… عنيتُ أنّ “الصَّنعةَ” لا تؤاتي الحُبَّ، لا تناسبُه، لا تنسجم معه، ولا تتناغم. فهو ليس صَنعة؛ إنّه خَلْقٌ وابتِكارٌ.
“ألصَّنعةُ” نتيجةُ دراسةٍ، هي بدورها، نتيجةُ حاجةٍ… مادّيّة. أجائعٌ، أنتَ؟ فأنت تحتاج إلى صناعة رغيف. أعارٍ، أنت؟ فأنت في حاجة إلى صِناعة ثياب. أَحافٍ، أنتَ؟ فأنتَ في حاجة إلى صناعة حِذاء. أَتريد السّفَرَ؟ فأنت تحتاج إلى طائرة. أتريدُ خزانةً؟ تحتاج إلى نجّار. بيت؟ تحتاج إلى مهندسٍ وبَنّاء و…
والصَّنعةُ الضّرورة، هذه، تحتاج إلى الجودة، قبل الجَمال.
صحيحٌ أنّ الحُبَّ حاجةٌ. لكن لا يُمكِن أن يكونَ صناعة. ألسّبب؟ لأنّه ليس حاجةً مادّيّة! هو حاجةُ نفسٍ وروحٍ. إذًا حاجةُ تَكاملٍ فكريّ وِجدانيّ، على تَشَعُّبٍ وتَناغُمٍ وانسِجام. يعجز الإنسان عن الحياة في العزلةِ، في الوحدة. هذه قَهْرٌ للذّات. قَهرٌ لأنّ الوحدة ألمٌ يؤلِمُ. هذا الألمُ نتيجةُ نقصان. نقصانٌ فِكْريٌّ روحيّ، وِجدانيٌّ عاطفيّ. ولا يَحيا الإنسانُ ناقصًا. يمكن أن يعيش حالةَ نقصان. ألعائشُ نقصانًا، يكون وحيدًا، منعزِلًا، كئيبًا، في حالة يباسٍ وجَفافٍ. فماذا يستطيع أن “يصنع” للخروج من هذه الحالة؟ “ألحالات” المُعالِجة لمثل هذه الحالات، تُبتَكَرُ، لا تُصْنَعُ!
وإن ظُنّ أنّه حاجةُ جسد!؟ لا يكون حُبّا؛ يكون “عملًا” جنسيًّا، لا ابتكارَ حُبّ. “ألعملُ” صنعةٌ تُمتَهَنُ، لا روحًا تبثُّ روحًا، أو حياةً. قد يُظَنُّ الجنسُ عملًا تَكامُليًّا، لكنّه يستمرّ، في أحسنِ الأحوالِ، عمليّةَ تَكامُلٍ جسديّة، بعيدة من الابتكار الرّوحيّ الخَلّاق. ألجنس صناعةٌ جسدانيّة، ألابتكار إلهام روحانيٌّ. لا يُعَمّرُ العملُ الصِّناعيُّ الجنسيُّ، فهو يتلاشى وينتهي في ثَوان. ألابتكارُ مؤبَّدٌ يؤبِّدُ. ألهَشُّ الزّائلُ لا أهمّيةَ له، ولا قيمة. ألمؤبَّدُ قيمةُ القِيَم.
وأنا أتوقُ إلى “الحبيب”، أتوق إليه كلِّه. جسدًا وروحًا. هذا أمرٌ مؤكَّدٌ. لكنّ الشّوقَ الجسديّ ينطفئُ. إذًا هو ناقصٌ ينقص يستمرُّ في نقصان. من نقصان إلى نقصان، مهما أجَدْتَ “صناعتَك”. طالَما أنّها صنعةٌ، أي عملٌ جسدانيٌّ، فهي لن تكون بمستوى الابتكار، ولا بقيمتِه، ولا بأهمّيّته. بينما يستمرّ الشّوقُ الرّوحيّ يعمق، يقوى، يشتدّ، يتضاعف. يستمرّ يلتهبُ. من زيادة إلى زيادة، من شَغَفٍ إلى شَغَفٍ، من احتراقٍ إلى احتراق. إنّه الاحتراقُ يبتكر احتراقا، يبتكر كونًا، يبتكر حياة، يبتكر حالاتٍ وصُوَرًا أخّاذة نفّاذةً أبدًا. إذًا هو يتكاملُ تَناغُمًا وانسِجامًا. يستمرُّ يتكاملُ. من تَكامُلٍ إلى تَكامُلٍ. إنّه الابتكارُ، وهو خَلّاقٌ دائمًا. طالَما أنّه ابتكارٌ، فهو لن يكون إلّا بمستوى الخَلْقِ والإبداع، بما لهما، وفيهما، من قيمةٍ وأَهَمّيّةٍ دائمتَين، مُتَصاعدتَين إلى ما لا نهاية. إلى حيث الكمالُ المِثاليُّ. ولا انطفاءَ فيه، ولا له. هو الاشتعال الدّائمُ، الإشراقُ الأبديُّ!
في “الصَّنعةِ” شيءٌ من يأْسٍ، أَحيانًا. لا يأتي “المصنوع” على ما يشتهي “الصّانع”. هذا “الْيأسُ” فَتّاكٌ، قَهّارٌ، قد يُلغي، فيك، الطُّموح، فتستسلم وتنفرد، وحيدًا، تنوصُ. وفي “الابتكار” قَلَقُ الخلقِ والإبداع الدّائمَين. هذا الابتكار يُلهِب، فيك، الرّغبةَ الحالمةَ، الشَّغَفَ الأكبر، الشَّوقَ الطَّموح، فتزدحم، فيك، صُوَرُ الخَلقِ المُبدِعِ، وتزدهر، أنتَ، ابتكارًا وابتكارًا…
وحين أنت “تبتكر” حبَّك، فأنت “تبتكرُ” حبيبَك. يرتبط الابتكارُ بالابتكار، والحُبُّ بالحبيب. هي طبيعةُ الأحوال!
الاثنين 25 تمّوز 2016