عن رحلتي الى البرتغال
اللغة العربية حاضرة في التراث الشعبي ؟
أسطورة الديك على كل الألسنة ؟
حين يكتشف الانسان أن هناك مدناً تعبق برائحة التاريخ وحضارة امتزجت بسحر الشرق .. وهندسة الأندلس .. لشبونة التي أخدت من كل حضارة عبق التاريخ مفتوحة على فضاء لا نهائي .. وتتربع على عرش جمال ليس له نظير …
هكذا اكتشفت هذه المدينة الحالمة الهادئة المترامية على بحر تاجة والمطلة على المحيط الاطلسي .. تسحر السائح بجمالها رغم ان شعبها قليل المرح ويشعرك بانه ليس له الوقت لا للضحك ولا للهو ولا حتى بسمة تفرحك..
رغم ذلك شعبٌ اثبت بجدارة قوته وجماله في نسج مدينته بحبكة امتزج فيها جمال الماضي العريق ورونقه الحاضر… فاق جمالها التصور. نحت الله ارض البرتغال من جبال وخلجان وبحيرات وبعض الخرافات والمناظر الشاعرية، ثم اكمل البرتغالي انجازه ببناء قرى شبيهة بالحلم، ومدن مشبعة بالخيال، ومعالم تعكس عظمة بشر مغامرين فتحوا نصف العالم وبنوا نصفه الاخر بجمال العمران الحديث …
تشترك البرتغال في تاريخها المبكر مع بقية شبه الجزيرة الأيبيرية. يشتق الاسم البرتغال من الاسم الروماني بورتوس كال. أما في الروايات العربية فيقال إن هذه التسمية تعود إلى وفرة أشجار البرتقال وسماها العرب بلاد البرتقال. استوطن المنطقة السلتيون والشعوب التي سبقتهم، مما أدى إلى ظهور الغاليسيينو اللوسيتانيينوالسلتيسيينوالسينيتيين، بالإضافة إلى شعوب أخرى واردة مثل الفينيقيين والقرطاجيين.
خضعت المنطقة للحكم الروماني تحت اسم لوسيتانيا من 45 ق.م حتى 298 م، حيث استوطنها السويبيونوالبوريون والقوط الغربيون وفتحها لاحقاً المسلمون. من التأثيرات الأخرى الأقل أهمية هي بعض بقايا القرن الخامس من مستوطنات ألان والتي تم العثور عليها في ألنكير وكويمبرا وحتى في لشبونة..
البرتغالية مزيجٌ من العربية ولغتهم الأم ..
اللغة البرتغالية هي لغة رومانسية نشأت في مايعرف الآن بغاليسيا (أسبانيا) وشمال دولة البرتغال الحالية، مشتقة من اللغة اللاتينية انتشرت في جميع أنحاء العالم إبان ظهور البرتغال كقوة استعمارية في القرون 15م و16م، امتدت من البرازيل إلى ماكاو في الصين وغوا في الهند، وخلال ذلك الوقت نشأت لغات كريولية عديدة تستند إلى اللغة البرتغالية في جميع أنحاء العالم خصوصا إفريقيا ومنطقة الكاريبي.
الفتوحات الإسلامية
فتح المسلمون البرتغال عام714 م وظلت سيطرتهم عليها حتى عام 1139 م ، وأسفر ذلك عن دخول ثلاثة الاف كلمة عربية إلى اللغة البرتغالية . وقد صنفها الاب جان دي صوصه j.de souzaالمولود في دمشق من أبوين عربيين معجما في 160 صفحة جمع فيه الألفاظ التي اقتبسها البرتغال من العربية ، هذه الألفاظ التي تغلغلت في اللغة البرتغالية الى حد كبير ..
وأنا أتجول في مدينة لشبونة السياحية الساحرة التي جمعت في هندستها بين الحضارة الأوروبية وسحر الشرق .. وجمال العمران الأندلسي الإسلامي والتي تتربع المدينة القديمة القصبة العريقة التي بناها المسلمون او البرابرة الذين أتوا من المغرب العربي، لان هناك تشابهاً كبيراً بين قصبة الجزائر وقصبة لشبونة الى حد كبير، لكن الفرق انهم مهتمون بها كثيرا، والذي أضاف جمالها لمسة الهندسة الأوروبية وخاصة الترومايا القديم والكنائس الشامخة الذي أضاف جمالا رائعا على تلاحم الحضارات..
اثناء تجوالي في شوارعها كل يوم استمع او اكتشف كلمة جديدة في اللغة البرتغالية من أصول عربية.. وحسب بحثي ان هناك ما يقارب 2000 كلمة من أصول عربية .. فالكلمات التي سمعتها ينطقونها باللغة العربية وبالشكل..
الصحيح حدثت لي قصة انني ذات صباح طلبت من النادل بالإنجليزية ان يعطيني { sugar } فحمله في يديه وقال لي هذا السكر فقلت له اه سكر ثم قال لي بإصرار لا السُكر فقلت له نعم هو اسمه من اصل عربي فقال لي نعم هذا جميل .. وهناك على محلات المجوهرات كلمة الجواهري وهي من اصل عربي أيضا ..
وأيضا هناك كلمة { اصبر } هذه كلمة يتداولونها كثيرا بينهم ..لا أريد ان أتعمق في هذه البحوث لانها من أهل الاختصاص ..
حديقة تتحدث بكل اللغات ؟
سحر المدينة في حدائقها .. في جمال الطبيعة التي تتوسط المدينة … حديقة الحيوانات بوسط لشبونة عاصمة البرتغال، رغم أنها صغيرة الا انها تشعرك وكانك سافرت عبر القارات الخمس، مما تحمله من جمال نباتي متنوع يشعرك انك تحت أشجار في أمريكا الجنوبية، وحيوانات من أفريقيا وطيور جميلة من آسيا وخاصة تلك الطيور المتنوعة بتغاريدها التي أخدتنا إلي غابات ألامازون وأدغال أفريقيا …
والشيء الذي يذكرنا بالحضارة الإسلامية في الأندلس هي أسماء بعض الطيور التي تعود إلى اللغة العربية وحضارة الاندلس العريقة، ومن بينها طائر الببغاء الذي نسميه نحن بالعامية الببغايو {pabagaio } ..
لشبونة تتحدث الحضارات
لشبونة القديمة ..البرتغال ..
أخدتنا إلي جمال أربعينيات القرن الماضي ..؟
كل الأمكنة تعبر عن جمالها الساحر وتأخذنا شوارعها إلى حقبة جميلة من تاريخها.. تنطق بحب كبير لما تحمله من حضارة عريقة نطقت بالتطور ولم تتخلى عن ماضيها الجميل.. امتزجت بسحر الشرق وطفت على بناياتها سحر الاندلس، هذا ما لمسته ورأيته في المدينة القديمة للشبونة التي تقع تحت قلعة أو قصر جورج الخامس Le château Saint-Georges بني في القرن الحادي عشر .. الذي يتربع فوق جبل يطل على المدينة من كل جانب ويعتبر من اجمل المناظر…
وأنت تتجول في شوارعها وكأنك في بداية القرن الماضي بكل دقة وما يحمله المكان من همسة وشعور ونفس الماضي… الشوارع الضيقة لا تزال بحجارتها المربعة .. والبيوت التي أخذت من هندسة الأندلس سحرها العربي وأسطحها المرصعة بالقرميد الأحمر تشعرك بالفة المكان.. وسكة الحديد التي يسر عليها الترومياي القديم المصنوع من الخشب من الداخل والحديد من الخارج وألوانه الزاهية .. وأزيز عجلاته التي أخدتنا فعلا الى فترة أربعينيات القرن الماضي ..{وما شهدناه من أفلام تاريخية} .. وتعيد اذهاننا الى روائع الادب العالمي ما قرانه عن مدن حالمة اوروبية مثل لشبونة ، وكأننا سافرنا عبر الزمن …
سحر وجمال والفة المكان .. وتقاليدهم التي تشبه كثيرا تقاليد بلاد الأمازيغ في المغرب العربي وخاصة الجزائر منطقة القبائل الكبرى، هناك تشابه كبير في الصناعات التقليدية وخاصة الألوان .. وما لاحظته هناك تماثيل عديدة ومختلفة الأشكال والألوان لمجسم الديك، وعندما سالت السيدة التي تبيع هذه الهدايا قالت لنا أقرأوا هذه القصة المعلقة على شكل كتاب صغير على مجسم الديك..
الأسطورة تقول اإنه حدث في قديم الزمان أن رجلاً زار المدينة فعزمه غني القرية.. واكرمه بعشاء فاخر، ولسوء حظه في تلك الليلة هجم اللصوص على الرجل الغني فأخذوا ماله وذهبه .. وفي الصباح نهض صاحب البيت فلم يجد شيئا من رزقه .. فاتهم الرجل الضيف المسكين بانه هو من سرقه .. وعند محاكمته عند القاضي ..لم يفلح في تصديق القاضي انه لم يسرق الرجل الذي اكرمه .. ثم انتبها الى الديك الذي كان يصاحب الرجل الغني قائلاً : انظروا الى ذلك الديك إنه شاهد علي أنني لم أسرق … انه سيثبت براءتي .. ولما انتهى السيد من إدلاء برأيه نطق الديك وشهد عن الرجل انه لم يسرق .. ومنذ ذلك الوقت وهم يهتمون بمجسم الديك كرمز للصدق والمحبة…
لشبونة 22 أوت 2015
****
(*) الصور بعدسة علاء الدين غرمول