيوط، وتتعقّد الأمور، فتعترض المشاكل الصغيرة والأمور الطارئة طريق إتمام المفروض، والوصول إلى أمر اليوم الملحّ، فيفقد مدير الشركة أعصابه، وكذلك المحاسب الذي لم يستطع إنهاء التقرير في الوقت المناسب، فيحصل ما لم يكن في الحسبان، بعد أن تستوطن العجوز في المكان، مرسّخة حضورها، دون أي مشورة أو استئذان من أحد.
مرح ومتعة
يقول الدكتور إيلي لحود حول المسرحية: “… لكل زمن نكهته الخاصّة، لكن القاسم المشترك هو المرح… هي المتعة. كأننا على متن سفينة خلال رحلة ترفيه صيفيّة، كأننا في كرنفال يحضره أناس من كل الأعمار ومن كل المستويات، يتبادل فيه الممثلون الأدوار كما الأقنعة، ويحرصون على الاحتفاظ بإيقاع موسيقي ظلّ تشيكوف ممسكاً به كقائد أوركسترا شديد العناد، مرهف الحساسيّة. لم نحاول أن نعدّل في النص أو نقتبس ما يلائمنا، أو نعطي الشخصيّات أسماء لبنانيّة، بل اقتصر عملنا على نقل النص بقراءة معاصرة، إلى خشبة نعرفها، ألفناها، وليست غريبة عنّا. غايتنا أن نظلّ أوفياء، للكاتب من جهة ولفن الممثل المبدع، وليس فقط المؤدي من جهة ثانية.
فكم نحن بحاجة إلى الفن الكوميدي الأصيل، في زمن انحرفت فيه الكوميديا، وأضحت بعيدة كل البعد، عن جوهر المسرح الحقيقي، ولا تشبه شيئاً، فهي أخت التراجيديا ولقد راحت تتمثل بالتراجيديا عند الإغريق، كي ترتقي وتصبح فناً عظيماً. وقد أظهر لنا تشيكوف أن خيطاً رفيعاً جداً يفصل ما بين المأساة والملهاة. وهناك الكثير من آثاره التي تفصح لنا عن ذلك، أو بإمكاننا أن نلعبها بشكل كوميدي تارة، وبشكل تراجيدي تارة أخرى.
هو مجتمع واحد بقصّتين، يشبه ناسنا نرى فيه أنفسنا. مؤلفه واحد، مخرجه واحد، الممثلون أنفسهم، الخشية نفسها، الأسلوب ذاته، اللغة المحكية واحدة. فما هو مختلف هو تجاوبنا، ردّة فعلنا، تعاطفنا، إحساسنا، آراؤنا، تعليقاتنا… أو ليس هذا هو المسرح الحقيقي الذي افتقدناه، أو نسيناه، ونبحث عنه بإلحاح؟ فتحية أيضاً إلى المسرح الحقيقي بكثير من النوستالجيا والحنان، وتحيّة إلى أنطون تشيكوف”.
**************
(*) “مسرحية كيف حالك عمو تشيكوف” عرضت على خشبة “مسرح دوار الشمس” في بيروت، وتعرض في 1 نوفمر على خشبة مسرح المركز الثقافي الروسي- فردان، على أن تتنقل في ما بعد في المناطق اللبنانية.
بطاقة تقنية: رينيه بيروتي (مساعدة مخرج )، جان عيسى (مدير مسرح )، فلورانس لحود (ملابس وماكياج)، طوني باسيل وسيمون كيفوركيان (فيديو ريجي)، فادي جبرايل (الفاصل الموسيقي)، ارنست سليمان (صوت خارجي)، مايا شديد، مود محفوض، رجاء سالم (علاقات عامة).
كلام الصور
1- 2- 3- 4- 5- مشاهد من المسرحية