ولدت قيتارة الغناء العربي السيدة نجاة الصغيرة بالقاهرة من أب سوري وأم مصرية.. بدأت حياتها الفنية وعمرها لا يتجاوز 16 سنة، وهي أخت الممثلة المصرية سعاد حسني.. كانت بداية السيدة نجاة على يد شقيقها الأكبر الذي كان دائما يدربها على صوت السيدة أم كلثوم التي كانت تعشق أغانيها.
إن ما يميز السيدة نجاة أنها كانت تحمل في ذاتها تلك الأنثى الخجولة .. فحين تقترب منها سرعان ما تكتشف أنها تخفي أشياء كثيرة في أعماقها.. انها فنانة نموذجية وفريدة من نوعها.. انها الفنانة التي امتزج الحب والعشق فيها بالحياء وهذا ما يميزها عن مثيلاتها من الفنانات العرب.
لم تكن دارسة اكاديمية للموسيقى، لكن عشقها للفن و تركيبها النفسية المفعمة بالخجل والحنان اللامحدود واحساسها المرهف جعل منها شعلة فنية لا مثيل لها، وهذا ما نلمسه في صوتها وأدائها وحتى طريقة وقوفها على خشبة المسرح.. انها الفنانة التي لا تحب الظهور كثيرا و لا تعشق الأضواء، وهذه صفة نادرة عند الفنان.
كما تتميز السيدة نجاة بأنها فنانة ذكية جدا وهذا ما نلمسه في اختيارها المتقن لكلمات أغانيها ونوعية الشعراء الذين تتعامل معهم .. لقد كانت حريصة جدا على تقديم ما هو راق و صادق و هادف.. والقليلون من يعلمون العلاقة الوطيدة بينها و بين الشاعر نزار قباني .. لم تكن علاقة عادية ..كانت علاقة تحمل الكثير من المحبة.. كانت عاشقة لأشعاره كما كان عاشق لصوتها وحنانها .. لم تكن تجد راحتها وسعادتها الا و هي بقربه حتى ولو كانت المسافة تبعدهما .. ربما الهوية و الانتماء والأرض جمعهما.. فكانت الرسائل لا تنقطع بينهما.
ان نزار يعتبر احد ابرز الشخصيات الذين ساهموا في بروز السيدة نجاة ان لم أقل إنه الوحيد الذي كان سببا في انتشار شهرة نجاة الفنية .. كما كانت نجاة سببا أيضا في اكتساح الشاعر نزار قباني الوسط الفني والادبي في مصر ويتجلى ذلك في أغنية (أيظن) للشاعر نزار قباني .. هذه القصيدة التي بعثها كرسالة الى السيدة نجاة و لم يكن قصده أن تصبح أغنية وإنما كانت قصيدة مكتوبة من شاعر معجب بشخص نجاة.. فأعجبت بها وأرعت الى الملحن كمال الطويل ليلحنها لكن لم يتمكن من ذلك لصعوبة كلماتها .. لكن اسرار و عزيمة نجاة و مدى حبها لهذه القصيدة خاصة وانها قصيدة غير عادية من رجل غير عادي قامت بنشرها في احدى الصحف المصرية .. مما أدى بالموسيقار محمد عبد الوهاب أن يطلع عليها فاتصل بنجاة وقال لها هل بامكانها ان يأخد القصيدة و يلحنها فلم تصدق نجاة نفسها فتم الاتفاق و لحنها موسيقار الأجيال و أدتها قيتارة الطرب العربي .. ونجحت الاغنية نجاحا لم يسبق له مثيل .. وهنا اشير ان أول فنان تعامل مع نزارقباني كانت نجاة من جانب الأداء و محمد عبد الوهاب من جانب الالحان .
ككل فنان لم تسلم نجاة من الاشاعات و لم تسلم ايضا من المواقف الصعبة ابروها خلافها و تخاصمها مع المطربة فايزة احمد و كان الموسيقار محمد عبد الوهاب هو المصلح .. من بين الاشياء التي تتأسف لها السيدة نجاة هو عدم الغناء من ألحان الموسيقار فريد الاطرش رغم صداقتهما الكبيرة .. و قد امتنعت عن الرد كلما طرح هذا السؤال و نفس الشيئ حدث مع العندليب الاسمر عبد الحليم حافظ .. علما ان الموسيقار فريد الاطرش لم يبخل يوماً على اي فنان بألحانه، و يبقى السؤال مطروحا الى غاية الان.
لقد كان لفقدان اختها سعاد حسني أثر نفسي كبير مما جعلها تبتعد كلية عن الأضواء الفنية كما قدمت اعتراضها على مضمون وشكل مسلسل ( السندريلا ) الذي يروي قصة حياة اختها سعاد حسني والتي جسدت دورها الفنانة غادة رجب .
للفنانة نجاة رصيد كبير جدا من الاغاني الخالدة ابرزها: “..أيظن.. اسألك الرحيلا.. متى ستعرف كم أهواك .. لا تكذبي ..نادانى الليل .. عيون القلب .. انا بعشق البحر.. اسـتنانى .. ساكن قصادى.. لاتنتقد خجلى”.. كما لها العديد من الافلام السينماية ابرزها: “هدية .. القاهرة بالليل .. الشموع السوداء. جفت الدموع .. شاطئ المرح”..
ما يمكن قوله عن نجاة إنها فنانة لها اسلوبها الخاص وطريقتها المتميزة في الاداء والحنان القوي المسيطر على شخصيتها و قد استطاعت أن تؤسس مدرسة فنية خاصة بها.. كما تعتبر الفنانة الوحيدة التي لم تغير من اسلوبها و طابعها الفني و بقيت محافظة عليه و لم تركب الموضة الفنية.. لقد حرصت على أصالة الطرب العربي .. لأنها مدركة تمام الادراك أن البقاء للاصلح والأنظف والأنقى والأرقى .
*****
(*) من سلسلتي عمالقة الطرب العربي.