الشعار: لاستعاد حقيقة التعايش
نظمت رابطة قنوبين للرسالة والتراث احتفال تقديم المجموعة الأولى من أوراق البطريرك أنطون عريضة في ثلاثة كتب قدمها رئيس الرابطة نوفل الشدراوي وحققها الإعلامي جورج عرب، وكتاب الزيارة الرعائية لمنطقة الجبة من الأبرشية البطريركية عام 1900 (تحقيق الدكتورة كوليت أبي فاضل)، في الواحة الداخلية للكرسي البطريركي في الديمان، برعاية البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي.
حضر الاحتفال وديع رفول ممثلا الوزير السابق إبراهيم الضاهر، المدير العام لوزارة الأشغال المهندس طانيوس بولس، المديرة السابقة في وزارة الزراعة غلوريا أبي زيد، والمطارنة: جوزف نفاع، جورج بو جودة، حنا علوان وبولس صياح، مفتي طرابلس والشمال الدكتور الشيخ مالك الشعار وعدد من مشايخ دار الفتوى في الشمال، رئيس إتحاد بلديات قضاء زغرتا الزعني خير، رئيس “حركة المقدمين” وليم جبران طوق، روي عيسى الخوري، بنوا كيروز، سعيد طوق، المحامي بطرس سكر، رئيس الرابطة المارونية في أوستراليا باخوس جرجس، عدد من القادة الإداريين والأمنيين من ضباط قوى الأمن الداخلي والأمن العام وجهاز أمن الدولة، أعضاء رابطة قنوبين للرسالة والتراث، وأمينها العام المحامي جوزف فرح، وحشد من أبناء قرى قضاء بشري وبلداته.
بداية، عرض الكاتب عرب “مضامين الكتب وآليات تحقيق برنامج أوراق بطاركة قنوبين”.
ثم كانت مداخلات للدكتور جان نخول عن “عمل رابطة قنوبين”، وللنائب البطريركي العام على الجبة المطران نفاع عن “مآسرعريضة الراعوية والإجتماعية”، والأباتي أنطوان ضو عن “محطات تاريخية من أيام عريضة”، ومداخلة لانطوان الخوري طوق بعنوان “عريضة ونسيج علاقات بشري والفيحاء”.
الشعار
ثم تحدث المفتي الشعار، فقال: “سيد هذا الصرح الكبير صاحب النيافة والغبطة، قائد مسيرة المحبة والشراكة، صمام امن الوطن الكبير لبنان وامانه، صاحب الغبطة البطريرك الراعي، أيها النبلاء اخواتي وإخواني، على غير عادتي في هذا الصرح بالتحديد الذي ألفت أن اتحدث فيه إليكم قارئا، آثرت اليوم أن أتحدث إليكم بلساني الحالي قبل المقال، في هذا العرس، في هذا الحفل، الذي عم فيه طرب فكري وثقافي وإجتماعي يبتدئ من مسيرة خليفة البطريرك الكبير الذي إحتفلنا بسنة مضت لمرور مئة عام على ذكراه عنيت به البطريرك (الياس) الحويك وكان لي شرف أن أتحدث عن جانبين من حياته انه مؤسس لبنان الكبير وأنه الذي حمل حل مشكلة المجاعة التي حدثت في الحرب العالمية الأولى. وخليفته لم يكن أقل منه، وبإختصار شديد سأقول كلامي: بطاركة لبنان كل واحد في زمانه هو كبير وطنه وكبير زمانه، وسيأتي اليوم الذي سيردد لبنان صدى بطريركنا السابق البطريرك (نصرالله) صفير، كما سيأتي يوم وستعلو فيه كلمة بطريركنا الحالي الذي ننعم برؤياه مار بشارة الراعي”.
وأضاف: “لأننا نتحدث عن الأوائل، نشعر بأننا نتحدث عن كبار وهذا صحيح. والحالي ليس أقل شأنا ممن مضى من بطاركة لبنان الذي سيخلد التاريخ ذكراهم. كأن سمة البطاركة الأساسية في هذا البلد الكبير لبنان تقوم على أركان ثلاثة: الركن الأول هو القيام بالواجب الديني والكنسي، أما الأمر الثاني فهو الحفاظ على الوطن، هو الحفاظ على لبنان وأما الركن الثالث فهو الإهتمام الكبير الذي قل نظيره ومثيله يوم أن اغنيت المجلدات الثلاثة لمن نحتفل اليوم بذكراه البطريرك عريضة وقد تصفحت كل صفحة بمفردها ليقع نظري على ان إهتمامه بإخوانه المسلمين لم يكن أقل شأنا من إهتمامه بإخوانه المسيحيين. هذا السر، هذا الجوهر، هو الذي يخلد ذكراه الحفاظ على لبنان الإهتمام بالإنسان هو الذي يخلد ذكريات القادة، وأي قادة اعظم وأي قيادة تتقدم القيادة الدينية وخصوصا التي أعطيت مجد لبنان ووهبته”.
وتابع: “صاحب النيافة والغبطة، أيها الأعزاء الأكابر، ماذا عساي أن أتكلم على البطريرك عريضة. لقد طربنا وشعرنا بمشاعر الإعتزاز التي كانت منابر المساجد ومآذنها تردد التحية لهذا البطريرك لأنه عرف جوهر المسيحية. لأنه عرف ان المسيحية هي محبة للإنسان، لأنه ادرك ان الرسالة الدينية والسماوية إنما تقوم على الإهتمام بالإنسان مسيحيا، مسلما، بوذيا أياً كان إنتماؤ.ه فالإنسان خليفة الله في الأرض والإنسان قد نال أولا، وقبل كل شيء، تكريم الله عز وجل له عندما قال الله في جنة علا: “لقد كرمنا بني آدم”. عندما تستوعب المسيحية الإنسان تعانق الإسلام في ما يهتم به من قضايا الإنسان. والقضية الإجتماعية او المسألة الإجتماعية أو التكافل الإجتماعي هو أساس الرسالات السماوية لا تقوم ديانة على مجرد إعتقاد بوجود الله ووجدانيته. فالإيمان تطبيق وعمل عند سائر الرسالات والديانات السماوية لا يكمل في المسيحية. وانا اتحدث امام كبير الكنيسة في لبنان، وأتحدث في هذا الصرح في الديمان لا يكمل في المسيحية إعتقاد من دون عمل ودون محبة للإنسان ومن دون تأدية لفرائض الدين ولفرائض المسيحية من صلوات في الكنيسة، كذلك في الإسلام الإعتقاد الإيمان تطبيق وعمل، لا يكفي ان يكون العمل قاصرا على صلواتنا في كنائسنا او في مساجدنا، هناك عبادة أخرى هي السعي من اجل الأرملة والمساكين، هي إحتضان الفقراء، هي الإهتمام بشأن المساكين والضعفاء وعظمة الدين تكمل في ان يكسبك رحمة وشفقة وقلبا كبيرا لتكون مؤمنا بحق”.
وقال: “أريد ان ألفت الى بعض المواضع في رسالة الإسلام. يقول نبينا عليه الصلاة والسلام: نحن عندنا في ديننا قيام الليل، الصلاة في الليل التهجد في الليل من أبرك وأعظم العبادات وكذلك الصيام في النهار يقول النبي: “الساعي على الأرملة والمسكين كالقائم الليل الصائم النبع”. من قال ان العبادة ان أصلي كل الليل ولا أتعرف الى جاري كيف نبني المجتمع؟ كيف تقوم الدولة؟ كيف يتراحم الناس؟ لذلك قال النبي في حديث آخر: “والله ما آمن بي من بات شبعانا وجاره جائع وهو يعلم”، نفى عنه الإيمان. أما القرآن الكريم فذكر مواقف يدهد القارئ والمتدبر والمدرك لأبعاده يوم الدين هو يوم القيامة والإيمان بيوم القيامة مشترك عند المسلمين والمسيحيين وبقية الرسالات السماوية. يقول ربنا في القرآن: “أرأيت الذي يكذب بيوم الدين، من هو يا رب الذي يكذب بيوم الدين؟ فذلك الذي يدع اليتيم الذي يضغط على اليتيم الذي يهمل اليتيم هو هذا الذي يكذب بيوم الدين”. فتكذيب يوم الدين ليس أن يقول الإنسان ليس هناك بعث بعد الموت وليس هناك لقاء عند الله وجنة ونار الذي يدع اليتيم ويقهر اليتيم كأن هذا لم يستشعر انه سيقف يوم القيامة بين يدي ربه فكأنه يكذب بيوم الدين وينكر الإيمان بيوم القيامة. فذاك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين. كم تحتل القضية الإجتماعية التكافل الشعور بالغير”.
واضاف: “ما الذي جمعنا اليوم ان نتحدث عن واحد من أهم بطاركة لبنان تصفحوا المجلدات الثلاثة للبطريرك عريضة في كل صفحة منها رسالة من فقير أو محتاج من مسيحي أو من مسلم، ثم يلبي غبطة البطريرك النداء والدعاء ويرسل الذي يفي ويكفي ويسد المجاعة ويخفف ألم الفقير أو المريض. قرأت المجلدات الثلاثة تصفحا، لكن أخذت مني أسبوعا على الأقل ما يزيد عن الألفي صفحة، لكن ما امتع قراءتها إقرأوا سطورها وعباراتها الأدبية البليغة لندرك أدب الناس وعاطفتهم التي كانت تستمطر رحمة الآباء والمطارنة والبطاركة”.
وتابع: “هذه القضية الإجتماعية ربما تكون مشكلة لبنان الحالية. فلبنان يئن فنسبة 95 في المئة في لبنان فقراء. أظن انها مبالغة، لكن على فرض أن 40 في المئة من أهل لبنان فقراء، فهل هذه نسبة معقولة؟ كيف ينام احدنا وإخواننا لا يجدون ما لا يسدون فيه رمق الأطفال والمرضى والأرامل والأيتام؟ عندما تناول القرآن الحديث عن فرعون وأعتى أنواع الكفر التي ظهرت في هذا الوجود الكوني هو ما قاله فرعون قال: “أنا ربكم الأعظم”. وعندما تحدث القرآن عن فرعون قال كالناس ما هي مشكلتهم كلنا يدرك ان إدعاءه للألوهية وانه ربهم الأعلى ان هذا خروج عن الإيمان وهو عين الكفر والشر، قال كلا بل لا تكرمون اليتيم. نحن إذا أردنا ان نتحدث عن الأمم الوثنية التي كانت تعبد الأصنام خص من بين تلك الرذايل أنهم لا يكرمون اليتيم. إعتبرها القرآن من أشد أنواع الرذائل لأنها تحمل قسوة على الإنسان، الإنسان هو خليفة الله في الأرض، الإنسان هو مكرم في الأرض والسماء، الإنسان مكرم لذاته قبل أي إنتماء سياسي، أو ديني او مذهبي أو طائفي، ولذلك عدم التكريم للإنسان مسبة كبيرة ونقيصة جرمية يعاقب الإنسان عليها في الدينا وفي الآخرة”.
وأضاف: “صاحب النيافة والغبطة، ما قيل عن طرابلس وعن سجايا وحركة سلفكم صاحب الغبطة الأسبق البطريرك عريضة، كم كنت اود ان نقوله في قلب طرابلس وفي معرض طرابلس، لندعو اهل طرابلس والشمال الى ان يستعيدوا الذاكرة وتلقي النفوس ولتتصافح الأيدي وليضم كل واحد منا اخاه الى صدره وأن نستعيد حقيقة التعايش، حقيقة الوداد، حقيقة المحبة، ان نترجم ديننا الى واقع عملي. يأمرني ديني بمحبتكم ويأمرني ديني وإلهي وربي ورسولي ونبيي أن احتضن أي إنسان ولو لم يكن من ملة الإسلام، لأنه إنسان. وأن أرعاه وأمد له يد العون وكذلك المسيحية التي أنزلت على السيد المسيح عليه صلاة الله وسلامه. نحن بحاجة ماسة ان نعلي الصوت وأن نترجم هذه المعاني وهذه المضامين لتكون حاضرا ومستقبلا بعدما كانت تاريخا وحتى لا تكون ذكريات فقط. أما الجهد الكبير الذي تقوم به رابطة الوادي المقدس قنوبين فلا يتوقف شكرها عند مفتي طرابلس وكفى، ستكلل بشكر كبير منكم، يا صاحب الغبطة. ما هذا الجهد الكبير لهذه الدقائق في سرد الحوادث وجمعها وتحقيقها ثم تصنيفها لتخرج من الأدراج، لكن لا اقول الى الظلمة وإنما الى قلوب الناس مباشرة”.
وختم: “في الديمان نلتقي في هذا الصرح الوطني الديني الكنسي، الذي يقوم على أسس المحبة والشراكة في عهدكم سيدوم وسيستمر ما دام البطاركة أمثالكم، يا صاحب الغبطة. عشتم جميعا وعشتم يا صاحب الغبطة وعاش لبنان”.
الراعي
وكانت كلمة الختام للبطريرك الراعي، الذي قال: “أرحب بإسمي وبإسم إخواني السادة المطارنة، يا صاحب السماحة، وأرحب بأصحاب الفضيلة وبإسمكم وبإسمي أرحب بالحضور الكرام. نحن في كرسي تعود ان يجمع وبإستمرار وجمعنا الليلة بشخص بطريركين كبيرين عريضة والحويك اللذين لا ينفصلان. أود ان أشكر كل الكلمات التي سمعناها جميلة غنية ونطالب رابطة قنوبين للرسالة والتراث، التي أحييها وأشكرها لأنها جمعتنا، أن تتحفونا بهذه الكلمات مطبوعة لأنها جديرة بالتأمل وبالتأمل اليومي لغناها الكبير. شكرا لكل الذين تكلموا بدءا بك إستاذ جورج فبالدكتور جان نخول ثم سيادة المطران جوزف نفاع إبن طرابلس الدكتور أنطوان طوق والأباتي انطوان ضو المعروف بتاريخه. شكرا لكل ما سمعناه وما تعلمناه. شكرا للحوافز التي نلناها منكم في هذه الأمسية الجميلة وانا أستمع الى هذه الكلمات كنت أتساءل: كيف ان العناية الإلهية تجمع البطاركة إثنين إثنين، من دون حسابات وتعرفون أن في إنتخاباتنا البطريركية لا يوجد لا ترشح ولا ترشيح. كنت أفكر نحن هنا في هذا الكرسي هذا الكرسي بدأه البطريرك الياس حويك خادم الله لأنه توجد دعوة الى تطويبه واكمله البطريرك انطون عريضة. ونجد كل هذا القديم هو من زمن الحويك 1905. وهذا الطابق الجديد والكنيسة الجديدة من عهد البطريرك أنطون عريضة. لم يكملا فقط هذا الصرح البطريركي بل أكملا المسيرة الوطنية التي سمعناها”.
وأضاف: “في الحرب الكونية الأولى كان الحويك هو البطريرك وواجه ويلاتها من كل جوانبها، وكان الى جانبه، كما سمعنا، مطران طرابلس آنذاك المطران عريضة. البطريرك الحويك ترأس الوفد الإسلامي – المسيحي الى مؤتمر الصلح في باريس في فرساي 1919، والذي فوضه المسلمون والمسيحيون أن يتكلم بإسم لبنان ونال إعلان دولة لبنان المستقل في أول أيلول 1920 فسمي أبو لبنان الكبير. وبدأت مسيرة الإستقلال وتكوين هذا المولود الجديد واتى العريضة فأنجز الإستقلال سنة 1943 وسمعنا كيف واجه أصدقاءه الفرنسيين في زمن الإنتداب وهو تلميذ باريس وصديق الفرنسيين كيف واجه وكيف كتب أنكم تتصرفون عكس ما انتم عليه في لبنان. دعيتم لمهمة وقتية تتصرفون وكأنكم في زمن دائم وسمعنا كيف قاموا عليه القيامة في هذا الموضوع. والبطريرك عريضة عاش ويلات الحرب الكونية الثانية وكان تمرس في الأولى وعرف كيف يواجه ويلاتها وكيف يحتضن شعبها. وعندما حلت المصيبة بالشعب الفلسطيني عام 1948، وقبل أن يوضع الفلسطينيون في مخيمات ويوزعوا علينا، كتب رسالة الى جميع المطارنة ورؤساء العامين الى المطرانيات والأبرشيات وقال لهم: “إخوة لنا منكوبون تستقبلونهم في بيوتكم في أدياركم في مدراسكم في أبرشياتكم”. هذه خبرة الحياة وهكذا عرفنا لماذا عرف عريضة “ببي الفقير” كيف انه واصل هذه الرسالة التي بدأها الحويك الذي كان يدافع أيضاً عن اللبنانيين كل اللبنانيين، وكان يعترض عليه الفرنسيون ويقولون “أنت المسيحي وتدافع عن مسلم أنت ما هي طائفتك؟”، قال: “طائفتي لبنان”. هذا هو الحويك. وهكذا نفهم ما سمعناه اليوم عن البطريرك عريضة كيف انه لم يفرق بين واحد وآخر. وهذا ما طبع طرابلس التي تكلمنا عليها الليلة فلا تفصل طرابلس عن البطريرك عريضة ولا تفصل ما سمعنا الليلة من جمال هذه الكلمات”.
وتابع: “ذكرنا الدكتور أنطوان طوق بالمدارس. وأنا، في المناسبة، أخشى ان نخسر كل المدارس، لأنه مع الترتيبات الجديدة نحن مع المعلمين ومع أجور للمعلمين تكون بقيمة المعلم، لكن الدولة مسؤولة أيضا عن المدارس الخاصة. لا يمكن ان تكتفي الدولة بإعلان قوانين، لكن عليها أيضا أن تحامي عن المدارس الخاصة.صاحب السماحة، تكلمت على اليتيم، نحن نخشى أن نخسر المدارس المجانية، مدارس اليتيم، مدارس الفقراء، لأنها هذه أيضا لا تستطيع ان تواجه هذه التريبات التي، ويا للأسف دولتنا، فاقدة الشعور باليتيم والضعيف والفقير. ولهذا بلغنا الى ما بلغنا إليه اليوم. ان ثلث الشعب اللبناني تحت مستوى الفقر، ولهذا السبب باب الهجرة مفتوحا واسعا والدولة لا تبالي إلا بمصالحها الخاصة. قلت هذا بين مقسمين وأواصل كلامي كيف أن البطاركة يتواصلون من دون أي سابق ترتيب إثنين إثنين. إثنان من محافظة الشمال: الحويك من حلتا – البترون وعريضة من بشري حارسة الأرز وبلاد المقدمين”.
وقال: “أتت المرحلة الثانية بعد الحويك وعريضة إثنان من الجنوب: البطريركان المعوشي وخريش. المعوشي إبن جزين وخريش إبن عين إبل الحدودية. إثنان متكاملان. كلنا نتذكر المعوشي وصوته الهادر في المحافظة على عروبة لبنان وإنفتاحه، كلنا يعرف كيف صلى المسلمون في صالون بكركي كي يبينوا أنهم ضد سياسة لا تريد أن ننتمي معا الى عالم واحد نبني ثقافته المشتركة. كان عنده حس للإستقلال اللبناني والسيادة وجاء من بعده البطريرك خريش إبن الجنوب أيضا، والذي وقف في وجه الحرب التي بدأت في لبنان، فمشى عكس السير في كل السياسات وكان ضد الحرب الأهلية والسياسات التي إعتمدت. لكن التاريخ سينصف البطريرك خريش لأنه بطريرك عظيم في الزمن الصعب ويبين قيمة هذا الرجل وكيف وقف وتجبر ورفض كل السياسات في زمن لم يكن يريد أحد ان يسمع صوت الإعتدال حتى ان احد السفراء البابويين قال من المطار: “لو سمع اللبنانيون لصوت البطريرك خريش لما كانت الحرب في لبنان”.
وجاء بعده بطريرك من جبل لبنان البطريرك أبينا وراعينا وعميدنا وتاج رأسنا صاحب النيافة البطريرك الكاردينال مار نصرالله بطرس صفير الذي نسميه “بطريرك الإستقلال الناجز”. إنتخب ولبنان يرزح تحت الإحتلال الإسرائيلي والوصاية السورية بكامله وناضل. وكان النداء تلو النداء من عام 2000 الشهيرة وقف وقال كلمته الشهيرة “أنا أنتمي الى سلسلة من البطاركة. أنا حلقة في سلسلة طويلة أعدكم بأن هذه الحلقة لا تنكسر”. ووقف وصمد من أجل لبنان. وإنتخبت أنا من بعده من جبل لبنان. هو من ريفون – كسروان وانا من حملايا – المتن. أنا جئت والطريق معبدة وقلت له: “سيدنا فتحت لنا الطريق واسعا ونحن نسير عليه” ويوم إنتخابي بالذات أتتني الفكرة من طريقة إنتخابي من إخوتي المطارنة في جوهم الأخوي وبثقتهم الغالية يومها أقول “أنزل علي في اللحظة الأخيرة وانا أضع ورقتي البيضاء “شركة ومحبة”، وإعتبرت أن لبنان اليوم الذي كان مجزأ ومنقسما سياسيا الى شطرين، كما تعلمون، كان الواجب إعادة بناء هذه الشركة هذه الوحدة اللبنانية. ولكننا نعيش معا فإننا في حاجة الى إعادة شركة مع الله عز وجل، لأن ما إقترف من مآس ومظالم وإبتعاد عن الدين وممارسة الدين وكيف أن الدين ظهر وكأنه أمر إجتماعي، في حين أن الدين هو روحية حقيقية بعيدة ينبغي أن نعود الى إتحاد مع الله. وعندما نتحد كلنا مع الله حتما نعيش الوحدة الأفقية فيما بيننا ونحن في حاجة الى المحبة لأن هذا المجتمع اللبناني الذي عرف بأنه عائلة واحدة متحابة. وقد سمعنا الكثير عن عيش المحبة في طرابلس وكيف كان أبناء المدينة لا يعرفون دين بعضهم البعض. لكن هذه المحبة رحنا نخسرها يوما بعد يوم، وكان لا بد ان نعود إليها لكي تسلم الشركة. وما لفتني ان هاتين الكلمتين وقعتا في قلب كل اللبنانيين، وعندما كان الشعب يأتي إلينا للتهاني، مسلمين ومسيحيين، كانوا يرددون “شركة ومحبة”، مما يعني ان لبنان في حاجة ماسة الى وحدة مع الله إتحاد عمودي معه من أجل إتحاد أفقي في ما بيننا ليعود لبنان الى سالف عهده ويقال فيه من جديد “نيال من عنده مرقد عنزة في لبنان”.
بعد ذلك، قدم فريق إعداد الكتب المجموعات الى البطريرك الراعي والمفتي الشعار وكل الحاضرين.