… وأستمرُّ أنتظِرُ!
فالانتظارُ أجملُ أنواع الحياةِ وأفضلُها وأخصبها وأغناها وأعمقُها تأثيرًا وأبعدُها إيحاءً!
أن أستمرَّ أنتظرُ! أن أستمرَّ أحيا أترقّبُ! أن أستمرَّ أترقّب! أن أستمرَّ أحيا أتوقَّعُ!
في كلّ انتظارٍ أحيا غيرَ مرّةٍ. ما يُثريني ويُفيدُني. يُعمّقُ تفكيري في الكون والإنسانيّة والموجودات: أصْلًا ووجودًا ومَصيرًا. وفي هذا شيءٌ من استفزاز. ألاستفزازُ إعمالٌ دائمٌ للفِكْر، ما يُنتِج جديدًا مُفيدًا. وفي كل تَرَقُّبٍ أحيا على أعصابي. ما يُثيرُني ويُثمِلُني. يُعمّقُ نظرتي إلى ما سبق، وإلى الذّات: فرديّة وجَماعيّة. في هذا نوعٌ من تَحَدٍّ. ألتَّحَدّي محاولاتٌ دائمةٌ للتَّخَطّي. ما يؤكّد حتميّةَ التَّطَوُّرِ الفكريّ عَبْرَ العصور. وفي كلّ تَوَقُّعٍ أحيا دهشةَ المُفاجئ المُخْصِب. ألمُفاجئُ يُحَوّلُني نبيَّ المساحات الزّمانيّة الآتية، والمسافات المكانيّة تُكتَشَفُ. يجعلني كائنَ التّأْويلِ والإيحاء.
وأن أستمرَّ أنتظرُ، هو أن أستمرَّ أحيا وأومنُ! أستمرُّ أحيا وأومن؟ أستمرُّ أحيا آملُ، أُصَلّي!
في كلّ انتظارٍ لهفةٌ جديدةٌ. ما يُثيرُ حماستي لاكتشاف جديد. كلُّ جديدٍ مفيد، بشكلٍ ما. ما يبني لي بنيةً ثقافيّة حضاريّةً، تفتح الآفاقَ على ما لا حدود له. ما يجعلُني مولودًا جديدًا على الدَّوام. هذه الولادةُ الجديدةُ المُتَتاليةُ، لا تتوقّف، لا تتعبُ، لا تَمَلُّ، لا تنطفئُ. وتاليًا أغرقُ في الحياةِ ـ الإيمان. هذي الحياةُ تَقوى تُقَوّي. تَرقى تُرَقّي. تَثبتُ تُثَبِّتُ. تُزهرُ تَزدهِرُ. تؤدّي بي إلى الفرحِ يدفقُ عليّ، غزيرًا لا يتوقّفُ، لا ييبسُ. ويتدفَّقُ منّي على مَن حولي، فلا يَلفُّ الآخرين، أو يُحلّقُ بهم، إلّا الفرحُ الحقُّ الّذي خيرٌ وحُبٌّ وجمال. ما يؤدّي بي إلى الأمل غيرِ الزّائلِ! هذا يُطلِقُني المُتَفائلَ الأبديَّ، الحالمَ الأبديَّ، الأبديَّ الإشراق! إذًا أُزرَعُ في القلوبِ، معًا نؤمنُ ومعًا نُصَلّي. لا شكّ في أنّ الصّلاةَ قوّةُ السّلام، فينا، وهَيمَنَةُ السّكينةِ، ورَفُّ الطّمأنينة!
وأن أستمرَّ أنتظرُ، هو أن أستمرَّ أحيا أُحِبُّ! أن أستمرَّ أحيا أُحِبُّ؟ أستمرُّ أحيا أثقُ، أقوى!
في كلّ انتظارٍ رؤيا جديدةٌ أكثرُ جَمالًا، أقربُ احتمالًا، أبعدُ اكتِمالًا. ألجديدُ الأكثرُ جمالًا، أوفَرُ تَواضُعًا، أشملُ نِعمةً. ألتّواضُعُ صفةٌ مهمّةٌ من صِفات النّعمة. ومَن تَزيّنَ بها، تَجَمَّلَ، من دون انتباهٍ، وأحبّه الآخرون، وتَسَيَّد.
هذا، وإنّ أيَّ آخر هو أنا جديد. معًا نغتني، تَخصِبُ نفوسُنا، تعمّ السّعادة. تعمّ السّعادة؟ فالعالم أزهى بهاءً. أغنى نورانيّةً. وتاليًا، فالنّفس الأكثر جمالًا، والأوفر تواضعًا، والأشمل نعمةً، والأزهى بهاءً، والأغنى نورانيّةً، هي النّفس الأنقى حُبًّا، والأصفى طهارةً، والأكمل إنسانيّةً! ما يستتبعُ الثّقةَ العلامةَ الفارقةَ في حياة الحُبِّ المُطَمْئنِ المُطْمَئنّ!
إذًا، ففي كلّ انتظارٍ، جديدٌ أوفرُ أهمّيّةً من سابقِه! وما الانتظارُ الجديدُ إلّا الحياةُ الجديدةُ! ولا يُمكنُ للحياة الجديدةِ، الحياةِ الحقيقيّة الجديدةِ، المُوَشّاةِ بالانتظار، بالتَّرَقٌّبِ، بالتَّوَقُّع، بالإيمان، بالثّقةِ، بالأمل، الصّلاة، الّلهفةِ، الرّؤيا الجديدة، إلّا أن تكونَ ذات جامعٍ مشترَكٍ خاصٍّ، عامٍّ، مادّيّ، روحانيّ، شاملٍ، كونيّ، نقيّ، طاهر، يجمع، في جوهره، القِيَمَ الأرقى جميعَها، الّتي يدّعيها الجميعُ، وينهدُ إليها الجميعُ… إنّه الحُبُّ!
كلُّ انتظارٍ لستِ موضوعَه وصفاتِه وحاجاته وبداياته ومُنتَهاه وغاياته… يبقى الفراغَ الكلّيّ الّلاحاجةَ إليه.
أنتِ، وإن في روحي وقلبي ووِجداني وجسدي وإلى جانبي… تستمرّينَ، أبَدًا، انتظاريَ الأبديَّ الجميل!
ألثّلاثاء 9-8 -2016