“عيش كتير” هو فرح كتير وأمل كبير

 

“عيش كتير” هو فرح كتير وأمل كبير. “عيش كتير” برنامج كاميرا خفيّة طريف يُعرض على شاشة تلفزيون الجديد مدّته نصف ساعة وأبطاله أشخاص تعدّوا السبعين من العمر هم (جان دارك زرازير (جاكو) – دعد رزق – جورجيت سويدي – ريمون خيّاط – وليد المنلا – الياس الخوري – يوسف البيطار – سمير عماد). يعتمد البرنامج على خفّة ظلّ الممثّلين الذين يفاجئون المارّة في الطريق، أو الزّبائن في متجر، أو أي شخص يلتقونه، بمقالب خفيفة لا تتعدّى مدّة الواحد منها الدقيقتين وترتكز على موقف مضحك.

“عيش كتير” برنامج مضحك جدًا بمقالبه الذكية اللطيفة وأفكاره المتنوّعة الخلاّقة. هو مُسلّ ومُثقِّف في الوقت نفسه يبتعد عن السخافة والابتذال والوقاحة التي نراها في برامج أخرى؛ جميل وجريء بممثّليه الرائعين الذين يعكسون ثقافة بأدائهم ويحافظون على جديّة عالية خلال ثمثيل المقالب. جميعهم مُضحكون وخفيفو الظلّ، ولعلّ جاكو السيدة الثمانينيّة هي أكثرهم ظرفًا لما تتمتع به من مهارة و”هضامة” وذكاء وأداء مميز.

الممثّلون في “عيش كتير” لا يتصنّعون خفّة الظل، وإنما هم طبيعيّون ومقنعون وخفيفو الظلّ جدًا. لذلك على عكس برامج الكاميرا الخفية الأخرى، التي تدخل في متاهة اللّغو والتفاهة وحرق أعصاب ضحايا المقالب ومعهم المُشاهد وتنتهي غالبًا بمشادّات كلامية وجسدية مؤذية وذلك كلّه في سبيل إضحاك المشاهد أو الأصح “شحادة” الضحك من المُشاهد، فإن “عيش كتير” بسبب تلقائية وشطارة مُمثّليه ينتزع منّا الضحكة بسهولة ويُدخل البهجة إلى قلوبنا.

يعكس لنا “عيش كتير”، في مدّة نصف ساعة، وبطريقة سلسة، الشارع بناسه وردود أفعالهم على اختلافها في مواقف إنسانية معينة؛ والأهم من ذلك كله أنه يضيء على أشخاص مسنّين ( فوق السبعين) يعملون بحرفيّة وجديّة عالية، مثبتًا أنّ المُسنّ ليس شخصًا انتهت مدّته ويجب وضعه على الرّف.

كما يتميّز هذا البرنامج بكونه عملًا يجمع بين أشخاص موهوبين من أجيال مختلفة: شباب ومسنّون، بالعمل معًا، يجسّدون فرح الحياة، في برنامج متكامل من حيث الإعداد والإنتاج (مي نصّور، فادي الهبر وروي منصور) وتنسيق الملابس (ميراي فاضل)، والغرافيكس المعبّر جدًا عن فكرة البرنامج وكل فريق العمل من مدير العمليات ومهندس الصوت ومنفذّي المقالب.

احترمت واقع اختيارهم ممثّلين مُسنّين مثبتين للمجتمع وللأبناء أن المُسنّ هو شخص قادر أن يعيل نفسه في حال توفّرت له الفرصة، وأن الموهبة لا تموت مع العمر، وأن الطموح لا يتوقف ما دام الإنسان على قيد الحياة، وأن شعلة الأمل تبقى تستمرّ شرط ألّا نطفئها بالقوة.

جدّية هؤلاء الممثلين في العمل ومستواهم الثقافي، إلى جانب استمتاعهم بما يقومون به، أمر مهم ومؤثّر ومُختلف يصل إلينا بسهولة وقوّة فتجدهم يعكسون ثقافة في تعابيرهم وطريقة لفظهم وقدرتهم على حفظ أدوارهم، وسرعة بديهتهم، والسيطرة على النفس والارتجال في التواصل مع الناس في مواقف مختلفة خلال المقلب.

لفتني كثيرًا أحد المقالب حين تسأل جاكو الناس أن يقرأوا لها رسالة من حبيبها تعود إلى عام 1944، إذ  تبيّن خلال هذا المقلب أنها أفهم من الجميع الذين لم يتمكن واحد منهم من قراءة الرسالة المكتوبة باللغة العربية بطريقة صحيحة مما اضطرّها على القيام بتصحيح أخطائهم. جاكو موهبة قوية وظاهرة إنسانية تتحدى زمنًا بلاستيكيًا تكنولوجيًا.

لم أتواصل مع أي أحد من فريق العمل عند كتابتي لهذه المقالة، وإنما جاءت كرأي شخصي لإعجابي الشديد بالبرنامج. لم أشأ الدخول في التفاصيل التي، باعتقادي، يجب أن تبقى ملك الفريق وحده، فالنتيجة مرضية جدًا وسأكتفي بما نراه على الشاشة.

نفتقر حاليًا إلى هذا النوع من البرامج الخفيفة الظل التي تذكّرنا أننا أناس طبيعيون وأن هذا هو العمل التلفزيوني الحقيقيّ وليس ذاك المجبول بالسخافة والمستوى الرديء المفروض علينا.

في النهاية، تحية لفريق عمل “عيش كتير” المميّز الذي تفوّق على كثر- ليس عليكم إلا أن تشاهدوا البرنامج حتى تستمتعوا وتفرحوا وتضحكوا و”تعيشوا كتير”.

اترك رد